حامد بدر يكتب: روعة الاختلاف وسلبيات التفاوت.. الصورة الذهنية
كلُّ تختلف نظرته من شخص إلى آخر، فربما ما أراه أن كميِّزة تراه أنت عيبا، وقد يراه الآخر نوعا كن أنواع الاختلاف الذي يحقق يوما ما انسجامًا، حتَّى قد يصل إلى التوأمة، إن ارتقى المنظور وتشبَّع بقبولة الآخر، فصار الاختلاف هذا بابًا لبناء الحضارة.
إن الحضارة التي نسعى إليها، لا تنفصل ولا تنفتئ عن كونها بوتقة تضمُّ الجميع، بإيجابياته وسلبيات، بنجاحاته وإحفاقاته، بحلاوته ومرراته أيضًا، فالحضارة إذ تكونَت، تكونت حين عاش النقيض مع النقيض والضد مع الضد بعقلٍ متفهِّمٍ سليم، لا شذوذَ فيه.
صورة القطة الوهمية
كانت صورة لطيفة جدًا، تدعو ناظريّا للسعادة، لقد صورة مرسومة لقطة بيضاء الوجه على إحدى أغلفة كراسات المحاضرات التي يستخدمها الطلبة، ذات عينين داكنتين، تكونت على وجنتها العريضة رتوشا زرقاء سماوية، تدعو الرائي للابتسام، لقد كانت لطيفة بحق.
مع تدقيق النظر اكتشفتُ أنَّ الصورة لطفلين دون سن العاشرة، يمسكان بأيديهما بعضهما البعض، يسيران في طريق مليئ بالعُشبْيات الخضراء الجميلة، في مشهد يوحي بالسلام والاطمئنان، وما كانت العينان داكنتي اللون سوى رأسيهما، وما كانت الرتوش الزرقاء الصافية إلا لون السماء البهيج.
بين مشهدٍ وآخر
انظر لقد كان المشهد الأول صورة بديعة، قد تنجح أن تكون لسلعة تجذب عيون الأطفال دون سن العاشرة، وقد تحقق مكسبًا تجاريًا لا يقل عن زيادة المبيعات، لكنه بتعديل بسيط اتضح أن للصورة رسالة ودلالة على قيم طيبة مثل "التعاون، والتآخي، وأنَّ الطريق لاتهون سوى بكلينا.
أنظر روعة الدرس وحسب، إذ اختلفت القيمة كلِّيَّة، فما كان منذ قليل سلعة ترويجية لصورة من الكارتون، بتعديل بسيط للرؤية، تحوَّلت إل درسٍ مستفاد، ولكن باختلاف غير شاذ ولا مُؤذٍ.
كيف نرى العالم؟
هل سألت نفسك يومًا ما عن السيميائية؟
دعني أخبرك قليلًا، فهو مصطلح علمي من العيار الثقيل، الذي يحتاج من دارسيه، ان يكونوا باحثين، قارئين في مجالات الرموز، ودلالات اللغة، وسمات الصورة. فسيميائية النص تعني تبايناته ونسبيته بقصد ملامسة مواضع الجمال فيه، وكذلك سيميائية الصورة ما يتبنَّاه الشخص من رؤية مختلفة عن الآخر، لكنه لا ينفصل عن كونه مرتبطًا بالعادات، والتقاليد، والثقافات القديمة، وربما الإيديولجيا من دين وعقيدة وخليط من خبرات سابقة.
قد نرى عادةً العالم والظروف بشكل مختلف تمامًا عن غيرنا، فقد يرى البعض الجميل سيئ أو حتى أكثر سوءًا، ولكن باجتهاد بسيط على النفس يرى الجميل أكثر جمالًا.
هذا ما تلعبه أحيانًا، بل غالبًا، وسائل الإعلام المؤدجلة – ذات الإيديولوجية – سواء الدينية أو السياسية – قد تلعب على ما تراه أنت بمفهوم معين، ونتاج تراكمات وخبرات معينة، كذلك رؤيتنا نحن للأشياء قد تتحدد من منظورنا؛ لتصير رأيصا وقناعة تعبِّر عن جوانبِنا لا جوانبَ الآخرين.
قد يرى أحدُنا سياسة ما أنها عادلة، فقط لأنَّ فُرص الاندماج معها كانت حليفةً له، في حين قد يراها الآخر شديدة الوقع عليه، فيشعر بالظلم، أو قد يرى أحدهم نجاحه مقابل فشل الآخر، وما تراه أنت حربًا مُدمِّرة يراه الآخرون استقلالًا وكرامة. وليست العبرة هنا لأنَّ دِقَّة النظرة تستدعي قولًا هو أنَّ سياسة ما حققت طَفْرَة في جانب وإخفاقًا في آخر، وهذا هو مبدأُ النقاش الجيد والتأريخ العادل جدًا.
إن التفاوت السالف ليس في صالح الاثنين أو الفئتين، ولكنه سيكون أكثر روعة لو تقاربت وجهات النظر، فصار هذا التباين الواسع الداعي للغربة، اختلافًا مثمرًا في وجهات النظر لا يفسد للود ولا للمصالح الإنسانية قضية.
ختامًا
لا تتراءى لنا الدروس ولا الاستفادات ولا العِظَات، إلا من خلال ما ادخرته نفُوسنا وعقولنا من بيانات ضخمة وكثيرة ومعقدة في الماضي، وربما فُرَصٌ مختلفة مُنِحَت عن طريق الصُدفة شكلت جميعها مجموعة الطِباع والخِبرات التي تتحول فيما بعد لمذاهب إيديولوجية واجتماعية، ندافع عنها بلا هوادة.. فنخسر.
لذا، فروعة الاختلاف تفوق دومًا سلبيات التفاوت.