أول من كتب عن وصفة زيت الميرون.. تعرف على أبو البركات رجل الأزمات
عندما تسوء الظروف يوجد نوعان من الناس.. النوع الأول يملؤه الإحباط ويجلس ليبكى مهزوما، والنوع الثاني يجلس ليفكر فيما يمكنه فعله لمقاومة هذا الوضع بقدر طاقته، مؤمنا بأن التغيير سيأتى يوما وأن دوام الحال من المحال.. وقد كان "شمس الرياسة ابن الشيخ الأكمل أبو البركات" رجلا من النوع الثاني.
كان شمس رجل مثقف ومتدين عاش فى القرن الثالث عشر الميلادى تحت حكم المماليك القاسى، ولتميزه عمل كاتبا عند السلطان" الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري" الذى كان يعمل معه كاتبا من وقت ما كان أمير، أخلص له، ويظن بعض الناس أنه كان طبيبا أيضا لما بدا في كتاباته من دقة عن العقاقير والعطور.
اتت الصدمة الاولى فى حياة شمس الرياسة عندما صدر قرار بطرد الكتاب المسيحيين من دوواوين الحكومة، ففقد مصدر رزقه، لكن الكنيسة واراخنتها لمعرفتهم بنبوغه وتدينه وعلمه قاموا برسامته قسا على كنيسة المعلقة بمصر القديمة، بأسم القس إبن كبر.
كتاباته
صدر قرار آخر في إطار إضطهاد الأقباط فى عصره بإغلاق الكنائس، ولما طال الغلق لسبع سنوات استبد القلق والحزن به، وأحس بخطر أن تنسى الطقوس الكنسية المسلمة شفاهة من الأجيال السابقة، ولكونه عالما فاضلا ولاهوتيا ضليعا ومؤرخا كنسيا متضلعلا في الطقوس، فقد قرر توثيقها بكتابة عدد من الكتب يحفظ فيه هذه التقاليد والعقائد المقدسة من الضياع والنسيان نتيجة عدم الممارسة، الذي لم يعرف إلى متى سيطول.
كان أول كتاب يكتبه عن طقس سر الميرون، وصف فيه المواد التي يتألف منها وكيفية طبخه بدقة متناهية.
ثم قام بتأليف أكبر موسوعة لاهوتية للعلوم الكنيسة وهى كتابه الشهير "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة"، ويتضمن هذا السفر العظيم جملة قوانين الكنيسة والمجامع وأخبار الرسل والتلاميذ وقواعد دينية وطقسية وتاريخية وأدبية، وتعد من أهم وأكبر الموسوعات الدينية القبطية. حيث تحتوي على أربعة وعشرين بابا، الأبواب السبعة الأولى عن العقائد المسيحية، وباقي الكتاب يحوي ترتيب القداسات والصلوات والطقوس الكنسية.
ويتضح تواضع أبن كبر الشديد في المقدمة التي وضعها في أول كتابه الثمين، وقال فيها:
" علي أنني لست من العارفين بهذه الوظيفة ولا من القائمين ببعض حقوقها الشريفة؛ لكنني جمعت ذلك من الكتب المقبولة والفرائد المنقولة؛ والعرف المتداول في عصرنا والوضع المستعمل في مصرنا حسب ما أنتهت إليه القدرة وأستوت عليه الفكرة؛ مستعينا بأبي الأنوار ومنير البصائر والأبصار؛ وأنا أتضرع إلي كل من تأمله أن يسد خلله ويتدارك زللـه؛ ويصلح ما لعله وقع فيه من السهو والتقصير وأعترضه التقديم والتأخير؛ فليس يخلو من ذلك الماهر الفاضل والعالم والعامل والمحصل الكامل؛ فكيف من هو عري من هذه الخلل؛ خلي من العلم والعمل؛ مليء بالخطأ والزلل "..!
وضع كتاب عقيدى يسمى "جلاء العقول في علم الأصول" الملقب ب "كهف الأسرار الخفية في أسباب المسيحية"، ويتضمن ثمانية عشر فصلا في وحدانية الله وتثليث أقانيمه والتجسد الإلهي.
كما نسب له أيضا كتاب "البيان الأظهر في الرد على من يقول بالقضاء والقدر"، وكتاب دفاعي بعنوان "ردود على اليهود والمسلمين".
كذلك حفاظا على اللغة القبطية من النسيان ألف معجم "السلم الكبير القبطي" وهو أكبر معجم قبطي عربي يحتوي على عشرة أبواب وثلاثين فصلا، جمع فيه الألفاظ القبطية البحيرية المصطلح عليها مترجمة للعربية. وقد وضعه في عشرة أبواب مقسمة إلي 30 فصلا؛ حيث أفرد فصولا للكلمات المستعملة في كل موضوع أو مهنة؛ فجمع مثلا أسماء الله في فصل؛ وأداوات النجارة في فصل آخر؛ وأسماء الأنهار والجبال والتلال في فصل؛والحبوب والبقول والمزروعات في فصل.... الخ.
كما وضع ابن كبر قائمة بأسماء المدن والقرى المصرية، كما وضع فهرسا خاصا لجميع الكلمات العبرية التي اقتبسها القبط من أسفار العهد القديم.
ألف أيضا كتب خطب تتلى في الكنائس والأعياد والمواسم. والعديد من المؤلفات الأخرى.
رحيله:
اعتزل فى أواخر أيامه حتى سافر للسماء بسلام فى عهد البابا يؤانس التاسع ودفن على الأرجح فى الكنيسة المعلقة. تاركا خلفه ميراث ثمين لعالم مجاهد.