عملية ايلات ... والصيد الثمين
ما أن بدأت عملية ايلات وتناولتها وسائل الإعلام ،حتى سارعت إسرائيل إلى تحميل غزة المسؤولية عن العملية، وشرعت في تنفيذ عمليات اغتيال وقصف واسعة النطاق بحجة السعي لجباية ثمن من الأطراف التي تقف خلف العملية، فقامت إسرائيل وعلى لسان وزير الحرب ايهود باراك باتهام غزة بالوقوف وراء الهجمات ، وقال أننا سنتحرك ضدهم بكل ما لدينا من قوة وتصميم، كما اتهم الجيش الإسرائيلي لجان المقاومة الشعبية في غزة بالوقوف وراء الهجمات وقال إن هؤلاء حاولوا خطف مدنيين أو عسكريين إسرائيليين.
تلك الاتهامات لاقت قبولاً واسعا من الحكومة الإسرائيلية ورفضا من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية وحكومة حماس بقطاع غزة ، حيث لم يتبنى أي فصيل عملية ايلات، وصرحت حماس عبر القيادي في حركة حماس الدكتور صلاح البردويل بأن إستراتيجية حماس واضحة بمقاومة الإحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تتبنى عمليات من خارج الحدود.
لم تلقى تلك الاقاويل صدى لدى الكيان الصهيوني فقامت على الفور طائرات الاحتلال الصهيوني بقصف منزلا لأحد كبار قادة ألوية الناصر صلاح الدين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة مما أدي لسقوط 6 شهداء وعددا من الإصابات كان من بينهم الأمين العام للجان المقاومة الشعبية وقائد الجناح العسكري لألوية الناصر صلاح الدين وقائد وحدة التصنيع في ألوية الناصر صلاح الدين، وتوالت بعدها ردات الفعل من المقاومة الفلسطينية والإمعان في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
على الرغم من الغموض الذي يكتنف تفاصيل عملية ايلات ومنفذي العملية، إلا أن إسرائيل بتسرعها لاتهام غزة بالتنفيذ للعملية له مؤشرات ودلالات عدة أرادت له إسرائيل أن تكون على وقع ضربات المقاومة الفلسطينية بعد قصفها لقطاع غزة، وجندت إسرائيل تلك العملية لصالحها واستطاعت أن تصدر أزماتها الاقتصادية الداخلية وفشلها الأمني الذريع إلى قطاع غزة، كذريعة لتخفيف حدة الأزمة الداخلية التي كادت أن تعصف بالحكومة الإسرائيلية.
حيث شكل التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية إيلات فرصة مواتية لحكومة بنيامين نتنياهو لتخطي عقبة الاحتجاجات التي تشهدها المدن الإسرائيلية على خلفية الغلاء،، فالصواريخ التي أشعلت القطاع هي التي أخمدت الاحتجاجات، حيث كان نتنياهو في انتظار الفرصة لكبح برنامجه الاقتصادي بشكل مؤقت متذرعا بالأزمة الاقتصادية العالمية، حيث رأى أن التوتر على الجبهة الجنوبية، كان كفيلا بصرف النظر عن حملة الاحتجاج، وأن يعود الموضوع الفلسطيني إلى تأدية دوره في تأجيج الإجماع القومي الصهيوني.
كما سعت إسرائيل عقب عملية ايلات إلى الوقيعة بين حكومة حماس في قطاع غزة ومصر ، فادعائها بأن منفذي العملية قدموا من قطاع غزة تهدف إلى تأليب الحكم الجديد في مصر على قطاع غزة وحكومة حماس، تلك الوقيعة ستؤدي بالضرورة إلى تعاون مصري أكثر عمقا مع إسرائيل في محاربة عمليات تهريب السلاحـ إضافة إلى إقناع القاهرة بفرض قيود على طابع العلاقة مع حماس مستقبلا حتى بعد إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مصر، وهو التطور الذي تخشى إسرائيل أن يشكل نقطة تحول فارقة نحو فتح صفحة جديدة في العلاقة بين غزة ومصر.
لهذا كانت عملية ايلات بمثابة طوق نجاه لحكومة إسرائيل وصيد ثمين لاستثمارها في إدارة أزماتها الداخلية والخارجية، حيث استطاعت توظيفها بوقف حملات الاحتجاجات في المدن لديها من خلال تصعيدها العسكري على قطاع غزة، إضافة لكسب موقف القاهرة وفرض مزيداً من العزلة السياسية على قطاع غزة وحكومة حماس بعد انتخاباتها الرئاسية والتشريعية.