"محاسبة النفس".. كيف سلكت طوال العام؟
يحسن بكل منا في نهاية هذا العام أن يجلس إلى نفسه ويحاسبها: كيف سلكت طوال العام؟ هل ربحت فيه أم خسرت؟ هل ازدادت فيه أم نقصت؟… خير لنا حقا أن نحاسب أنفسنا. متذكرين قول القديس مقاريوس الكبير: “احكم يا أخي علي نفسك، قبل أن يحكموا عليك ”.
هذا ما كتبة البطريرك المتنيح البابا شنودة الثالث فى إحدى مقالاته الشهيرة “محاسبة النفس”
حيث قال ليس فقط نهاية العام نحاسب أنفسنا. بل أفضل من هذا أن نحاسب أنفسنا في نهاية كل يوم عما عملنا فيه. وأفضل جدا من هذين الأمرين أن نحاسب بعد كل عمل مباشرة. بعد كل كلمة قلناها. وبعد كل تصرف تصرفناه. والوضع الأمثل هو: أن نحاسب أنفسنا علي العمل قبل أن نعمله.
لنرى هل يليق بنا أن نعمل هذا أم لا نعمل؟ فلا ننتظر مثلا أن نخطئ. ثم نحاسب أنفسنا على أخطائنا بعد فوات الفرصة. بل الأفضل أن نفكر أولا ونحترس حسن هو بلا شك أن نقوم بعد أن نسقط. ولكن الأحسن هو أن نحترس فلا نسقط.. وذلك كما قال الشاعر العربي: قدر لرجلك قبل الخطو موضعها…
إن محاسبة النفس. يتبعها إدانة النفس
وتابع لأن كثيرا من الناس يدللون أنفسهم ويجاملون أنفسهم. وإن ظهر لهم خطأ قد ارتكبوه، يقللون من شأنه. أو يقولون إنهم لم يقصدوه، أو يلتمسون لأنفسهم الأعذار والتبريرات، ومنها أن الضغوط الخارجية هي التي اضطرتهم إلي ذلك. ولكن الإنسان الروحي لا يجوز له أن يعتبر بالظروف المحيطة به.. إن الضغوط الخارجية لا يستسلم لها سوى الضعف الداخلي، فإن سقطت في خطيئة بسبب ضغط خارجي، وبخ نفسك وقل لها: كان ينبغي أن أكون قويا. ولا أستسلم لذلك الضغط ولا أضعف. هوذا القديس بولس الرسول يوبخنا بقوله: لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية (عب 12:4). ولا شك أنك إن قاومت، فلا بد أن نعمة الله تعينك فلا تسقط. إن يوسف الصديق كانت عليه ضغوط شديدة من امرأة سيده، ولكنه قاوم والنتصر ولم يسقط. ولو كان من النوع الذي يحتمي وراء الأعذار، لوجد كثيرا من الأعذار يدافع بها عن نفسه… لذلك في محاسبتنا لأنفسنا على أخطائنا يجب أن ندين أنفسنا ولا نعذرها. فقد قال القديس أنطونيوس الكبير: إن دنا أنفسنا، رضي الديان عنا. وقال ذلك القديس أيضا: إن تذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله.
إن الأعذار تغطي علي الخطايا. فلا تظهر لنا في حجمها الطبيعي أولا نذكرها. وحسنا قال الرسول أنت بلا عذر أيها الإنسان (رو2:1).
إن الذي باستمرار يعذر نفسه كلما يخطئ، قد يصبح ضميره من النوع الواسع الذي يبلع الجمل (متي 23).
وقد يعتذر إنسان بالفساد المنتشر والبيئة الخاطئة.
وأوضح، هذا أيضا عذر غير مقبول، فالمفروض أن الإنسان البار تكون له مبادئه وقيمه السامية التي ترتفع فوق مستوي البيئة المحيطة. فإن موسى النبي كان في مبدأ حياته في قصر فرعون محاطا بالعديد من العبادات الوثنية. ومع ذلك احتفظ بإيمانه وكذلك كان دانيال النبي في أرض السبي في قصر ملك وثني، ومع ذلك قال الكتاب عنه أما دانيال فجعل في قلبه ألا يتنجس باطايب الملك ولا بخمر مشروبه (دا 1:8).
لذلك مهما كانت البيئة ضع في قلبك ما قيل في قصيدة (ذلك الثوب):
سأطيع الله حتي: لو أطعت الله وحدي
إن أبانا نوح البار كان رجلا كاملا سار مع الله (تك 6:9) علي الرغم من أنه عاش في جيل شرير فاسد، بلغ به الشر أن الله أغرقه بالطوفان. ولم يتأثر نوح مطلقا بشر ذلك الجيل، بل نجا هو وأسرته.
الإنسان الحريص علي خلاص نفسه، لا يحاسبها فقط علي خطاياها بل أيضا يحاسب نفسه على الفضائل التي لم يجاهد لاقتنائها..
وأشار، فالكتاب المقدس بحياة القداسة. وقد قال الله منذ العهد القديم كونوا قديسين، لأني أنا قدوس (لا 11:44ـ45) (لا 19:2). لذلك يستشهد القديس بطرس الرسول بهذه الآية نفسها ويقول نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس (1بط 1:15ـ 16).
إذن نحاسب أنفسنا على مدى علاقاتنا بهذه القداسة.
ونعتبر بعدنا عن مستوي القداسة لونا من الخطية، أو علي الأقل هو نقص. إذن نحاسب أنفسنا على نقائصنا، لأن السيد الرب يقول في العظة علي الجبل كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل (مت 5:48). فلنحاسب أنفسنا بميزان هذا الكمال…
أو على الأقل بميزان الفضائل التي ذكرها القديس بولس الرسول في حديثه عن ثمر الروح (غل 5: 22، 23): الجنة والفرح، والسلام، وطول الأناة، واللطف، والصلاح والإيمان، والوداعة، والتعفف (يمكنك في هذا الأمر، أن ترجع أيضا إلي كتابنا ثمر الروح.
حاسب نفسك أيضا عن علاقتك بالله، وبالناس، وبنفسك من جهة نفسك: حاسب حواسك، وفكرك، ونياتك، ومشاعر قلبك، وما هو نوع متعك وما تلتذ به وتفرح… إن داود النبي يضع أمامنا المتعة الأساسية وهي ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب (مز34:8).
فهل ذقت هذه المتعة؟ حاسب نفسك، أم أن متعك في أمور أرضية مادية فانية؟! إذن استمع إلى قول القديس بولس الرسول غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا تري لأن التي تري وقتية. وأما التي تري فأبدية (2كو 4:18).
أتراك تحاسب نفسك على هذا المقياس؟
واختتم، إن كان هذا الأمر مرتفعا. فلننزل قليلا، ونسأل: ما نوع ملاذك؟ ما نوع قراءاتك؟ كيف تشغل وقتك؟ ما هي اهتماماتك بنفسك؟ ما حكمك علي نقاوة قلبك؟ما هو العنصر المتكرر في اعترافاتك؟ بل ما هي درجة نموك الروحي؟. إن النمو هو أيضا من عناصر محاسبة النفس.