"بلاد العرب أوطاني: كأس العالم والمغرب والحلم العربي ولكن"
لاقى الأوبريت المجمع للأناشيد الوطنية للدول العربية استحسان الجماهير العربية من كل الأقطار. تحركت مشاعري ليس فقط عند سماع النشيد الوطني المصري، نشيد بلادي، ولكن مع كل أناشيد الدول العربية. تمعنت في روعة معاني كلمات الأناشيد كلها، رجوت ودعوت الله أن تجتمع أمتنا العربية كلها تحت تلك المعاني، تحت حلم واحد؛ وطن عربي واحد.
نشأنا في أوطاننا العربية على أغانٍ وطنية "قومية" تُقوي الانتماء لبلدك؛ لكنها لم تحفز- بدون قصد- التضامن العربي للوطن الأكبر، الوطن العربي. وبقدر علمي لم يكن هناك أعمالٌ فنية مؤثرة تحفز الوحدة العربية غير أوبريت "الوطن الأكبر" في فترة الستينيات، الذي كان برأي بمثابة نشيد الوطن العربي كله؛ لا يفرق بين مصري أو سوري، فلسطيني، سعودي، إماراتي أو قطري.
"وطني حبيبي الوطن الأكبر *** وطــــــنــــــــي يا مــــــالك حـــــبــــــك قــــلبــــي
وطني يا وطن الشعب العربي ***يا اللي ناديت بالوحدة الكبرى"
لا أحد ينكر أنه في تاريخ الوطن العربي الحديث مواقف وصور مشرفة للترابط والتعاون العربي مثل موقف السعودية والإمارات من النفط في حرب أكتوبر، أو دعم مصر ومساندتها لكثير من دول الوطن العربي في كثير من القضايا العربية السياسية والدبلوماسية والتعليمية (دور الأزهر في الداخل والخارج مثالًا).
لكن بمرور الوقت (نهاية السبعينيات وحتى قرب نهاية التسعينيات) بدأ الأمر يتأزم سياسيًّا في المنطقة العربية والشرق الأوسط لا سيَّما بعد معاهدة السلام(1979) وتعقُّد القضية الفلسطينية وفشل الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل عادل، ثم كارثة غزو العراق للكويت (1991) وتبعياتها على منطقة الشرق الأوسط.
الحلم العربي
في ظل تلك التحديات والتي كدنا أن نفقد فيها الأمل في الوحدة والتضامن العربي ولو حتى "فنيا"، ولِد أوبريت "الحلم العربي(1998)، كواحد من أفضل ما غُني في تحفيز الوحدة الوطنية العربية، حيث يشدو الأوبريت بأنه لا يزال هناك أمل لتحقيق الحلم العربي بالوحدة رغم كل التحديات الراهنة.
"جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما *** يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما***
دا حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا كلنا"
تحركت المشاعر مرة أخرى نحو "حلم" الوحدة العربية. أتذكر حينها كنت أشاهد فيلما كوميديا للفنان محمد هنيدي "همام في أمستردام" ومن بين مشاهده حدوث شجار بين بعض الأصدقاء العرب، ثم لحظة صلحهم متأثرين بكلمات ومعاني أغنية الحلم العربي، بالوحدة العربية. رغم أن الفيلم كوميدي والجمهور أتى ليضحك لكن وقت الأغنية هناك من بكى، ما بين الحزن على ما آلت إليه الأوضاع، وما بين الرجاء في أن نعود فنتحد ولو كانت البداية بالغناء.
العولمة والحاجة للوحدة العربية
توالت الأحداث وازداد العالم صراعًا وفرضت العولمة هيمنة الأقوياء على العالم لنشر أفكارهم وثقافتهم ولغتهم وسياساتهم وبالتالي زيادة قوة اقتصاداتهم. ونتيجة لذلك قل التمسك بالهُوية العربية في بعض المجتمعات العربية، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للوحدة العربية والتضامن العربي.
علاوة على ذلك تتابعت الاضطرابات في العالم العربي من ثورات، ثم الربيع العربي، وأزمة كورونا وتبعاتها وأخيرًا الكارثة الكبيرة "الحرب بين روسيا وأوكرانيا" وأثرها المدمر على كل دول العالم، لا سيَّما منطقة الشرق الأوسط، خاصة الدول ذات التحديات الاقتصادية الكبرى.
من أجل ذلك كله أصبح العالم العربي والإسلامي بحاجة إلى صحوة وجهود موجهة لغرس الهُوية العربية والتمسك بالوحدة العربية وأولها عودة المفهوم الأكبر أننا جميعًا وطن واحد وإن اختلفت الأقطار، كما يقول الشاعر":
"بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني"
كأس العالم في قطر والتضامن العربي
حدثٌ وتحدٍّ كبيرٌ جدًّا في بلد عربي للمرة الأولى في التاريخ. بدأ ببادرة خير عند افتتاحه بدعوة رؤساء الدول العربية جميعًا كبارقة أمل في عودة المياه إلى مجاريها بين الدول العربية كافةً وحل الخلافات لمصلحة الأوطان.
بدأت البطولة بمفاجأة جميلة بفوز الفريق السعودي "العربي" على الأرجنتين بطل العالم فوزًا أسعدنا جميعًا في كل البلاد العربية، وكان الشعار وقتها كلنا سعودي، كلنا عربي.
لكن هل كان فرحنا وسعادتنا لأنها السعودية- بلد الحرمين الشريفين- بمكانتها الكبيرة في نفوس العرب والمسلمين، أم ترى سيتكرر هذا التضامن مع باقي الدول العربية؟
الحقيقة أن الدعم كان مع كل مباريات الفرق العربية. لكن أيام قلائل وخرجت للأسف السعودية من الأدوار الأولى تلتها قطر وتونس واستمر بصيص الأمل مع المغرب لتصعد لدور ال 16 لملاقة إسبانيا.
بلغة المنطق كانت التوقعات ترجح خسارة المغرب أمام إسبانيا، أما بلغة العاطفة فكلنا كنا نرجو وندعو أن تفوز المغرب. ثم كانت المفاجأة حيث فاز المغرب الشقيق وقدم مباراة تليق بالأبطال. كبرت الآمال أكثر لأن يصعد المغرب (فريق العرب) إلى الدور قبل النهائي كأول فريق عربي يصل لهذه النقطة. نعم تحولت كلمة أن يصعد المغرب لكلمة أن يصعد العرب. وقد كان ففعلها إخواننا في المغرب وأقصوا البرتغال كرويا. البعض بالغ بعاطفة تاريخية فقال المغرب أقصى "الأندلس" إسبانيا والبرتغال.
فوز المغرب لم يكن مجرد فوزًا كرويًّا فحسب بل فوزًا نشَّط عاطفتنا العربية مرة أخرى ولو في كرة القدم.
لم أقابل عربيًّا إلا ويرجو أن تكمل المغرب الفوز. مكسب عربي حتى لو كان في لعبة، إلا أنه أعاد للأمة شعور الوحدة والنصرة. مكسب جاء لنفهم أن مشاعر الوحدة العربية والإسلامية موجود بداخلنا. مكسب وفرحة لا سيما أنها المغرب، البلد الذي طالما حلم بأن ينظم كأس العالم ولم ينل هذا الشرف بفعل فاعل. المغرب الذي حاول البعض نزع انتمائه العروبي الإسلامي، الآن يلتف حوله العرب بل والبلاد الإسلامية كذلك حتى ولو كان التفافًا من أجل الفوز بمسابقة كرة. لعلها ونرجوها البداية.
مكاسب كثيرة من تألق الفريق العربي المغربي
1-احتفالات جماعية بالسجود عند المكسب والخسارة (ثقافة إسلامية)
2- المشهد الأجمل في المونديال؛ احتفال اللاعبين مع أمهاتهم بِرًّا بهن، واعترافًا بفضلهن؛ وهو مبدأ أصيل في الثقافة الإسلامية والعربية. "وبالوالدين إحسانا"
3-عودة قيمة من قيمنا الحضارية الإسلامية والعربية غابت عمليًّا عن بعض الأجيال الحديثة، وهي القدرة على التنافس جماعيًّا حيث أعاد الفريق المغربي العربي صورة العربي كما قال الشاعر:
وكنّا نــــــرســـــمُ الـــــعربــــــيَّ مـــــمــــــشــــوقًــــــا بهامَــــــــتِــــــــــــهِ *** لَهُ صدرٌ يصُدُّ الريحَ إذْ تعوِي.. مُهابًا في عباءَتِهِ
وكنـــــّا مَــــــحْـــــضَ أطــــفــــالٍ تُــــحَــــرّكُــــــنَــــا مـــشاعرُنـا *** ونسْـــــرحُ فــــي الحـــــكــــاياتِ الـــــتي تـــــروي بــــــطولتَنَا
مكاسب تنظيم كأس العالم في بلد عربي
1-أعجبني تضامن الدول العربية مع قطر وإشادتهم بقدرتها على التنظيم وإبعاد الخلافات العالقة جانبًا. فالبطولة بطولة العرب وليست فقط بطولة قطر.
2- نظمت البطولة بطريقة عرضت ثقافتنا العربية بأسلوب راقٍ ورفضت فرض ثقافة لا تتناسب أبدًا مع ثقافتنا ولا ديننا.
هنا أكرر ما أؤمن به أنني مع المؤيدين بشدة للاطلاع على الثقافات الأخرى إجمالا للتعلم والتدبر، " قل سيروا في الأرض ثم انظروا" "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" لكنني لست مع ما شذ من الثقافات الأخرى وخالف قيمننا؛ قيم ديننا ومجتمعنا.
3- مكسب التنظيم العربي لبطولة كأس العالم يفتح الباب وبقوة لتَكرار التجرِبة مع بلاد عربية أخرى تمتلك قدراتٍ متطورةً لتنظيم كأس العالم كالسعودية والإمارات. وبلاد مثل مصر وتونس والمغرب وغيرها قادرة كذلك مع بعض الاستعداد والدعم وربما تتشارك وتتضامن دولتان عربيتان للتنظيم وهو نوع من الوحدة العربية كذلك.
ماذا بعد التضامن في الكرة ؟
فرحنا بإنجاز المغرب الشقيق، وبالوحدة العربية خلف المغرب، ولكني أطرح سؤالًا: هل هذا الإنجاز والدعم الكروي للمغرب يعني بالتبعية تفوقًا ودعمًا سياسيًّا واقتصاديًّا؟ بالطبع لا. لكن هو إشارة إلى أننا نستطيع بالجهد والعمل والإنتاج والاتحاد التفوق في مجالات أخرى والتضامن في مجالات أخرى مثل ما حدث مع المغرب في كأس العالم.
نحن لدينا القدرة على النجاح ويكفي أن أهم حدثين عالميين في العام المنقضي تم تنظيمهما بنجاح باهر على أرض عربية (إكسبو دبي) و (كأس العالم بقطر). إذًا، نحن بحاجة لتَكرار تلك التجارب الناجحة على مستوى أكثر من دولة عربية وصولًا للعالم العربي بأكمله.
وحدة عربية على الأصعدة كافَّةً
التعاطف والتضامن والاتحاد العربي في التشجيع الكروي كان جميلًا، ولكن لتنتقل المكاسب إلى باقي الأصعدة فلا بُدَّ من التكامل والتضامن العربي الشامل على المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والإنسانية بين الدول العربية في ظل تلك التحديات العالمية.
الوطن العربي بدُوَله الاثنتين والعشرين يمكن أن يمتد تعاونهم وتضامنهم لعمل أسواق عربية مشتركة، ومشاريع زراعية وصناعية وتعليمية مشتركة، وإذا حدث ذلك فسنجد وطننا العربي في منطقة أخرى متميزة بغض النظر عن التقلبات العالمية؛ وبإذن الله تعالى نحن نستطيع.
أختم بنشيد بلاد العرب أوطاني للشاعر فخري البارودي، حيث تغنى بالوطنيّة القومية العربيّة وامتدح الوحدة:
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ و الجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني