عضو الأعلى للشؤون الإسلامية": الليث بن سعد علَّم الإنسانيةَ معناها من أرض مصر
صدر حديثًا عن دار زحمة كُتَّاب للثقافة والنشر، كتاب المجدد المصري الإمام الليث بن سعد لمؤلفه الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية، والذي يقدم سيرة بطل من ريف مصر القديم، أسهم في خدمة العلوم الإسلامية من فقه وشريعة وسُنّة وعقيدة، وأبدع في التصنيف، وجدد في أساليب العطاء، وعلَّم الإنسانية معنى الإنسانية من أرض مصر، وأحسن في ترسيخ الأخوة الإنسانية وآداب الحوار والجوار.
ويستعرض "سليمان" خلال كتابه، وعبر بطله، ريادة البيئة المصرية الخصيبة (العلمية والفكرية والمنهجية) التي علَّمت الدنيا العلوم والفنون والآداب، حيث يمثل الكتاب الذي سيعرض خلال فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته (54 )، سياحةً تاريخيةً وحضاريةً في حقبة مهمة، كانت وستظل المرتكز والقاعدة الصُّلبة، مع ما تلاها من عقود التشييد الفكري والحضاري، التي قامت عليها حضارة إسلامية زاهرة وزاخرة؛ علَّمت العالم، وأنارت جنبات الدنيا، حيث ينقل الكتابُ العصرَ الذي عاش فيه الإمام الليث للقارئ، ويجعله يعيش أحداثًا لم يرها، ويتفاعل معها وكأنه جزءٌ منها.
وبشأن اختيار موضوع الكتاب، أوضح الكاتب أنه جاء نظرًا لحاجة الأمة الماسة إلى استلهام القيم التربوية والحضارية والإنسانية والتجديدية التي أرساها العلماء الكبار من مجددي الأمة، والتي أسهمت في ثراء الفكر الديني، وتجديد خطابه عبر عصور الإسلام المختلفة؛ لتستوعب متغيرات الحياة المتطورة، وتُسهم في توظيف القيم الدافعة للتقدم في الفكر الإسلامي، واستثمارها لتحقيق رفاهية الإنسان، وتَقدم الأوطان.
وأشار إلى أن دراسة سيرة الإمام المجدد المصري الليث بن سعد وتراثه الذي جمع بين العلوم الشرعية والعلوم المدنية، وعصره، وبيئته المصرية التي كانت تعج بحركة علمية فريدة؛ تُسهم في إبراز مناجم التاريخ العقلي للأمة بمنتجاته المختلفة، وريادة العقل المسلم في إبداع المنهج العلمي، وتفرده في ابتكار علوم ما يزال العالم كله يستفيد منها، ويسير على هداها حتى الآن.
وشدد على أن دراسة سيرة الإمام الليث تصبُّ في دعم تدفقات نهر التجديد والاجتهاد، الذي شيَّدته وتغذيه القوة الذاتية التي أودعها الله تعالى في المنهج الإسلامي، كما تعدُّ خطوة مهمة على طريق الإنارة الفكرية، والبناء السلوكي الرشيد للنشء والشباب؛ من خلال استلهام الدروس والعبر، والقيم البانية للوجدان وللإنسان وللأوطان، من سير هؤلاء الكبار أصحاب الأمجاد (الفكرية، والإنسانية، والحضارية)، الذين يجب أن نفتخر بهم، ونحيي تاريخهم وذكراهم على الدوام.
وأوضح الكاتب أن هذه الدراسة تستهدف إبراز معالم شخصية الإمام الليث بن سعد (رضي الله عنه)، وجهوده الفريدة في خدمة الحديث النبوي الشريف، والفقه الإسلامي، وإسهاماته الأخلاقية والفكرية والحضارية، حيث كان يقدم الأخلاق على العلم، ويقول: "تعلموا الحلم قبل العلم"، وإبداعاته الإنسانية والاجتماعية والوطنية، وحرصه على تحسين حياة الناس، وصون حقوقهم، وعلمه الدقيق بوطنه وما يُصلِحه وما يصلح له، وتقديم رؤيته الاستراتيجية المبكرة بشأن تنميته وتقدمه ودعم لُحمته ومكوناته الوطنية، وتقديم كل ذلك إلى الأجيال للإسهام في توجيههم وبنائهم على أساس من الأخلاق والمُثُل الفاضلة، وترسيخ الانتماء للوطن الذي باركه الله.
وقال الكاتب إن الدراسة تلقي الضوء بوضوح على دور البيئة المصرية على سير الشريعة الإسلامية وتطورها، وفضلها على العلم والعلماء الذين كان لهم الدور الكبير في تطور الحركة العلمية ودور العلماء المصريين والبيئة المصرية في حفظ الحديث الشريف والشريعة الإسلامية الخالدة وشتى علوم العربية والإسلام.
وتقديرا لأهمية موضوع الكتاب وتفرد كاتبه بتناول سيرة هذا الإمام الجليل، الذي سبق أن تولى منصب مفتي الديار المصرية، وصف الكاتب الكبير أحمد المسلماني، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، المستشار السابق للرئيس المصري، الكتابَ الجديدَ بالرصين، مؤكدًا أن هذا الكتاب جادّ جاء نتيجة بحث طويل ومعمّق، وقراءة متفحصّة لحياة الإمام الليث وفكره وعصره، ويعدُّ ركنًا في مشروع فكري واحد، بعنوان "شيخ الإسلام الليث بن سعد" يمكنه أن يُعيد الإمام إلى مكانته، ويدفع المدرسة الوسطية المصرية قُدمًا إلى الأمام. مشيرًا إلى أننا قد أخطأنا في حق هذا الإمام أكثر من ألف عام.. ويمكن إنجاز هذا العمل في أقل من ألف ساعة.
وقال المسلماني في تصديره لكتاب الليث بن سعد أنَّ الكتاب إضافة كبرى للمكتبة العربية الإسلامية، وإنجاز جديد وثمين في محاولاتنا الدؤوبة لاستعادة الشيخ واستعادة تراثه وتاريخه، لافتا إلى أن قارئ الكتاب على موعد مع رحلة فريدة وشيقة في حياة عالم جليل، يُبحر فيها بين صفحات كتاب "الإمام المجدد الليث بن سعد" للدكتور أحمد علي سليمان، كما سيكون على موعد مع الكثير من المعرفة حين تصل به رحلة القراءة إلى الغلاف الأخير، مقدمًا الشكر والتقدير لصاحب هذا العمل الرائع.
أما المفكر الإسلامي أ.د محمد كمال إمام أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية (رحمه الله) في تقديمه للكتاب، فقد ألقى الضوء على المهمة الشاقة التي قام بها الكاتب، والذي أبحر في بحور المعرفة لتناول سيرة عَلَم من أعلام الفكر الإسلامي، واصفا المهمة بالفنٌّ الصعب؛ نظرًا للتعامل مع المصادر التي قد تكون غائبة، أو مجهولة، أو متحركة على كل موسوعات الإسلام، وتستدعي حذرًا في تركيب الصورة؛ لأن قراءة العصور فكرًا وثقافًة وأحداثًا ليست بالأمر الهين اليسير؛ بل ربما كانت استعادة الماضي أصعب ما يواجه الباحث في التاريخ العقلي للإنسان.
ولفت إلى ثقل المهمة التي تقع على عاتق الباحث في مثل هذا الموضوع فهو لا يتعرض لِعَلَمٍ فحسب، أو لأحداث مجردة؛ بل تناول نفوسًا بشرية كانت تتحرك في عصر لم نعايشه، ويأتي الإمام المجدد الليث بن سعد (رضي الله عنه)، الفقيه والمحدث المصري والذي قيل عنه إنه "أفقه من الإمام مالك"، في مقدمة هؤلاء الأعلام الذين يَصعُب كتابة تاريخهم، والترجمة لعصرهم، وجمع شتات مؤلفاتهم وآرائهم الفقهية، مثمنًا خوض الكاتب الدكتور أحمد علي سليمان هذه البحار العلمية الصعبة.
ورأى أن "سليمان" وُفِّقَ للتعريف بالإمام الليث، والوصول إلى أهم آرائه ومواقفه، وتحليلها واستخلاص العبر والدروس منها، مشيرًا لدور الكاتب المتميز والغيور على شريعته ووطنه في الكتابة عن شخصية بلغت شأو المعالي في الإنسانية، ومحدث وفقيه مصري له أهمية خاصة في تاريخ الإسلام العقلي.
ووصف ما أنتجه د أحمد علي سليمان بالعمل الرائد والمتكامل والأمين، في دراسة «الليث بن سعد المحدث والفقيه»، يفتح آفاقًا جديدة لفهم المدرسة المصرية في الفقه والحديث على سواء.