د. رشا سمير تكتب: رونالدو باع أرضه!
الرفاق كانوا حائرون، يفكرون، يتسائلون..وماذا بعد إنتهاء عقد لاعب الكرة البرتغالي الأشهر في العالم كريستيانو رونالدو؟ أين سيرسو في مسيرته الكروية بعد نجاحات مدوية؟
ودون مقدمات حسم كريستيانو رونالدو الأمر وقرر الانضمام لنادي النصر السعودي في صفقة خيالية بعد أن فسخ عقده بالتراضي مع نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، فلماذا اختار رونالدو السعودية لتصبح مرساه القادم؟.
خصص نادي النصر السعودي إستقبالا ملكيا للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بعد ضمه في صفقة تاريخية يكسب منها صاحب الأرقام القياسية ٢٠٠ مليون يورو سنويا، المؤكد أن للصفقة أبعاد تتجاوز الرياضة في خضم سعي المملكة لتنويع مصادر دخلها ضمن رؤية ٢٠٣٠ الاقتصادية لولي العهد الطموح محمد بن سلمان وتحويل المملكة إلى وجهة سياحية جذابة.
يعد حضور رونالدو في السعودية ضربة تسويقية وسياحية مضمونة النجاح للمملكة، فرغم الحجم الضخم للصفقة للاعب المحترف والتي تكبدتها السعودية، إلا أنها تسمح للمملكة في توسيع ترويجها للبلد الإسلامي المحافظ كبلد سياحي.
جاءت خطوة إلغاء "شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي كانت بمثابة "شرطة أخلاق" وتنظيم مهرجانات موسيقية وجلب نجوم عرب وعالميين لإقامة حفلات في السعودية، كما شهدت السعودية العام الماضي الاحتفال بعيد "هالوين" في سابقة بتاريخ المملكة.
في لقطة ساخرة، أخطأ نجم كرة القدم رونالدو في إسم السعودية أثناء حديثه في أول مؤتمر صحفي له في البلد المضيف له برغم الدولارات!.. فيما جلس أمام خلفية مكتوب عليها عبارة ترحيب بالقدوم إلى السعودية، قال النجم البرتغالي بصوت جاد
"ليست نهاية مسيرتي أن آتي إلى جنوب إفريقيا"!..
بالمثل رد أحد مستخدمي موقع تويتر بسخرية:
"لست بحاجة إلى معرفة إسم البلد لكسب ٢٠٠ مليون يورو..على أي حال، مرحبا بك في جنوب إفريقيا يا رونالدو!".
هذا هو الموضوع بإختصار، إنتقال أشهر لاعب كرة قدم في العالم إلى فريق عربي سعودي، وشبهه البعض بإنتقال محمد صلاح إلي نادي ليفربول وهو إنتقال لاعب مصري إلى صفوف أكبر نادي في أكبر دولة عنصرية بالعالم..فهل التشبيه صحيح؟!
بالقطع لا، فإنتقال العربي إلى دولة أوروبية للعمل في أي مجال كان ولازال بمثابة حلم يسعى إليه الكثير من العرب، فأوروبا وأمريكا كانا إلى مرحلة قريبة مال وشهرة وحياة، لا يجدونها العرب في بلادهم، ثم إنعكست الآية حين تدهور الحال في أوروبا وأمريكا وإزدهرت دول الخليج وخصوصا السعودية التي إزدانت بحريات لم تكن موجودة من قبل، وخصوصا بمجئ الحاكم الشاب محمد بن سلمان بعصا سحرية ليقرر وضع السعودية على خارطة العالمية.. مهرجانات فنية، كرة أوروبية، عروض أزياء، مهرجان ترفيه، ومعارض كتب، لدرجة أصبح فيها عيد القديسيين (الهالاوين) عيد يُحتفى به على الأراضي المقدسة؟ هنا أصبحت السعودية جاذبة لكل الطوائف، وحلم لكل من أراد أن يغوص في النفط والدولارات.
الحقيقة أن حكاية رونالدو هي حكاية كل إنسان على وجه الكرة الأرضية في هذا الزمان، الزمان الذي تحول فيه المال إلى المتحدث الرسمي بإسم كل شيء، بدءا من الأخلاق وحتى الإبداع!.
من يساوي كم؟!.
هذا هو السؤال الذي يُطرح على كل الموائد، فلم يعد هناك شريف أو غير شريف، لأن لكل إنسان سعر والتاجر الشاطر هو من يستطيع تحديد السعر لجذب الزبون!..وكما يقول المثل الشهير: كلنا شرفاء حتى تأتي العاهرة!.
المبدعون باعوا فنهم بالبخس، ولكن البخس في عُرف من؟ في عُرف من يقدرون فنهم وإبداعهم، والبخس الذي أحكي عنه يساوي ملايين الدولارات، وهذا هو المنطق العجيب، فمن يحترم نفسه لا يمتلك الثروة ومن يمتلك الثروة لا يهمه قيمة إبداعه.
ويبقى السؤال، هل ما فعله رونالدو خطأ أم صواب، هل هي نقلة لأعلى أم هي نقلة إلى مغارة علي بابا حيث يكمن الكنز؟ وهل من حقنا أن نحاسبه؟ بالقطع لا..فمن كان منا بلا خطيئة فليرمه بحجر.
لكن المؤكد أنه من حقنا أن نحزن من أجل الصورة التي رسمناها يوما لشخص ما ثم تهاوت،
أتمنى أن تبوء محاولاتنا بالنجاح وأن تتغير صورة العربي في نظر الأجنبي، وتنتهي النظرة الإستعمارية الإستعلائية التي كانت يوما عنواننا لديهم، حتى لو أجبرناهم بالمال.