ما هو الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث؟
ينقسم وقت الرَمي إلى قسمين؛ قسمٌ يبين أول وقت الرَمي، وقسمٌ آخر يبين آخر وقت الرَمي، وبيانهما فيما يأتي: أول وقت الرَمي ذهب أهل العلم في بداية وقت رَمْي جمرة العقبة الكُبرى على قولَين، توضيحهما فيما يأتي: القول الأول: يبدأ رَمْي جمرة العقبة الكُبرى منذ مُنتصف ليلة العيد وهو قول الشافعية والحنابلة، واستدلّوا بإرسال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- زوجته أُم سلمة يوم العيد، فرَمَت قبل الفجر. القول الثاني: يبدأ رَمْي جمرة العقبة الكُبرى منذ طُلوع فجر يوم العيد وهو قول الحنفيّة، والمالكيّة، وفي رواية عن الإمام أحمد، واستدلّوا بحديث ابن عبّاس -رضي الله عنه-: (قدِمْنا على رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لَيلةَ المُزدَلِفةِ، أُغَيلِمةَ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ، على حُمُراتِنا، فجعَلَ يَلطَحُ أَفخاذَنا بيَدِه، ويَقولُ: أَي بَنيَّ، لا تَرموا الجَمرَةَ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ. فقال ابنُ عبَّاسٍ: ما إخالُ أَحدًا يَرمي الجَمرةَ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ)،
والنحر يبدأ بعد الفجر، وكذلك الرَمي يكون بعد الفجر. أما أول وقت رَمي الجمرات الثلاث، ففيه قولان، هما: القول الأول: يكون الرَمي بعد زوال الشمس من اليومَين: الأوّل والثاني من أيّام التشريق؛ وذلك باتّفاق أئمّة المذاهب الأربعة، واستدلّوا بفِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة الكِرام وأنّهم كانوا لا يرمون إلّا بعد الزوال؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا).
القول الثاني: جواز رَميها قبل الزوال وقد روي ذلك عن الإمام أبي حنيفة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه من كان ينوي أنْ يتعجّل؛ فلا حرج أنْ يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، ولو رمى بعد الزوال لكان أفضل.
آخر وقت الرَمي
تعدّدت آراء الفُقهاء في الوقت الذي ينتهي به رَمي جمرة العقبة الكُبرى، وبيان أقوالهم فيما يأتي: الحنفيّة ذهب الحنفية إلى أنّ وقتها ينتهي بفجر يوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة. المالكيّة يرى المالكية أنّ وقتها يمتدّ إلى مغرب اليوم ذاته، ويجب عندهم الدم بتأخير الرَّمْي عن ذلك الوقت. الشافعيّة والحنابلة ذهبوا إلى أنّ وقتها يمتدّ إلى آخر أيّام التشريق. أما فيما يتعلق بانتهاء وقت رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق، فتفصيل الآراء فيما يأتي: الحنفيّة ذهب الحنفية إلى أنّ رَمي الجمرات الثلاث يكون في كل يومٍ منها، وينتهي الرَمي بطلوع الفجر في اليوم الذي يليه، فمثلًا يمتدّ رَمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني من العيد إلى طُلوع الفجر من اليوم الثالث، ومن أخَّرها عن ذلك الوقت، وَجَب عليه الدم، أمّا الوقت المَسنون للرَّمْي، فيكون منذ زوال الشمس وحتى غروبها، واستدلّوا بفِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
المالكيّة ذهب المالكية إلى التفريق بين وقت القضاء، ووقت الأداء في الرَّمْي؛ فوقت الأداء يكون بانتهاء غروب كلّ يوم، وما بَعده يكون قضاءً، وينتهي الرَّمْي رابع أيّام العيد، ويجب عليه الدم بتَرْكه حصاة، أو إن تَرَك رمي الجمرات جميعها، أو في حال أخّرَ شيئًا من الرَّمْي إلى الليل. الشافعيّة والحنابلة ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنّ وقتها يمتدّ إلى غروب الشمس من اليوم الرابع من أيّام العيد؛ وهو آخر أيّام التشريق، ومن أخرها عن ذلك الوقت، وجب عليه الفداء. من حيث عدد الحصيات اتّفق العلماء على أنّ مجموع ما يرميه الحاجّ من الجمرات سبعون حصاةً؛ إذ تُرمى جمرة العقبة يوم النَّحر برَمي سبعِ حصيّات، أمّا الجمرات الثلاث؛ الجمرة الصُّغرى، والجمرة الوُسطى، والجمرة الكُبرى، فُترمى على مدار ثلاثة أيّام؛ وهي أيّام التشريق.بحيث تُرمى كُلّ جمرة بسبعِ حصيات في كُلّ يوم؛ فيكون مجموع الجِمار الثلاث في اليوم الواحد إحدى وعشرين حصاةً، وتكون لكلّ جمرة على مدار الأيّام الثلاثة إحدى وعشرون حصاة، وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز للحاجّ أن يرميَ في يومَين، وينفرَ في الثالث؛ لقوله -تعالى-: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).
ومن حيث موقع الرمي تُرمى جمرة العقبة يوم النَّحر في مكان يقع خارج مِنى من جهة مكّة المُكرَّمة، وتُرمى من أسفل العقبة، أو أوسطها، أو أعلاها، أما المَوضع المُختار فهو من بطن الوادي، وبالنسبة للجَمرات الثلاث، فلكلِّ واحدةٍ منها موقع يختلف عن الأُخرى؛ إذ تكون الجمرة الصُّغرى -وهي الجمرة الأولى- الجمرةَ الأقرب إلى مسجد الخيف، أمّا الجمرة الوُسطى -وهي الجمرة الثانية-، فتكون بعد الجمرة الصُّغرى، وقبل جمرة العقبة، ويتمّ رَمْي كلتيهما من أيّ اتّجاه، وبالرّغم من إجماع الفقهاء على جواز رمي جمرة العقبة الكبرى من أيّ اتّجاه، إلا أنّهم قالوا أنّ الأفضل أن يقف الرّامي في موقف تكون منى عن يمينه ومكّة عن يساره، اقتداءً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن حيث مكان التقاط الحَصى تُلتقَط جمرة العقبة التي تُرمى يوم النَّحر من مكان يُسمّى مُزدلفة؛ والدليل على ذلك قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للفضل بن عباس وهو في مُزدلفة: (الْقِطْ لِي حصى، فلقَطْتُ له حصَيَاتٍ مثل حصَى الخَذَفِ)،
أمّا بالنسبة إلى الجمرات الثلاث؛ فقد أجمع الفقهاء على صحّة الرَمي بغض النظر عن المكان الذي أُخِذت منه الحَصى. أمّا الأفضل في المسألة؛ فيرى الشافعيّة أنّها تُؤخَذ من مكان غير مُزدلفة، وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّ الحاجّ يأخذها معه من مُزدلفة؛ فيأخُذ معه سبعين حصاةً، وذهب بعضهم إلى أنّها تُؤخَذ من جانب الطريق، وذهب المالكيّة إلى أنّها تُؤخَذ من أيّ مكان، وذهب أكثر الحنابلة إلى أنّ أخذها يكون من مُزدلفة، من حيث استحباب الدعاء تُسَنّ إطالة الوقوف بالدعاء عَقب الانتهاء من رَمْي جمرتَي العقبة الصُّغرى، والوُسطى، دون الكُبرى، ويكون الوقوف بمقدار قراءة سورة البقرة؛ والحكمة من عدم استحبابه في الجمرة الكُبرى أنّها الجمرة الأخيرة، وبانتهاء رمَيها تنتهي عبادة الرَّمي؛ ومعلوم أنّ الدعاء خلال العبادة وأوسطها يكون أفضل من الدعاء بعد الانتهاء منها.
كما أنّ الحاج لا يقف بعد جمرة العقبة الكبرى؛ إذ لا وقوف إلا إذا كان الرَمي يتبعه رَمي جمرة أُخرى، وجمرة العقبة الكبرى يتبعها النحر، والطواف، ولا يتبعها رَمي آخر.