إيمان كمال تكتب: التاريخ لا يسقط بالتقادم.. ولا يصنع الحاضر
مع كل حدث وفعالية تشهدها المملكة العربية السعودية تنطلق حملة من الندب والحديث بأن ما تشهده السعودية من تطور يسحب البساط من مصر كرائدة فى العديد من المجالات فى الشرق الأوسط.
فى البداية دعونا نتفق بأن الحراك الذى تشهده المملكة هو بكل تأكيد أمر جيد..وحالة الانفتاح أفضل بكل تأكيد من المغالاة فى التشدد وبأن أى تطور سينمائى ليس فى السعودية وحدها ولكن أيضا فى أى دولة عربية لا يمكن اعتباره بأنه خطر يهدد «ريادة» مصر أو يسحب البساط منها كهووليوود الشرق كما يطلق عليها دائما.
فتاريخ مصر وريادتها للفنون والآداب وغيرها من المجالات لا يسقط بالتقادم ولا يسقط أمام إنجازات الآخرين..فتاريخيا ستظل مصر هى من وضعت القبلة التى اتجه لها صناع الفن لتحقيق آمالهم، فريادة مصر لا تحتمل التشكيك ولا التأويل..
فعلى مستوى الإبداع نمتلك قائمة طويلة من الأسماء لا يمكن حصرها..لأجيال متتالية صنعت تاريخا لصناعة الفن فى العالم وليس فى مصر وحدها..يوسف وهبى وسيد درويش ونجيب الريحانى ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد فوزى وأنور وجدى وبديع خيرى ونجيب محفوظ ورمسيس نجيب وحسن الإمام ويوسف شاهين وفاتن حمامة وعمر الشريف وشادية وعادل إمام وسمير غانم وداوود عبد السيد ومحمد خان وعاطف الطيب.. وقائمة لا تنتهى من المبدعين والموهوبين.
وعلى مستوى الحفلات والفعاليات والمهرجانات فمهرجانات مصر لها تاريخ أكبر من حصره فى كلمات قليلة..ولكن هنا لا بد من وقفة.
وقفة على مستوى الإبداع ووقفة أخرى على مستوى المهرجانات..فعلى مستوى الإبداع والموهوبين فمصر تمتلك طاقة بشرية ومواهب لا تنضب ولا تنتهى فيكفى أسماء مثل عمر الزهيرى وسامح علاء وغيرهما ممن حققوا جوائز عالمية ودولية فى السنوات الأخيرة وأسماء أخرى مثل منة شلبى التى رشحت للإيمى العام الماضى..لكن للأسف كل هذه الأسماء لن أقول بأنها لا تجد الدعم الكافى بل إنهم يعانون من الهجوم القاسى عبر منصات التواصل الاجتماعى والتى نصبت نفسها فى السنوات الأخيرة كقاض وجلاد يقف بالمرصاد لكل مبدع.
الأمر لا يختلف كثيرا حيال المهرجانات والفعاليات ففى الوقت الذى يقف فيه الكثيرون أمام ما يحدث فى البلاد الأخرى على اعتبار أنها معجزة وعظمة..على النقيض التعامل مع الفعاليات المصرية بحالة من التوحش والكراهية..فننسف فى لحظات من وراء الكيبورد مجهودا ضخما يبذل من أجل الحصول على فيلم فى مهرجان أو حضور صانع سينمائى له تاريخ مهم لعمل ماستر كلاس..فنتجاهل كل ما سبق من أجل أن نتفنن فى أن نسب الفعالية لأن النجمة الفلانية ارتدت فستانا ليس على مازورة البعض الأخلاقية.
فى الحقيقة اتفق مع الجميع بأن البساط يسحب من مصر..لكن ليس بساط الريادة ولا التاريخ لأن من سبقونا سطروا أسماءهم فى تاريخ الصناعة فى العالم..ولكن ما سحب منا هو بساط الحاضر والآن.
وفى الواقع المرير الذى يحمل جزءا كوميديا لا يمكن إنكاره بأن هذا الحاضر هو صنيعة الآراء المنغلقة والجلوس بالمرصاد للموهوبين فى كل المجالات والحقد والكراهية التى يقابل بها كل من سولت نفسه وحقق نجاحا فى أى مجال..فإن كنت لست خبيرة فى الرياضة ولكن يظل محمد صلاح خير مثال.
إذا أردنا امتلاك الحاضر..وإذا قررنا بالفعل المنافسة المحترمة ليس مع السعودية وحدها فنظرة على السينما التونسية والإفريقية وحتى الإيرانية سندرك بأن هذا التطور ليس فى المملكة وحدها..وبأن علينا أن نتعلم «الدعم» و»تقبل الاختلاف» واحترام الإبداع والمبدعين فى بلدنا..وهى ليست حلولا نظرية بقدر ما هى الواقع الذى أصبح مرا بفضل حالة التوحش تجاه الإبداع.
تاريخ مصر لن يمحى.. الإبداع فى مصر لن ينضب..ولكن الحاضر بحاجة إلى وقفة ودعم ومحبة.