عدد عُمرات الرسول
اعتمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أربع عمرات هنّ عمرة الحديبية وعمرة القضاء، وعمرة الجِعرانة، وعمرة القعْدة،.
وقد اتفق الجمهور عليهنّ، أي أن عدد عمرات النبيّ أربع واستدلوا على ذلك بحديث أنس -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ في ذِي القَعْدَةِ إلَّا الَّتي مع حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ في ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ في ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِن جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ في ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مع حَجَّتِهِ).، وخالفهم في ذلك الإمام مالك، حيث ذهب إلى أن عدد عمرات النبيّ ثلاث، أما عدد الحجج التي حجّها فهي واحدة.
عمرة الحديبية
أول عُمرةٍ اعتمرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هي عمرة الحديبية، وكانت في العام السادس من الهجرة، ولكنّه رجع ولم يعتمر لأن قريش صدّته وأصحابه، فتحَلَّلَ من العُمرة فنحرَ الهَدي وحَلَق هو والصحابة ورجعوا إلى المدينة،.
وقد خرج النبيّ تلك العمرة لأنه رأى في المنام أنّه قد دخل مكة وطاف بالكعبة، ولكن الزمان في تلك الرؤيا لم يكن محددًا، فخرج والمسلمون تحقيقًا للرؤية كون رؤيا النبيّ وحيٌ من الله، وكلّهم شوق لزيارة البيت الحرام، وخصوصًا أهل مكة، الذين غلبهم الحنين إلى وطنهم، وكان عدد من خرج ألف وأربعمئة مسلم. أحرم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة وساق معه الهَدْي أي الذبائح حتى يعلم الناس وخاصّةً قريش أنّه قصده العمرة وليس الحرب، وحين علمت قريش بخروجه ظنّت أنه خرج للحرب، فأعدَّت العدّة لقتاله، وحين وصل مشارف مكّة رفضت إبله الحركة، فعَلِم النبيُّ أنّما خلأت وامتنعت عن الحركة حرمةً للبيت الحرام من أن يراق الدم فيه، فبعث النبيّ عثمان بن عفان للتَّفاهم مع قريش وإيضاح الأمر لهم، فأسَرُوه، وأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي للنبي للاتفاق معه لكن لم يحدث اتّفاق، ثم أرسلت قريش سُهيْل بن عمرو وعقد مع النبيّ صلح الحديْبية، فتحلَّل النبيُّ من عُمْرته وحَلَق رأسَه وعاد إلى المدينة دون أن يُتِمَّ عمْرته.
عمرة القضاء
خرج النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى العمرة في العام السابع من الهجرة في شهر ذي القعدة، وتجهّز النبيّ والمسلمون وخرجوا ملبِّين محرمين، وكان الاتفاق مع قريش أن تسمح للمسلمين بدخول مكّة وأداء العمرة في هذا العام، فخرج كثير من أهل مكة إلى الجبال والتلال تاركين بيوتهم، فاعتمر النبيّ وأصحابه، وأخذ منهم ذلك ثلاثة أيّام حتى انتهوا وخرجوا في اليوم الرابع من مكة عملًا باتفاق الحديبية، وتُسمّى هذه العمرة بعمرة القضاء أو عمرة القصاص، وذلك لأن الله تعالى أنزل فيها قوله:(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ).
وقد أنزل الله في هذه الحادثة قوله:(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا).
عمرة الجعرانة
خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عمرته الثالثة مُحرِمًا من منطقة الجعرانة في ليلة الأربعاء من اليوم الثاني عشر من شهر ذي القعدة،[١٤] في السنة الثامنة من الهجرة والتي تسمى بعام حُنين،وقد خَفِيت هذه العمرة عن كثيرٍ من الناس لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خرج إليها ليلًا، ودخل مكة أيضًا ليلًا وخرج منها ليلًا، وكان ذلك بعد انتهاء غزوة حُنين وتقسيم النبيّ للغنائم في منطقة الجِعرانة، وهي المنطقة التي أحرم منها -عليه الصلاة والسلام-، وتقع بين مكة والطائف، وبعد فراغه من العمرة خرج عائدًا إلى المدينة.
عمرة مع حجة الوداع
جمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بين العمرة والحجّ في حجّة الوداع، وكانت هذه آخر عمرة له -صلى الله عليه وسلم-، وكان يُلبِّي في إحرامه لها قائلًا: (لبّيك اللهمّ حجّا وعمرة)، وخرج -صلى الله عليه وسلم- لهذه الحجة في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة العام العاشر من الهجرة، فصلى الظهر أربع ركعات وخطب في المسلمين معلّمًا إيّاهم صفة العمرة ثم خرج، وتجهّز المسلمون لذلك وخرجوا وانضم لهم في الطريق الكثير من القبائل، وكان -عليه الصلاة والسلام- يصدح ومن معه مُلبّين قائلين:(لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك)، ودخل مكة في الخامس من ذي الحجّة، واغتسل قبل أن يدخلها، ثم دخل المسجد ولبّى ودعا، ثم بدء بأعمال العمرة.