حسام عيسى يكتب: توجهات الإدارة المصرية.. رؤية سياسية
إن علم الاستراتيجيات هام جدا لإدارة الدول وخاصة استراتيجيات الأولويات حيث إن تلك الأولويات لها حددوا في كل حقبة زمنية مرتبطة بالتحديات والصعاب على كل دولة وإقليم، فتحديات الشرق الأوسط وخاصة مصر مثلًا مختلفة عن دول الخليج وأمريكا، وبالتالي تحدد كل دولة أولوياتها للتغلب على تلك الصعاب التي تواجهها، ومن هذا المنطلق نذكر كتابي: "الاستراتيجيات ومحترفو الأمن القومي للكاتب "هاري أر. جايز" و"الاستراتيجيات ونظريات العلاقات الدولية" لمؤلفيه: جلين بالمر وكليفتون مورجان حيث يناقش من خلالهم تغير الاستراتيجيات والأولويات في منطقة الشرق الأوسط إبان عام 2011 وما تبعها من أحداث الثورات العربية والافتعالات في ذاك الوقت، حيث أدت التغيرات إلى زيادة النفوذ الأمريكي وإحكام قبضتها على المنطقة من أجل السيطرة على غازالمتوسط بعد تواجده بكميات تعوض الغاز الروسي إلى أوروبا. وفي كتاب "مائة عام من التنوير" لكارل بوبر" أقر أن سبيل الخروج من التحديات الخارجية هي: الإيمان المجتمعي والثقة في الإدارة بما لها وبما عليها والتصحيح، وتلاحم النظام الاجتماعي مع النظام السياسي.
فالأساس بالنسبة لأولويات الدول هو البقاء، الاستقرار، السيادة، والتنمية وهذا ما أقره علماء الإستراتيجيات مما يتطلب وجود جيش قوي لحماية مقدرات الدولة والحفاظ على ثرواتها، فمثلًا: إذ لم تصل مصر للمرتبة التاسعة في القوة العسكرية وفقًا لتصنيف 2022 لسيطرت قوة خارجية على حقلي ظهر ونرجس للغاز حيث يقدر عائده بنحو مليار دولار شَهْرِيًّا للبلاد، وبالتالي كان للدولة أولوية قصوى في تدعيم الجيش وخاصة لوجود تركيا في ليبيا وتنقيبها على الغاز بجوار الحدود المصرية وسعيها للسيطرة على غاز المتوسط بدعم أمريكي.
لقد أوضح مورجنثاو في كتابه "السياسة بين الأمم" أن العلاقات بين الدول هي أساسها الصراع على القوة، فلا يوجد حكومة أو قانونا يحكم بين الدول في عالم فوضوي دون حاكم قضائي- فالحاكم حَالِيًّا هو قوة الدولة التي تنقسم إلى ثلاث قوى، وهم: العسكرية، الاقتصادية، والبشرية. فمثلًا أكبر دولتين في الأمم المتحدة المنوطة لهم بفرض الأمن والسلام على مستوى العالم هم روسيا وأمريكا إلا أنهم الآن من يسعون إلى فرض الصراعات وعدم الاستقرار العالمي.
إن الدول العظمى لديها اكتفاء ذاتي لمعظم احتياجاتها وتسعى إلى المزيد على عكس دول العالم، وبالتالي فإن الصراع من أجل الثروات الاقتصادية، هو الحاكم في العلاقات الدولية، فالدول تخشى بعضها البعض بسبب قوتها، وهذا ما أيده الكاتب المصري "صبري مقلدا" في العلاقات الاقتصادية عندما أوضح أن أساس العلاقات الخارجية تؤثر على السياسة الداخلية في كل دولة، ومن جانبه أكد جاك فونتانا الحائز على نوبل في الاقتصاد في كتابه الصادر عام 2014 تحت عنوان "العولمة الاقتصادية والأمن القومي الدولي" أن الصراع من أجل اقتناء الثروات هي عقيدة لدى الدول في تعاملاتها الدولية، من أجل السيطرة، حيث تبحث الدول عن القوة لفرض إرادتها على باقي الدول.
ونذكر أن أسباب تسلح الجيوش يرجع إلى العداء بين الدول، الحفاظ على الثروات والحد من نهبها، ومنع أي تدخل خارجي على الدولة.
إذا تحدثنا عن الإرهاب في سيناء يمكننا توضيح عنصر هام ألا وهو الغاز الكامن في شرق البحر المتوسط والقريب من العريش، حيث يمثل ما يقارب من 40 % من حجم غاز البحر المتوسط بأجمعه، والمتمثل في حق "نور" حيث يمكن لمصر تعويض أوروبا بأكثر من 50 % من احتياجاتها من الغاز بديلًا عن غاز روسيا، نظير حربها مع أوكرانيا والخلاف القائم بينهم. وقد أعلنت شركة إيني أنه في عام 2030 يمكنها أن يوفر الغاز دخل لمصر مقدر ب500 مليار دولار سَنَوِيًّا مقابل إمداد أوروبا بالغاز.
إن الدول الناشئة بشكل عام ومصر خاصة لديها تحديات قوية لأنها نقطة تنافس وصراع، فأكثر الدول تنافسية هم: أمريكا، روسيا، والصين، والسؤال هنا لماذا مصر؟ وتكمن الإجابة في الآتي: لقد أوضحت الولايات المتحدة استراتيجيتها عقب 1948 المتمثلة في سيطرة أمريكا على الطاقة وطرق التجارة والممرات المائية، ونحن نمتلك الغاز وقناة السويس بالتالي فنحن مطمع لها، لذا تسعى دومًا الولايات المتحدة فرض سيطرتها السياسية وإرادتها لخدمة مصلحتها، ومن جانبها تحاول الدولة المصرية الخروج من العباءة الأمريكية حتى تنعم بثرواتها وحرية قرارها. وعلى جانب آخر الصين حيث تقدر قيمة تجارتها العابرة من قناة السويس حاول 25 % من تجارتها ككل فهي ترغب في تأمين تدفق التجارة بشكل أمن فيه تريد فرض سيطرتها على مصر من أجل هيمنتها التجارية، ففي عام 2011 تعاقدت مع إسرائيل لإنشاء خط بين ميناء إيلات في خليج العقبة حتى ميناء أشدود على البحر المتوسط وإمداد خط سكة حديد بعرض دولة فلسطين بلغ قيمته 13 مليار دولار، وسمي بطريق البحر الأبيض الأحمر، لربطه بين خليج العقبة والبحر الأبيض، لذا كان ضَرُورِيًّا من إنشاء تفريعة قناة السويس مما ساهم في رفع إيراد القناة إلى أكثر من 7 مليار دولار سَنَوِيًّا.
وأكد ماكيندر عالم الجيوبوليتيك على الموقع الجيوسياسي للدولة، فقد أوضح أن من يسيطر على مصر والشام يسيطر على جزيرة العالم (إفريقيا وآسيا وأوروبا)، ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم، ولأن مصر هي نقطة ارتكاز الشرق الأوسط ن فهي مطمع للدول الساعية للهيمنة العالمية.
ينقسم العالم إلى اتجاهين: "رأسمالي" فيها مهمة الدولة إرساء الأمن والاستقرار في البلاد فقط مما أدى إلى أزمة الكساد العالمي في بداية القرن العشرين و"اشتراكي" تسيطر الدولة سيطرة كلية وتراعي البعد الاجتماعي وأدى إلى تراجع رفاهية الفرد.
وفي كتابه "المستقبل والطبيعة الإنسانية عام 2014" للعالم يورجن هابرماس أقر إلى ضرورة اتباع البعد الاجتماعي أو ما يسمى بالليبرالية الاجتماعية على الرغم من قلة الموارد الاقتصادية المتاحة سواء علمية أو تكنولوجية وهذا أصعب الطرق في إدارة الدول.
وفي تقرير شهر ديسمبر 2022 لمدرسة "فرانكفورت النقدية الألمانية" قالت إنه على رغم من بُعد الحرب الروسية- الأوكرانية عن أمريكا بآلاف الكيلومترات إلا أن التضخم وصل في الولايات المتحدة إلى أكثر من 11 % رغم عدم استيرادها الغاز من روسيا أو القمح من أوكرانيا دون مراعاة للبعد الاجتماعي في دولتها، كما وصلت الفائدة في سعر الدولار إلى 4،8 % وذلك للضغط على دول العالم عن طريق إرهاقها اِقْتِصَادِيًّا من أجل السيطرة عليها سِيَاسِيًّا.
إن الدولة المصرية تسعى إلى التنمية في وقت مؤثر بين الدول العظمى الطامعة في السيطرة، وإذا تتبعنا توجهات الدول فيما مضي وخاصة بعد ثورة 30/6، يتضح أنه رغم التحديات التي تواجه الإدارة المصرية والحروب الخارجة عن إرادتها، فقد حرصت على مراعاة البعد الاجتماعي وقدمت مبادرات هامة، منها: 100 مليون صحة الذي يعد إعجازا اجتماعيا، حيث أصبحت مصر خالية من فيروس سي، وأيضًا قدمت أكثر من 15 مبادرة صحية، وكذلك حياة كريمة التي تخص 60 مليون مواطن، تركز على أكثر 400 قرية فقر في محافظات مصر، تطوير أكثر من 5000 قرية، وقد بلغت ميزانيتها 600 مليار جنيه مصري بحلول عام 2025 بدلًا من 2030، وتختص بتطوير المجتمع بكافة جوانبه سواء مدارس، مستشفيات، مراكز شباب، شهر عقاري، كهرباء، غاز، وصرف صحي، ويطلق على هذا التطوير لقب "الجمهورية الجديدة".
و بنظرة سياسية - تتبع الإدارة المصرية "الليبرالية الاجتماعية" كما وصفها العالم "يورجن هابر ماس" والتي وصفها بأنها أصعب الطرق في إدارة الدول، حيث تضع في استراتيجيتها وأولوياتها أكثر من هدف مع قلة الموارد المتاحة، حيث تضع أولوية الفرد أولا، مما يرهق صانع القرار، وذلك عند اتخاذ قرار بدعم القوة العسكرية يرى الاحتياجات الاجتماعية، وعندما يدعم القطاع الخاص والرأسمالية ينظر إلى البعد الاجتماعي للشعب، وهنا يكمن الصعب مع الاحتياجات الضرورية في المقابل قلة الموارد المتاحة.
وللتصدي لتلك التحديات، أكد العالم "ألكسندر وندت" في كتابة "النظرية الاجتماعية" أن السبيل هو تلاحم النظام الاجتماعي مع النظام السياسي أي تلاحم الشعب مع الحكومة والعمل سويا من أجل دعم قوة الدولة وبناء ثقافة وهُوية حضارية تستطيع أن تنمي الإمكانات وتتصدى للتحديات.
وهذا ما أكد عليه العالم "استيفني فيلتي " في كتابة "نظرية الهُوية الحضارية" الصادر عام 2014م، أنه في ظل الصراع التنافسي بين القوى العظمى على الثروات والقوة الاقتصادية، على باقي الدول الناشئة والنامية التسلح بالهُوية الحضارية والترابط المجتمعي مع القائمين بالإدارة على أساس الدعم لهم وأيضا أن يكونوا رقباء عليهم لتصحيح الأخطاء بشكل انسيابي دون خسائر على الدولة مع الدعم الكامل للدولة لحماية بقائها.