صراع الإمام والمفتى
منافسة شرسة بين الأزهر والإفتاء على قيادة الإسلام الوسطى
الأزهر أطلق مرصد مكافحة التطرف فى ٢٠١٥ فانتهجت دار الإفتاء نفس الفكرة بتأسيس مركز «سلام» فى ٢٠٢٠
فى عام ٢٠١٤ بدأت المؤسسات الدينية المتمثلة فى الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، الصحوة من أجل استعادة دورهم العملى فى الاقتراب من الناس والمجتمع، بعد سنوات طويلة من الإهمال والفقر التنظيمى والدعوى، ما تسبب فى غيابهم عن المشهد الدعوى لسنوات نتج عنها تصدر أصحاب الأفكار المتطرفة للمشهد الدينى.
لكن يبدو أن هذه العودة والصحوة الوظيفية التى انطلقت منذ ما يقرب من ٨ سنوات لم تكن مدروسة على نحو علمى وتنظيمى، فقد اتبعت تلك المؤسسات منهج «الندية»، مع إطلاقهم ما يشبه السباق على خطف كعكة الدعوة.
وإذا نظرنا بعمق سنجد أن المشهد الحالى لا يحكمه التنسيق والترتيب والتعاون، بل يحكمه الصراع والتشتيت والتضييق والتعدى على تخصصات الغير، والشواهد كثيرة، والوقائع أكثر.
وعلى سبيل المثال قرر الأزهر الشريف فى عام ٢٠١٥، إطلاق وتدشين مركز الأزهر لمكافحة التطرف، وأهدافه مكافحة الفكر المتطرف وتفنيده وبيان فساده وسد جميع النوافذ التى تتسلل من خلالها التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية لعقول الشباب، وعمل المرصد طول ٥ أعوام ونجح من خلال فعالياته ومبادرته فى وصول الفكرة إلى الشباب، عن طريق الرد على الفتاوى المتطرفة وترجمتها إلى أكثر من ١٠ لغات حول العالم، وإعداد مجموعة من الأبحاث والدراسات الإسلامية التى تكافح الغلو والتشدد.
و بعد مرور ٥ سنوات وتحديدا فى عام ٢٠٢٠ قررت دار الإفتاء المصرية تدشين نفس المرصد بنفس الآليات والفكرة وطريقة التنفيذ، وأصبح وجه الاختلاف بين مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ومركز دار الإفتاء للتطرف الذى سمى فيما بعد مركز سلام لدراسات التطرف فى المجتمعات العربية والغربية، هو الاسم فقط.
وبالنظر لآليات المركز التابع لدار الإفتاء سنجد أنه لا يختلف كثيرا عن آلية العمل المعمول بها فى المرصد التابع للأزهر، وربما نؤكد أن دار الإفتاء انتدبت بعض الباحثين من الكليات المختلفة بالأزهر الشريف للعمل ضمن الهيكل الوظيفى لهذا المركز، حتى أن رئيس المركز الدكتور إبراهيم نجم، مستشار المفتى أضفى شرعية دولية على تأسيسه للمركز، من خلال مؤتمر دولى حضره كبار الشخصيات الدينية فى العالم، والمفارقة هنا أن هذا المؤتمر لم يحضر فيه قيادة أزهرية واحدة، ولم تتم دعوة الإمام الدكتور أحمد الطيب أصلًا.
دار الإفتاء المصرية هى المؤسسة الدينية المسئولة عن إطلاق الفتاوى والرد عليها، وتم إنشاء المؤسسة منذ أكثر من ١٢٠ عامًا لدعم البحث الفقهى من خلال وصل المسلمين المعاصرين بأصول دينهم، وتوضيح معالم الإسلام لكشف أحكامه فى كل ما استجد على الحياة المعاصرة، إذًا فهى الجهة المفوض لها الإفتاء وبيان أحكام الشريعة فى كل ما يخص حياة المسلمين داخل المجتمع، وعلى مدار سنوات من العمل فى الرد على فتاوى الناس من خلال منافذ متعددة أسست دار الإفتاء المصرية وحدة متخصصة للرد على الفتاوى الإلكترونية.. لكن يبدو أن الأزهر الشريف قرر هو الآخر التدخل فى اختصاصات دار الإفتاء لينشئ هو الآخر وحدة شبيهة للفتوى، أطلق عليها مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية. دشنها عام ٢٠١٧، أى بعد تأسيس الإفتاء للوحده الإلكترونية بـ٧ سنوات تقريبًا.
صراع ضرب التخصصات والسطو على الملفات المنوط بها كل مؤسسة لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى المبادرات والحملات الإعلامية والمجتمعية، فعندما يطلق الأزهر مبادرة تتجه دار الإفتاء لتدشين نفس المبادرة، وإذا أطلقت دار الإفتاء حملة خدمية يتجه الأزهر لعمل نفس الحملة بنفس الأهداف والآليات.
وللدلالة على ذلك، شهد شهر مارس الماضى ٢٠٢٢ إطلاق الأزهر مبادرة مجتمعية لتأهيل المقبلين على الزواج.. مبادرة مجتمعية هدفها عقد دورات تدريبية للشباب والفتيات لإرشاد وتأهيل المقبلين على الزواج على مهارات الحياة الزوجية، وكيفية التعامل مع المشكلات والضغوط الحياتية التى يواجهها الزوجان، وتحقيق السعادة الزوجية والاستقرار الأسرى للزوجين، والحد من ظاهرة الطلاق والتفكك الأسرى، وزيادة الوعى بأسباب السعادة الزوجية، ومتطلبات الحياة الزوجية وطرق حل مشكلاتها، وبسبب ارتفاع نسب الطلاق بين الشباب لأسباب راجعة فى أغلبها إلى قلة المعرفة وعدم التأهيل المناسب، ونجحت المبادرة وحققت الرسالة المطلوب منها على مدار أكثر من ٤ أشهر.
وبعد ٦ أشهر أطلقت دار الإفتاء نفس المبادرة بنفس الفكرة وبنفس الآلية، حتى أن صياغة البيان الذى أصدره الأزهر الشريف هى نفس صياغة دار الإفتاء.
أيضًا فى شهر يونيو من نفس العام أطلق الأزهر الشريف مبادرة مجتمعية أخرى تحت عنوان «لتسكنوا إليها» هدفها مواجهة التكاليف الباهظة للزواج فى محافظات الجمهورية، وسعت المبادرة لتحقيق مجموعة من الأهداف التى تقضى على العادات السيئة والمتبعة فى الزواج، أملًا فى تيسير الأمور المتعلقة به، ومواجهة المغالاة فى تكاليفه، خاصة فى مثل هذه الظروف الاقتصادية التى يعانى منها العالم أجمع.
وهنا لا تندهش إذا علمت أن دار الإفتاء أطلقت أيضًا نفس المبادرة وبنفس آلياتها فى شهر يناير ٢٠٢٣، حيث خرج مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام، ليتحدث عن المغالاة فى تكاليف الزواج، وحينها وجهت الدار رسالة إلى أولياء الأمور فى التيسير على الشباب الراغب فى الزواج، خصوصًا أنهم فى بداية حياتهم، منعًا لإرهاقهم ماديًا.
قبل سنوات قليلة كان يرى الأزهر الشريف أن بعض تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعى حرام شرعًا لا يجوز اقتحامها أو الاقتراب منها، نظرا لوجود المفسدات فيها، ومشاهد غير لائقة. هذه التصريحات التى كانت تصدر عن بعض علماء الأزهر سواء فى مجمع البحوث الإسلامية أو داخل قلعة مشيخة الأزهر استغلتها دار الإفتاء استغلالًا منطقيًا ليتماشى مع لغة العصر الحالى، وهو الوصول للناس من خلال بعض تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعى المستحدثة، مثل التيك توك، وهنا عمدت دار الإفتاء إلى تدشين قناة رسمية لها عبر هذه المنصة لتخاطب منها الشباب وتقترب منهم، وفى نفس الوقت وضعت بعض الأساتذة والعلماء فى الأزهر الشريف فى حرج، بعد أن حرموا الدخول على مثل تلك المنصات «الكافرة» على حد وصفهم.
وبعد أن وضعت دار الإفتاء شيوخ وعلماء الأزهر فى حرج بعد تلك التصريحات، قرر المركز الإعلامى للأزهر الشريف تدشين حساب على تطبيق تيك توك، بعد ستة أشهر من تاريخ إنشاء دار الإفتاء لحسابها على نفس المنصة، وقال بيان الأزهر حينها إن تلك المنصة سوف تساعدنا فى الاقتراب من الشباب، لا سيما أن هناك قطاعًا عريضًا من الشباب لديه حسابا على ذلك التطبيق.