عبدالحفيظ سعد يكتب: «المصحف الشريف» بين أمريكا ورسيا
فى لقطة نادرة الحدوث هذه الأيام، تزداد فيه الحرب اشتعالا بين روسيا وأمريكا، لدرجة أنه لم تجتمع فيه الدولتان على موقف واحد طوال عام كامل، إلا أخيرا عندما أصدر الخصمان اللدودان إدانة للحدث المؤسف الذى أقدم فيه المتطرف السويدى الدنماركى راسموس بالودان على حرق نسخة من المصحف الشريف، وهو الموقف المشين الذى أثار غضب مئات الملايين من المسلمين فى كل أنحاء العالم شرقا وغربا.
خرجت روسيا عبر وزارة خارجيتها، بإدانة حرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية فى ستوكهولم عاصمة السويد ودعت لمعاقبة المتطرفين الذين قاموا بالفعل الذى وصفته بالإجرامى..
الإدارة الأمريكية هى الأخرى، خرجت بإدانة للفعل المشين، فى بيان صحفى لوزارة خارجيتها وصفت الحدث بـ «الأمر البغيض والكريه ومثير للاشمئزاز».
المواقف الصادرة من موسكو وواشنطن، تجعلنا نتساءل، من أين جاءت الحمية الروسية والأمريكية فى الدفاع عن المقدسات الإسلامية؟ وكيف أن هاتين الدولتين، تطابق رد فعلهما مع ردود أفعال الدول الإسلامية والعربية، فى بيانات استهجان من القاهرة والرياض وأبوظبى وإسلام أباد وكل العواصم الإسلامية تقريبا، وعلى رأسها تركيا التى اعتبرت أن قيام المتطرف السويدى بالفعل أمام سفارتها موجهًا فى الأساس ضدها، لرفضها أو تحفظها على انضمام السويد وفلندا لحلف الناتو، وهى الخطوة التى يسعى إليها الاتحاد الأوروبى وأمريكا حلفاء تركيا فى الناتو.
ونجد أن اعتراض تركيا على انضمام فنلندا والسويد، لم يكن موجهًا فى الأساس لمواقف السويد تجاه قضايا المسلمين، بل إن سبب اتهام تركيا السماح بتواجد عناصر من الأكراد على أراضيها وتوفير ملجأ آمن لهم من المطاردة التركية.
ولذلك كانت المواقف التركية أكثر المواقف المعبرة عن الغضب تجاه فعل المتطرف السويدى على حرق المصحف الشريف، لأن الفعل حدث أمام سفارتها فى عاصمة السويد، وتزامن مع زيارة وزير دفاعها خلوصى أكار للسويد للتفاوض معها بشأن انضمامها لحلف الناتو.
ولكن هل ارتبط ذلك برد الفعل الأمريكى لاستهجان الفعل المشين؟ ونجد أن الإجابة على السؤال جاءت على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس فى تفسير سبب إدانة بلاده للفعل العدائى تجاه مقدسات المسلمين، عندما أعرب عن تخوفه من أن يتسبب الفعل نفسه فى التأثير على مفاوضات السويد للانضمام للناتو، عندما قال إن من فعل ذلك «ربما سعى عمدا إلى التأثير على المناقشات الجارية بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسى»، خاصة أن المتحدث الأمريكى لم يستنكر الفعل نفسه بل دافع عن حق التعبير والتجمع.
ومن هنا تتكشف القصة الحقيقية وراء الإدانة وتطابق الموقف من أمريكا وروسيا تجاه الفعل السويدى، وأن الأمر لم يكن تباكيًا على قدسية القرآن أو مراعاة مشاعر المسلمين الغاضبين من تكرار مشاهد إهانة مقدساتهم تحت بند حرية التعبير، وأن المواقف والإدانات والبيانات التى تصدر من واشنطن وموسكو، جزء منها يتمثل فى محاولة جذب تأييد المسلمين فى الصراع الصراع الدائر حاليا فى شرق أوروبا.
ولكن يظهر من الجزء الأهم، هو محاولة روسيا أن تأجج مشاعر المسلمين تجاه السويد ومحاولة إحراج تركيا حتى لا ترضخ للضغوط الأمريكية عليها للموافقة على انضمام السويد وفنلندا للناتو، وعدم الاعتماد على حجة أنقرة بأن فنلندا والسويد يوفران أماكن للجوء العناصر الكردية ضدها، بل لسبب آخر يتمثل فى إهانة مشاعر المسلمين، وهو ما يسعى إليه الحزب الحاكم فى تركيا بقيادة رجب أردوغان حتى يحصل على تأييد يسبق الانتخابات البرلمانية والرئاسية التى تجرى هذا العام، ومن الطبيعى أن تتحرك واشنطن وتحاول تدارك الأمر، وعدم ترك الساحة لروسيا بمنع دول جديدة على خط المواجهة مع روسيا للناتو. ومن هنا نجد أن الحقيقة أن روسيا وأمريكا فى مواقف الإدانة لم يكن حبا وتعاطفا مع مشاعر المسلمين الغاضبة بل من أجل مصالحهما.