بطرس دانيال يكتب: حياة الأمل
يقول القديس بولس: «أنسَ ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدّام فأسْعَ إلى الغاية» (فيلبي٣: ١٣). مع مطلع عام ٢٠٢٣ نجد الغالبية العُظمى يصيبها الشك بأن هذا العام لن يكون أفضل مما سبق. يُحكى عن تلاميذٍ كانوا يشاهدون المعلّم مسرورًا دائمًا، فاستقصوا عمّا إذا شعر يومًا بالكآبة، قد شعر بذلك دون شك، لكنهم اعترضوا قائلين: «بأنه دائمًا ما يُشاهد مسرورًا دون أى هموم». فأجابهم: «نعم، هذا حقيقى». فأرادوا معرفة السر فى ذلك، فقال لهم: «إن رأى الشخص بالشيء هو الذى يجعله حسنًا أو رديئًا». نحن نعلم أن الحياة شاقة وصعبة، ولكن... وتصبح عبئًا ثقيلًا لا يُحتمل فى كثير من الأوقات، ولكن... وغالبًا ما تظهر لنا أنها ظالمة فى حقّنا، ولكن.... ونكتشف كثيرًا من المرات أنها مشحونة بالمتناقضات وعدم الاستقامة، ولكن.... تظل الحياة هى أعظم هبة بين أيدينا. العالم الذى يُحيط بنا يبدو لنا فى كثير من الأحيان سيئًا ومُرًّا ومخاذلًا، ولكن.. حتى أن القريب منّا لا يحمل لنا دائمًا وجهًا بشوشًا ومحبًّا، ومن المحتمل أن يصطدم معنا بشرّه وعدم مبالاته، ولكن.... كما أن أصدقاؤنا يتعاملون معنا كغرباء، ولكن.... مما لا شك فيه أننا نستطيع أن نحصى على هذا المنوال، أشياءً سلبية لا حصر لها تواجهنا فى هذه الحياة، وقد أصبتنا فى الأعوام الماضية؛ لكننا نستطيع مع كل هذا أن نجد ما يعزينا ويصبّرنا ويشجّعنا ويُدخل الطمأنينة فى قلوبنا، وهو أن الله منحنا هذه الحياة، وهذا يكفينا. لذلك مع العام الجديد الذى نظلمه بتوقعاتنا المبنيّة على التخمين، يجب أن نثمر كل يوم ثمرًا طيبًا ونافعًا، مهما كانت صعوبات الحياة والأعباء الثقيلة علينا؛ تكفينا هذه العطية العظيمة من الله الخالق، فإذا سعينا فى حب الحياة التى منحنا إياها الله؛ كان اليوم الواحد من عمرنا يعادل ألف يوم بنِعَمه وبركاته. لكن إذا كرهناها؛ خسرنا كل شيء وفَقدنا معناها. لذلك يجب علينا أن ننظر إلى الأمام، ونستثمر كل يومٍ منحنا إياه الله. فالإنسان الحكيم يعتبر كل يوم فى العام الجديد مميزًا ويحمل معه رجاءً وأملًا من الله والأشخاص الذين يتقابل معهم. فالله يرسل لنا مع صباح كل يوم جديد علامة مضيئة، وفى المقابل ينتظر منّا عملًا مميزًا وفعلًا حسنا وقولًا هادفًا، فهو ينتظر منّا أشياءً أفضل من الماضى. هناك أشخاص كثيرون يخطئون حينما تنحصر تعزياتهم فى المنجميّن الذين يخبرونهم عن مستقبلهم، كما لو كان الله غائبًا عن حياتهم الشخصية، ونلمس هذا فيما يُكتب فى بعض الصحف، ويتحدّث عنه فى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى من توقعات المنجّمين للعام الجديد وماذا سيحدث فيه، لكن مَنْ يتعقّل سيوفر ماله وجهده، ويجلس مع ذاته ليقدّم أفضل ما عنده. كما نجد الكثير من الأشخاص الذين يكررون هذه العبارة: «أتمنى من العام الجديد أن يهبنى ويمنحنى....» ولكن مَنْ منّا سأل نفسه: «ماذا سأقدّم للعام الجديد؟» لا يكفينا أن نطلب ونأخذ؛ ولكن يجب أن نُعطى أيضًا. مع نهاية كل عام نوجّه أصابع الاتهام له أنه لم يحقق لنا ما نريده، ولم يكن أمينًا فى وعوده، وكان بخيلًا وسيئًا معنا. لكن هل قمنا بوقفة مع الذات موجهين التساؤل لأنفسنا إن كنّا ملتزمين حقًا نحو الحياة بعملنا والقيام بواجباتنا ومحبتنا للجميع وعدم إهدار الفرص التى منحنا إياها الله؟ إذًا دعونا نحب الحياة مهما شعرنا بضيق وألم يأتينا منها، كما يجب علينا أن نُعطى كل ما نملك، وستصبح حياتنا رائعة، فالحياة تنسجم مع مَنْ يستطيع أن يعيشها حقًا، وأفضل شيء للعام الجديد هو أن نحيا كما يجب. فالحياة هى عطية من الله يجب أن نشكره عليها فى خشوعٍ وسجود. إن الحزن على الماضى يقهرنا ويحطّم عزيمتنا، لأنه يجعلنا نفقد الأمل فى حياة الغد بما تحمله لنا من زهور الرجاء، فليس مقياس العمر فى طوله، ولكن بعمق الحياة التى نعيشها كل يوم، وبما حققناه من آمال أو ما بذلناه من جهدٍ لتحقيق مرادنا، حتى وإن لم نبلغ الهدف المنشود. كما يجب علينا أن نشكر الله على عمر مر بلا عذاب، عندما نشعر بليالى الألم والشقاء، ولا يجوز أن نشكو من ساعات التعب والمعاناة، وننسى سنوات العافية والهناء. ونختم بالقول المأثور: «سعادة الحياة توجد بداخلنا، كما يكمن الذهب داخل مناجم الذهب فى انتظار من يُخرجه إلى النور». وكل عام ونحن جميعًا بخيرٍ وسلامٍ وصحة وبركةٍ.