ما هي مشروعيّة السعي بين الصفا والمروة؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

يبدأ الساعي  بين الصفا والمروة بعد أن يقوم بصلاة ركعتين خلف المقام الإبراهيميّ، وبعد أن يرجع إلى الحجر الأسود ويستلمه، بالتوجه نحو الصفا، وعندما يقترب منها يتلو قوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ) فيبدأ من الصفا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به)،ثمَّ يصعد إلى الصفا حتى يرى البيت ويستقبل القبلة وعندها يوحّد الله -تعالى- ويكبّره، ويحمده، ويردد هذا الدعاء: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثلاث مرات، ويرفع يديه ويدعو بما تيسر ويسأل الله من خيّري الدنيا والآخرة.
وبعد ذلك ينزل إلى المروة؛ فيمشي حتى يصل إلى أوّل علم أخضر، ويسعى الرجل بشكل سريع يميل إلى الركض إن أمكن ذلك دون التسبب بالأذى لأحد؛ لما رواه جابر -رضي الله عنه- عن صفة سعي النبي -عليه السلام- قال: (ثُمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ، حتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى).


 


ويكون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، والذهاب من الصفا إلى المروة أو العكس يحسب شوط؛ فيبدأ الحاجّ بالصفا ويختم به أيضًا؛ فيكون قد وقف على الصفا أربع مرات، وعلى المروة أربعًا، وثبت عن عبد الله بن عمر أنه قال: (إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا طَافَ بالبَيْتِ الطَّوَافَ الأوَّلَ، خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكانَ يَسْعَى ببَطْنِ المَسِيلِ إذَا طَافَ بيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذلكَ).

 

شروط السعي بين الصفا والمروة 



يوجد شروط يجب أن تتوفر في السعي حتى يكون صحيحًا، ومنها ما يأتي: قطع المسافة كاملة بين الصفا والمروة في كل شوط وذلك لأنَّ الساعي إذا لم يقطعها كاملة فسعيه غير صحيح باتّفاق فقهاء المذاهب الأربعة، وقد استدلوا على ذلك بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) ولأنّ المسافة بين الصفا والمروة محدّدة من قبل الشرع فلا يجوز الانتقاص منها. مراعاة الترتيب في السعي حيث يبدأ الساعي بالصفا ويختم بالمروة، وإذا بدأ بالمروة ألغى الشوط، وذلك باتّفاق فقهاء المذاهب الأربعة، وقد استدلوا على ذلك بحديث جابر -رضي الله عنه- الذي وصف فيه حجّ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: (فَبَدَأَ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه،... ثُمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ).

وقد بدأ الله -تعالى- بالصفا في سورة البقرة. إتمام سبعة أشواط وقد اتفق أصحاب المذاهب الأربعة أنَّ الذهاب من الصفا إلى المروة يُعَّد شوطًا، والرجوع من المروة إلى الصفا يُعَّد شوطًا آخر، وقد استدلوا على ذلك بما ثبت عن ابن عمر: (سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: عن رَجُلٍ طَافَ بالبَيْتِ في عُمْرَةٍ، ولَمْ يَطُفْ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ أَيَأْتي امْرَأَتَهُ؟ فَقالَ: قَدِمَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَطَافَ بالبَيْتِ سَبْعًا، وصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، فَطَافَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سَبْعًا: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
 


تقديم الطواف على السعي 



وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على ذلك، وقد نُقل الإجماع على ذلك، واستدلّوا على ذلك بما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (إنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا طَافَ في الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، أَوَّلَ ما يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، ومَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ) وإنَّ عائشة -رضي الله عنها- عندما حاضت في حجّها لم تسعَ مع أنّه يجوز السعي دون طهارة، لكن الذي يظهر أنها لم تسعَ لأنه يجب أن يتقدّم الطواف سعي، وقد قالت: (فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ، ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ).

الموالاة والترتيب بين أشواط السعي، وقد تعددت أقوال الفقهاء في هذا الشرط على قولين: القول الأول: عدم اشتراط الموالاة، وهو ما ذهب إليه الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد، وهو اختيار ابن قدامة، وابن باز، وقد استدلوا على ذلك بأنَّ مُسمّى السعي يحصل سواء كانت الأشواط متوالية أو متفّرقة، وأنَّ السعي نُسُك لا يتعلّق بالبيت؛ فلا يشترط له الموالاة كالرمي والحلق. القول الثاني: اشتراط الموالاة بين أشواط السعي، وهو ما ذهب إليه المالكية، والحنابلة، وهو اختيار ابن عثيمين، وقد استدلوا على ذلك بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان سعيه متواليًا، كما أنَّ السعي عبادة واحدة؛ فيشترط له الموالاة كما في الطواف والصلاة. 

وقد ثبتت مشروعية السعي بين الصفا والمروة في قوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)،والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج.
 


أصل مشروعية السعي بين الصفا والمروة



شُرِع السعي بين الصفا والمروة على الناس اقتداءً بسعي السيّدة هاجر زوجة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- عندما تركها بمكة المكرمة هي وابنها الصغير إسماعيل -عليه السلام-، وأخذت تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط بحثًا عن الماء؛ لأنَّ ما معها من ماء وغذاء قد انتهى، وبدأت تشعر بالعطش هي وابنها، وبدأ ابنها يعطش ويجوع.
وكان أقرب جبل عليها الصفا فأخذت تصعد إليه لعلّها تجد أحدًا ثمَّ تنزل إلى الوادي وتصعد إلى المروة لعلّها تجد أحدًا، فكرّرت ذلك سبع مرات، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: (فَذلكَ سَعْيُ النَّاسِ بيْنَهُما)، ومن حكمة مشروعيّة السعي بين الصفا والمروة ما يأتي: إحياء لذكرى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- والسيدة هاجر، وما كانوا عليه من امتثال لأوامر الله -تعالى- والمبادرة إلى تطبيقها، ممّا يحث المسلم على الاقتداء بهم. استشعار العبد فقره إلى الله -تعالى- وحاجته إليه؛ كفقر وحاجة السيّدة هاجر وولدها إليه في ذلك الوقت العصيب. تذكّر أنّ الله -تعالى- لا يُضَيِّع من يطيعه ويدعوه.