أحمد فايق يكتب : باسم يوسف.. كوميديان عابر للأنظمة
■ فريق عمل «البرنامج» قرر أن يتبنى وجهة نظر شريحة كبيرة من المصريين ترفض الفاشية الدينية وترفض استبدالها بفاشية أخرى ■ المنافقون لا يقدمون للتاريخ زعماء
- المهرج هو من يبذل الكثير من الجهد كى يجعلك تضحك، أما الكوميديان فهو الذى يجعل الأشياء التى حولك تبدو مضحكة، والفرق كبير بين الاثنين، تقريبا نفس الفارق بين «توفيق عكاشة» وفرقته وبين باسم يوسف.
كان الجميع ينتظر باسم يوسف فى «البرنامج»، وهو البرنامج الذى أدخل البهجة إلى قلوب المصريين منذ بدايته على اليوتيوب وانتقاله إلى «أون تى في» ثم «سى بى سي»، ولا أعلم مصيره القادم، لكنه ينتقل دائما وجمهوره معه، هل تريد توصيفا لجمهور باسم يوسف الآن؟
- هناك صورة لرجل بسيط يقف أمام مقر محاكمة المعزول مرسى، يبيع صور السيسى ومرسى معا، هو هذا الرجل الذى يعبر عن شريحة كبيرة من المصريين، ممن تحتاج إلى نظام يهتم بها وبحقوقها، جمهور باسم يوسف فيه هؤلاء الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع فى 25 يناير، باحثين عن الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، ف«بلاهم» القدر بمبارك ومجلس طنطاوى والإخوان، كانوا يعتقدون أن مصر فى طريقها إلى تحقيق الحلم، مصر التى فى خاطرنا القائمة على العدل والحرية والمساواة، هؤلاء بطيبتهم الثورية أو اعتبرها بلاهة ثورية تمت سرقتهم فى غرف مغلقة جمعت بين المجلس العسكرى والإخوان، كانوا أصدقاء وحبايب، صرخ الشباب كثيرا، واغتيلت أحلامهم فى محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، حينما هتف مينا دانيال «يسقط حكم العسكر» رد عليه الإخوان بـ«الجيش والشعب إيد واحدة»، حينما نزل الثوار فى 25 يناير 2012 للمطالبة بالقصاص للشهداء، نزل الإخوان للاحتفال بالذكرى الأولى للثورة، رفع الثوار لافتات تطالب بالتطهير، ورقص الإخوان على جثث الشهداء، لم يكن أمامهم سوى التحالف مع أى أحد حتى يخرج الإخوان من المشهد بعدما أفسدوا الثورة، هذا هو جمهور باسم يوسف، الذى كان ينتصر لنفسه كل أسبوع حينما يشاهد «الكوميديان» يقطع لحم مرسى وعشيرته، ينتظر منه كل أساليب السخرية والفج منها قبل المهذب.
قبل 30 يونيو اختفى باسم يوسف وطوال أحداث الموجة الثانية من ثورة 25 يناير، اختفى الكوميديان المفضل بالنسبة لى ولغيرى ممن يصدقون أن فى مصر ثورة ستنتصر رغما عن أى عدو لها، وكتبت عن اختفائه معتبرا أنه انسحاب لا معنى له، سقط باسم يوسف من نظرى كثيرا حينما اختفى، فقد حمل الجميع أرواحهم على الأكتاف مطالبين بسقوط مرسى الرجل الذى خان الثورة وذبحها، كتبنا فى «الفجر» قبل 30 يونيو بأيام رسالة إلى المصريين بعنوان «اصمدوا 3 أيام حتى يرحل الفاشل» كنا نعلم وقتها أن فشل 30 يونيو يعنى غلق جريدتنا ودخولنا للسجن وربما قتلنا، لكننا لم نتردد لحظة، باسم يوسف اختفى والجميع كان ينتظره، هذا ما جعلنى أتخذ موقفا عنيفا ضده، لكن الأمور اتضحت فيما بعد فقد ماتت أمه، وعاش معها أياما صعبة، وبما أننى فقدت أمى منذ 3 سنوات وظللت معها أسابيع فى أيامها الأخيرة، فأعرف جيدا معنى أن تفقد أمك، وعبثية أى شىء فى الكون بجوار هذه المصيبة، فالإنسان يظل طفلا إلى أن تموت أمه فيشيخ فجأة.
أعلن باسم يوسف عن عودته والجميع انتظره، لحظة عودته حرجة تحمل الكثير من التساؤلات، هناك أجنحة كثيرة، جناح يعتبر أن القضاء على الإخوان نهائيا مهمة مقدسة، وجناح آخر يريد وضع حلول سياسية لما يحدث بمصر، وثالث يعتبر كل من يختلف معه طابورا خامسا، ورابعا يضع يديه فى وسطه متحفزا ماذا سيقول «الحاج باسم»، هل هو شخص حقيقى مؤمن بالحرية، أم أنه كان أداة فى القضاء على الإخوان المسلمين، أعتقد أن أكثر من نصف المتابعين لباسم يوسف كان لديهم يقين أنه انتهى، فهل سيستطيع انتقاد الرئيس عدلى منصور والفريق السيسى مثلما كان يفعل مع مرسى وعشيرته، هل سيكتفى بتوزيع سخريته على الحكومة، فقد انتهت مادته الدسمة والمثيرة للضحك، اعتقد الكثيرون أن الله منح باسم يوسف رئيسا مثل مرسى كى يصنع منه نجما، جعل من المصريين يصنعون نكتة سفر مرسى إلى الفضاء ومعه باسم يوسف، لأن مرسى لا يصلح إلا أن نراه فى إطار سخرية باسم يوسف.
مثلما حدث فى 25 يناير عادت أحلامنا للتحليق فوق السماء فى 30 يونيو، ولكن فجأة بدأت نبرة أن 30 يونيو هى الثورة الحقيقية وأن 25 يناير لم تكن ثورة..!
ثم بدأت فرقة المهرجين فى الظهور على الفضائيات وأخذت تشوه فى الثورة ورموزها، أطلقت محاولات دشن لها اسما الكاتب محمد فتحى وهى «الاغتيال الشخصى»، فهم مازالوا يرون الثورة أشخاصا يستطيعون تدميرهم من خلال إثارة الجدل حولهم، وإطلاق الشائعات عليهم، وتلفيق التهم لهم، مازالوا يستخدمون نفس الطريقة التى جربوها فى الأيام الأولى لثورة 25 يناير وفشلت شائعات «ممارسة الجنس فى خيام الاعتصام والتمويل الخارجى والجواسيس والعملاء»، بعضهم بدأ فى القسم بكل عزيز وغال أن المتظاهرين فى 25 يناير كانوا إخوان مسلمين ومتظاهرين من غزة، أقسموا أن داخلية حبيب العادلى لم تقتل مصريا واحدا ولم تعذب أو تسحل مواطنا، حتى خالد سعيد لم يقتل على يد الشرطة، بعضهم طالب بعودة حبيب العادلى لتخليص مصر من الإخوان، هؤلاء لم يتوقفوا لحظة عن نفاق الفريق السيسى وزير الدفاع، فى بعض الأحيان حينما أضع نفسى مكان هذا الرجل وأقرأ كمية المقالات التى تنافقنى فى الصحف، والبرامج والأغانى التى تمجد اسمى، ربما سأصاب بجنون العظمة، هذا التهليل لم يختلف كثيرا عن التهليل للمشير طنطاوى والفريق سامى عنان بعد 25 يناير، الفارق هنا أن السيسى أصغر فى العمر وينتمى لمدرسة تختلف عن المشير ويبدو أكثر ذكاء، لكن حتى الآن بالنسبة لى ولغيرى من المصريين السيسى لم يكن رجلا خارقا كما يصوره الإعلام، هو قائد الجيش الذى استجاب لمطالب الشعب، ويشكر على هذا، لكن الواجب هو الدرس الأول الذى يتعلمه الجميع فى الجيش، فالجندى الذى يقف فى الشارع ساعات دون أن يهتز لحماية المصريين لا ينتظر كلمة شكر أو مديحا من أحد لأنه يعلم قدسية مهمته، هكذا السيسى أو يجب أن يكون أو ما نتمناه واقعا.. جنديا مخلصا فى خدمة وطنه، وليس قائدا عسكريا يكمل جميله بالترشح لرئاسة الجمهورية!
باسم يوسف خيب توقعات الجميع، أثبت أنه عند العودة كوميديانًا عابرًا للأنظمة يتقن دوره الصحى والإيجابى تجاه المجتمع، لم يترك باسم يوسف أحدا فى مصر إلا وسخر منه، الشجاعة أن تسخر أو تنتقد من هم فى الحكم فعلها بشجاعة مع مرسى، وعاد مرة أخرى ليفعلها مع عدلى منصور والسيسى، والأنظمة الديمقراطية هى من تقبل منتقديها، والأنظمة الفاشية هى من تنزعج وتصاب بالجنون، بعد عرض الحلقة الأولى لباسم يوسف تبرع هؤلاء الإقصائيون الذين لا يريدون أن يبقى على أرض مصر سواهم بتخوين باسم يوسف واعتباره طابورًا خامسًا، بل ووصل الأمر إلى اعتباره خلية نائمة من خلايا الإخوان المسلمين.
تذكرت فى هذه اللحظة الفيلم الفرنسى «لا كونكيت» أو «الخديعة» الذى عرض فى مهرجان كان السينمائى وسط آلاف من محبى السينما، الفيلم الذى اعتبر «ساركوزى» رئيس فرنسا وقتها شخصاً «تافهًا» و«ساذجًا» وصل للحكم بالصدفة، والجمهور يصفق له فى قاعة «ديبوسى» الشهيرة بالمهرجان، لم ينزعج أحد ولا حتى ساركوزى لأنه يعلم أن الفيلم السينمائى لن يؤثر فيه إلا إذا كان «تافها» بحق، فى هذه الدورة حضرت «كارلابروني» زوجة الرئيس الفرنسى، كانت ممثلة فى فيلم «منتصف الليل فى باريس» لـ«وودى آلان»، لم تشعر زوجة الرئيس بالانزعاج من الفيلم الذى يتهم اليوم الذى أصبح فيه «ساركوزى» رئيسا للجمهورية بأنه الخديعة الكبرى التى تعرض لها الشعب الفرنسى.
لا يستطيع أحد أن ينسى أن الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز قال فى فيلم «جنوب الحدود» للمخرج الأمريكى «أوليفر ستون».. أنت حمار يامستر بوش، عرض الفيلم فى أمريكا وحصل على جوائز وبوش كان يحكم أمريكا والعالم، هؤلاء لم يطرحوا سؤالاً بسيطا وهو .. هل لو اجتمع باسم يوسف وكل كوميديانات العالم على أن يقنعوا المصريين أن جمال عبد الناصر كان ضد العدالة الاجتماعية.. هل كانوا سيستطيعون تحريك شعرة واحدة فى شعبية ناصر؟
هل لو قرر باسم يوسف عمل مليون حلقة يقنعنا فيها بطريقته الساخرة أن السادات لم يكن مشاركا فى نصر أكتوبر .. هل كان سينجح فى هذا؟
لقد كان تعليق اللواء سامح سيف اليزل على باسم يوسف إهانة للقوات المسلحة وليس حلقة «البرنامج»، قواتنا المسلحة ليست هشة حتى يؤثر عليها برنامج تليفزيونى، كان عليه وغيره أن يشاهدوا «البرنامج» ليعرفوا شيئين الأول أن مافعله هو عمل احترافى بحت، فهو دائما يعبر عن وجهة نظر الآخر ويسخر من النظام حتى يضيف له، كان عليهم أن يقرأوا هذه الحلقة اجتماعيا ويعرفون لماذا خلقت هذا الجدل، والسبب واضح أن فريق عمل «البرنامج» قرر أن يتبنى وجهة نظر شريحة كبيرة من المصريين، تكره الفاشية الدينية لكنها فى نفس الوقت لن تقبل باستبدالها بفاشية أخرى، شريحة تؤمن بمبادئ الثورة وليس بالأشخاص، إن الضرب فى البرادعى وتصوير حمدين صباحى على أنه «عبده مشتاق» واتهامات التمويل الخارجى لشباب الثورة لن يقتل ثورة 25 يناير، لأن كل هؤلاء لايساوون شيئا بجوار مبادئ الثورة، إذا أراد الفريق السيسى أن تصبح مصر فعلا «أد الدنيا» عليه أن يقبل باسم يوسف وغيره ممن سينتقده، عليه أن يطبق مطالب الثورة بالقصاص للشهداء والعدالة الاجتماعية وإيقاف نزيف ثروات مصر التى تذهب لجيوب أقل من نصف فى المائة من سكانها، عليه أن يقبل الآخر وألا يصدق المهللين دائما، لأن منافقى السلطان لا يقدمون للتاريخ زعماء.