الحب في زمن القدماء المصريين.. خبير يحكي عن قصص العشق قديمًا
يحمل لنا التاريخ المصري القديم العديد من قصص الحب والتي نقلتها لنا العديد من التماثيل، والتي حكت عن معانى الحب الصادقة خلدتها الآثار فى صورة معابد وتماثيل وبرديات
ويغوص بنا خبير الآثار، الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، فى تاريخ مصر القديمة، حيث يقف الزوج مجاورًا لزوجته أو يجلسا معًا على مقعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معًا رمزًا للحب الجارف أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له في كل الأمور، إلى كلمات عذبة من رسائل إخناتون لزوجته نفرتيتى يقول فيها (أقسمت بك يا إلهي أن تجعلها نورًا في قلبي لا ينطفئ، وتجعلني عودًا في ظهرها لا ينكسر، فهي مني وأنا منها وكلانا سر وجود الآخر).
ومن خلال دراسة أثرية للدكتورة هناء سعد المتخصصة فى الآثار المصرية القديمة، نرصد ترنيمات الحب من خلال تمثال مزدوج للملك تحتمس الرابع مع أمه، وهو معروض في المتحف المصري بالتحرير والذي يمثل الملك جالسًا على العرش مع أمه الملكة (تيا)، ويلتف ذراع كل منهما حول خصر الآخر دليل المودة والحب بينهم، وتمثال الملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي بالمتحف المصري والذي يمثل الملك والملكة ويلتف ذراع كل منهما حول خصر الآخر دليل المودة والحب أيضًا.
وهناك أيضًا التماثيل التي أظهرت إخناتون مع زوجته وبناته والتي تعكس الحب والمودة في القصر الملكي وإنسانية الملك، فهناك تمثال يصور الملك إخناتون وزوجته الملكة نفرت إيتي والمعروض بمتحف اللوفر، والذي يمثل الزوجين يقف كل منهما إلى جانب الآخر، ويمسكان بأيدي بعضهما، وينظران إلى الأمام كما لو كانا يتمشيان معًا، وكذلك تمثال يصور إخناتون وهو يقبّل ابنته (مريت آتون)، هذا بالإضافة إلى نقش عثر عليه بتل العمارنة، ومعروض بمتحف برلين، وهو نقش فريد من نوعه، حيث نرى فيه مشهد من الحياة الخاصة للملك والملكة، فنري إخناتون ونفرت إيتي وهم يداعبون ثلاثة بنات من بناتهم الستة.
كما جسّدت النقوش المصرية القديمة معانى الحب فى أجمل صورها فهناك النقش الذي يمثل الملك توت عنخ آمون وزوجته (عنخ إس إن با أتون)، والتي تظهر الملكة واضعة يدها على كتف زوجها، والأكثر إبداعًا هو تمثيل الملك بفردة حذاء واحدة والفردة الثانية في قدم الملكة، نقش ينطق بمدى التكامل والحب بين الرجل والمرأة.
وتماثيل الأفراد والتي منها على سبيل المثال لا الحصر تمثال القزم سنب وزوجته وأبنائهم، وتمثال ل "يوني وزوجته" بمتحف المتروبوليتان (عصر الملك سيتي الأول) بل امتد الحب لأكثر من هذا، فنجد تمثال لشخص يدعى (أوخ حتب) من عصر الملك (سنوسرت الثالث)، ويجمع عائلته المكونة من زوجتين وابنته في تمثال واحد، بل وتسمى زوجته الثانية ابنتها على اسم ضرتها التى لم تنجب
ويوضح الدكتور ريحان أن الآثار المصرية القديمة خلّدت قصص الحب الشهيرة فى صورة مبانى وتماثيل وأشعار وقد خلّد رمسيس الثانى اسم زوجته نفرتارى جميلة جميلات الدنيا والمحبوبة التى لا مثيل لها والنجمة التى تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام وقد أبهرت أزياؤها أعظم مصممى أزياء العالم وهى الزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين كما أطلق عليها فى مصر القديمة وبهذا فهى تستحق لقب ملكة جمال مصر القديمة حين بنى المعبد الصغير على بعد مائة متر شمال شرق معبده وخصص للمعبودة حتحور ورمسيس الثانى وزوجته نفرتارى
ونوه الدكتور ريحان إلى قصة الحب التي جمعت بين الملك أحمس الأول وزوجته أحمس- نفرتاري حيث أقام لها معبدًا في طيبة وقدّسها الشعب بعد وفاتها كمعبودة فجلست مع ثالوث طيبة المقدس (آمون وموت وخونسو)، وقصة حب الملك أمنحتب الثالث والملكة تيي التي تحدت العادات والتقاليد، ومن أجلها أمر بتغيير القوانين المقدسة لكهنة آمون؛ حيث كانت «تيي» من خارج الدماء الملكية ولا يجوز زواجهما، ومن أجلها أمر بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته العظيمة، ومن أجلها أمر بإقامة معبد كرسه لعبادتها في منطقة صادنقا على بعد 210 كم جنوبي وادي حلفا، ويشهد بهو المتحف المصري في القاهرة تمثالًا عملاقًا للملك تجلس إلى جواره محبوبته «تيي» بنفس الحجم في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب
وهناك منظر على ظهر كرسى عرش الملك توت عنخ أمن بالمتحف المصرى يصور جلوس الملك دون تكلف والملكة مائلة أمامه وفى إحدى يديها إناء صغير للعطر تأخذ منه وباليد الأخرى عطر آخر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف، كما يعد تمثال رع حوتب وزوجتة نفرت من الأسرة الرابعة بالمتحف المصري بالقاهرة تحفة فنية رائعة يقف أمامها الزوار فى صمت وإعجاب شديد وكأنها لوحة ناطقة بحروف ومعانى الحب والجمال
وهذه الكلمات الرقيقة من قصيدة العاشقة العذراء عن بردية شستربيتى تشبه أغنية ( يا امّا القمر على الباب) كما جاءت فى دراسة أثرية للدكتور خالد شوقى البسيونى الأستاذ بكلية السياحة والفنادق بالإسماعيلية
لقد أثار حبيبى قلبى بصوته – وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى – أنه يسكن قريبًا من بيت والدتى – ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه – ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك – ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها – أنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى – ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى – إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى – أنه ينتفض فى مكانه، لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى – ولا أضع المساحيق حول عينى ولا أتعطر أبدًا بالروائح الذكية
ويشير الدكتور ريحان إلى أسطورة الحب والوفاء الشهيرة فى تاريخ مصر القديمة المتجسّدة فى وفاء إيزيس لأوزوريس التى تحكى كيف غدر ست بأخيه أوزوريس الذى كان يبغض فيه جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة المحبة والخير بين البشر فدبر مكيدة للقضاء عليه وألقاه بتابوته فى نهر النيل وانتقل التابوت من النيل عابرًا البحر المتوسط حتى وصل إلى الشاطئ الفينيقى فى أرض ليبانو عند مدينة بيبلوس وهناك نمت على الشاطئ شجرة ضخمة وارفة الظلال حافظت على التابوت المقدس من أعين الرقباء
وكان فى بيبلوس ملكة جميلة تسمى عشتروت خرجت لتتريض على الشاطئ فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة وأمرت بنقلها لقصرها، وأمّا إيزيس فبكت على أوزوريس وبحثت عنه على طول شاطئ النيل واختلطت دموعها بماء النيل حتى فاض النهر وبينما كانت تجلس بين سيقان البردى فى الدلتا همس فى أذنيها صوت رياح الشمال تبلغها بأن المعبود أوزوريس ينتظرها على شاطئ بيبلوس فذهبت واستضافتها عشتروت وكانت إيزيس تحول نفسها كل مساء بقوة سحرية إلى نسر مقدس تحلق فى السماء وتحوم حول شجرة زوجها أوزوريس حتى حدثت المعجزة وحملت إيزيس بالطفل حورس من روح أوزوريس ورجعت به مصر تخفيه بين سيقان البردى فى أحراش الدلتا حتى كبر وحارب الشر.