ما هو حُكم الحلق والتّقصير في العُمرة والحجّ؟
تعدّدت أقوال أهل العلم في حُكم الحلق أو التّقصير في العُمرة والحجّ؛ فمنهم من يراه واجبًا من واجبات الحجّ، وأنّ الحجّ والعُمرة لا يُقبَلان إلّا به للتحلُّل من الإحرام، ومنهم من اعتبره ركنًا فيهما
وفيما يأتي تفصيل أقوالهم: القول الأول: الحلق والتقصير واجبٌ ذهب جمهور الفُقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وهو قولٌ عند الشافعيّة أنّ الحلق أو التّقصير واجبٌ، وليس ركنًا من أركان الحج والعُمرة التي يبطل بتركهما الحجّ أو العمرة، ويلزم من ترك الحلق أو التّقصير للتحلُّل من الإحرام ذبح هدي.
القول الثاني: الحلق والتقصير ركن ذهب الشافعيّة في الراجح عندهم في المذهب إلى أنّ الحلق أو التّقصير للرجل والمرأة ركنٌ من أركان العُمرة والحجّ، وأنّ العمرة والحجّ لا تصحّ دونه.
القول الثالث: الحلق والتقصير ليس من النسك ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الحلق أو التّقصير ليس نُسكًا من مناسك الحجّ والعُمرة؛ أي ليس واجبًا ولا ركنًا، إنّما هو فعلٌ من أفعال التحلّل من الإحرام؛ فيجوز أن يحصل التحلُّل بغيره، وقد نقل القاضي عياض هذا القول عن عطاء بن أبي رباح، وأبي ثور، وأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، ولا شيء عند أصحاب هذا القول على من يترك التحلُّل من الإحرام بالحلق أو التّقصير، إنّما يصحّ تحلُّله ويُقبَل بفعل أيّ شيءٍ من محظورات الإحرام، وهو خلاف ما عليه جماهير العلماء.
والحلق يكون للرجال دون النساء أمّا النساء؛ فلا تُؤمَرُ بِالْحَلْقِ مطلقًا، بَل الواجب في حقّها التّقصير؛ لِمَا رُوي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَال: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، وَإِنَّمَا عَلَى النساء التَّقْصِيرُ).
الحِكمة من قصّ الشّعر بعد العُمرة
يعتبر حلق الشعر أو تقصيره وأخذ شيءٍ منه من أعمال العمرة والحجّ التي يقوم بها المعتمرون والحجّاج، ويتمّ للرجال بحلق الشعر كلّه أو تقصيره، أمّا للنساء فيكون بأخذ شيءٍ يسيرٍ من شعر الرّأس عند التحلّل من إحرامها، أمّا الحكمة من حلق شعر رأس المعتمر أو تقصيره فهي تعبُّديّةٌ بحتة؛ أي أنّ العلّة والسبب منه لم يُعرف أو يرد في نصٍّ شرعي، وعلى المسلم التزامه وفعله؛ تعبّدًا لله -تعالى- وإن لم تظهر حكمته؛ لأنّه أمرٌ من الله الحكيم العليم.
وإنّ في التزام أمر الله -تعالى- وأدائه اختبارٌ للعبد من ربّه؛ ليمتحن امتثاله وخضوعه لأحكامه، فالواجب على المُسلم أن يُبادِر لتنفيذ أوامر الله -سُبحانه وتعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، والإذعان لها حتّى لو لم يعلم الحِكمة منها، فإن كانت الحكمة من الأفعال ظاهرةً؛ فبِها ونعُمت، وإن خفيت؛ فلا ينبغي الانشغال في إيجادها والبحث عنها،[١] قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)،[٢] ويكفيه اليقين بأنّها صادرةٌ عن حكيمٍ خبيرٍ.
العمرة وفضلها يقصد بالعُمرة التَقرُّب من الله -عزَّ وجلَّ- بزيارة بيته الحرام، وأداء مناسك وخطواتٍ مخصوصةٍ، أوّلها من حيث التّرتيب والبدء: الإحرام، فالطّواف حول الكعبة، ثمّ الانتقال إلى السّعي بين الصّفا والمروة، وآخرها حلق شعر الرّأس للمُعتمِر أو تَقصيره.
وللعمرة فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ جزيلٌ؛ فهي سبيلٌ لتكفير الذنوب ومغفرة السيّئات، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ).
والمسلم أثناء العمرة يكون في كنف أعظم وأقدس مكانٍ؛ وهو بيت الله الحرام، والطاعات في البيت الحرام من طوافٍ وصلاة ودعاءٍ لها أجرٌ أعظم وفضلٌ أكبر؛ لشرف المكان وحرمته.