الكنيسة الكاثوليكية مصر تحيي ذكرى الطوباوي ميجيل أوغسطين برو
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في مصر، بذكرى الطوباوي ميجيل أوغسطين برو، ووفقًا لدراسة أعدها الأب وليم عبدالمسيح سعيد – الفرنسيسكاني، فقد وُلِدَ خوسيه رامون ميجيل أوغسطين پرو في 13 يناير 1891م لأسرة تعمل في مجال التعدين (استخراج المعادن)، بمدينة جوادالوپي وسط دولة المكسيك. الوالدان هم ميجيل برو، وجوزيفا جواريز، وهو ابن ثالث من أصل أحد عشر ولدًا وبنتًا، توفّيَ منهم أربعة ما بين رُضّع أو بعمر الطفولة المبكرة.
انضمت اثنتان من شقيقاته إلى الحياة الديرية، والتحق هو أيضًا بالرهبنة اليسوعية عام 1911م، حيث كان بعمر العشرين. عند انضمامه للرهبنة لم يكن قد أكمل تعليمه الثانوي بعد وواجه صعوبات في الدراسة. وقد عوض عن افتقاره في الإعداد الأكاديمي بالتكريس للصلاة والبحث عن القداسة. واتصف الأخ ميجيل بشخصية طيبة، تميل للمحبة والإحسان، وكذلك بكاريزمية رائعة، فهو مُنظَّم الفكر، وحديثه عن الأمور الروحية شئ لا يُصيب سامعيه بالملل.
يقول عنه أحد معاصريه وهو "الأب پوليدو": لا مثيل له في ذكائه، دائم التألق، رقيق الحس ولا يعرف الحوار الخشن، ويضيف أيضًا: هناك اثنين "پرو": "پرو" الممتلئ مَرِحًا، و" پرو" المُمتلئ صلاة. وقد اشتهر بفترات تأمله وتواجده لأوقات طويلة داخل الكنيسة.
في نفس عام إلتحاق ميجيل بالرهبنة – أي عام 1911م – حدثت تحولات سياسية واجتماعية، فقد أطاحت الثورة المكسيكية برئيس البلاد "پورفديو دياز" بعد اتهامه بتزوير انتخابات الرئاسة، وبدأ الصراع من أجل السُلطة وفرض الأيدلوچيات السياسية بقوة السلاح يطحن المجتمع المكسيكي.
بعد ثلاث سنوات من دراسته في الإكليركية، بدأت موجة ضخمة من الإضطهاد الديني ومعاداة المسيحية الكاثوليكية من قِبَل الحكومة، لدرجة أجبرت طلبة الإكليركية اليسوعية ومن ضمنهم ميجيل على الإنتقال إلى لوسجاتوس – كاليفورنيا، التابعة للولايات المتحدة.
وما بين عامي 1915م إلى 1919م، إنتقل إلى جرانادا بإسبانيا للدراسة، ومنها إلى دولة نيكاراجوا، لاستكمال الدراسة حتى عام 1922م.
خلال تلك الفترة وتحديدًا في عام 1917م، تم اعتماد دستور جديد للبلاد يتضمن خمس مواد تهدُف بشكل خاص إلى قمع الكنيسة الكاثوليكية.
فالمادة الثالثة تحظُر عمل المدارس الكاثوليكية، وتُلزِم بالتعليم العلماني. والمادة الخامسة تحظُر الرهبانيات وتأمر بحلّها. والمادة الرابعة والعشرين تحظُر مظاهر الاحتفالات الطقسية الدينية في الشوارع. أما المادة السابعة والعشرين فتقيِّد حقوق المؤسسات والجمعيات الكنسية في تملُّك المُنشئات.
وأخيرًا تأتي المادة 135 لتلغي الحقوق المدنية الأساسية للإكليروس، إذ تم منع الإكليروس والرهبان من ارتداء أزيائهم التكريسية خارج مبنى الكنيسة، كذلك تم نزع حق التصويت عنهم، وأيضًا يُحظَر عليهم التعليق على الشأن العام.
فاضطر ميجيل پرو، إلى السفر لبلچيكا من أجل استكمال دراسة اللاهوت بكلية اللاهوت اليسوعية التي استضافت أيضًا الطلبة اليسوعيين المنفيين من فرنسا. ومع كثرة التنقُّل وضعف التغذية أخذت مناعته تنخفض بشكل ملحوظ.
تمت السيامة الكهنوتية لميجيل ببلچيكا، في 31 أغسطس 1925م، بعيدًا عن عائلته، فكتب يقول في تلك المناسبة: كيف لي أن أشرح نعمة الروح القدس الجميلة، التي اجتاحت نفس عامل المناجم الفقير، بفرح سماوي كهذا؟.. لم أستطع كبح دموعي في هذا اليوم، لقد كانت أعظم لحظات حياتي عندما ردّدت مع أبي الأسقف وعود التكريس. بعدها حسب الطقس يعطي الكاهن الجديد أول بركة لوالديه، فذهبت إلى غرفتي، ووضعت كل صور عائلتي على الطاولة، ثم باركتها من أعماق قلبي.
كانت التكليف الأول له ككاهن، هو رعاية عمّال المناجم في مدينة شارلروا غربي بلچيكا، حيث تنتشر بينهم النزعات الشيوعية والأناركية (أي الفوضوية)، فكان مُطالبًا بإعادة تبشيرهم بالإنجيل وهو المُلِمّ بطبيعة عملهم ومتاعبهم الحياتية والمهنية. بالفعل بدأ الأب پرو مهمته، وبدأ يكتسب ثقة العمال ليستمعوا للبشارة من جديد، كذلك كان عليه استكمال دراساته اللاهوتية بالتوازي مع مهمته.
إلا أنه بعد ثلاثة أشهر من سيامته، خضع لأكثر من عملية جراحية، لمعالجة قُرَح المعدة. برغم المعاناة الصحية لكنه قدّم مثالًا حي على الإيمان، وقدرته على تخفيف الأزمات والآلام، إذ برغم الفقر ومعه المرض الذي بدأ يهاجمه وهو ما يزال شابًا، لم تفارقه ابتسامته ولم يبدو عليه إلا كل الرضا عن حياته، وقد كان سنده في ذلك حياة الصلاة التي كان يعيشها بأمانة ويعرف أنها لمنفعته.
انتهىَ الأب پرو من دراساته اللاهوتية بأوروبا في صيف 1928م، فعاد إلى بلاده، وفي طريق العودة كان قد زار مغارة السيدة العذراء بلورد – فرنسا، وصلّىَ عندها قدّاسًا، وطلب صلاة حارة من الأم القديسة لتعينه على استكمال رسالته الصعبة في المكسيك.
وصل الأب پرو إلى براكروف جنوب شرق المكسيك، في 8 يوليو 1928م، أثناء فترة حكم الرئيس المكسيكي "پلوتاركو إلياس كاليس" الذي عمل على تطبيق مواد الدستور المعادية للكنيسة بكل شراسة، واستبدل قانون العقوبات العادي بقانون عُرِف فيما بعد بـ "قانون كاليس"، حيث غلَّظ عقوبة الكهنة المتحدثين في الشأن العام إلى خمس سنوات سجن مشدَّد، وكذلك ضاعف غرامة إرتداء الزي الكهنوتي أو الرهباني إلى 500 پيزو وقد تم تفعيل هذه القوانين قبل وصول پرو إلى المكسيك بعامين.
وتفنَّن حكام الولايات المكسيكية في التجويد على القوانين وزيادة حجم الإضطهاد، فعلىَ سبيل المثال قام "توماس جاريدو كانابال" حاكم ولاية تباسكو، بغلق جميع الكنائس والقتل الفوري لمن يعترض على هذه الأفعال ويحاول البقاء داخل الكنيسة، مما أجبر باقي الكهنة على أداء الخدمة الكهنوتية من قداسات ومعموديات وإعتراف في المنازل في مخاطرة كبيرة بحياتهم، وأجبر قِلّة منهم على الزواج وترك الكهنوت.
في تلك الظروف بدأ الأب پرو خدمته لرعيّة أُجبرت على إقامة قداساتها في مخبئ تحت أحد المنازل، فكان يقوم بأداء خدمته الكهنوتية كلها بها مع مجموعة صغيرة من المسيحيين.
تواردت أخبار خدمته، فتم إلقاء القبض عليه للمرة الأولى، وإطلاق سراحه في اليوم التالي كنوع من التهديد حتى يتوقف عن خدمته السرية، وبالطبع برغم إطلاق سراحه فقد كان تحت المراقبة طوال الوقت.
بعد محاولة اغتيال فاشلة لرئيس الدولة السابق "ألڤارو أوبريجون" عام 1927م، كانت تلك ذريعة لاعتقال الأب پرو مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع شقيقيه "أومبرتو" و"روبرتو". إلا أنه عندما تم القبض على مُنفِّذ محاولة الإغتيال شهد بأن الإخوة پرو، لا علاقة لهم بالحادث. لكن نشاط الأب ميجيل پرو الغير متوقف في الخدمة الكهنوتية برغم خطورة ذلك وعلمه بأنه مُراقَب، وتشجيع باقي الكهنة على العمل بالمثل حتى لا تتوقف الخدمة الكهنوتية للمسيحيين، تسبَّب في عدم الإفراج عنه هو وشقيقيه.
صدرت التعليمات من الرئيس المكسيكي إلياس كاليس بإعدام الأب پرو بتهمة محاولة اغتيال أوبريجون برغم تبرأته في التحقيقات. كذلك أمر بتصوير عملية الإعدام بدقّة في كل مراحلها، ونشرها في صدر الصفحة الأولى لجميع الصحف الرسمية، حتى يتم ترهيب المتمردين من الشعب المكسيكي الذين أسموا أنفسهم بالـ "كرستيرو".
في صباح يوم 23 نوفمبر 1927م، أُقتيد الأب پرو من زنزانته إلى ساحة عامة حيث تنتظره كتيبة الإعدام، وهناك بارك الجنود، وركع يصلّي بهدوء صلاة قصيرة عند مكان الإعدام، ثم وقف واستدار في مواجهة الجنود والصليب في يده اليمنى والمسبحة في يده اليُسرى، رافضًا أن يضع عصابة العينين، مواجهًا مصيره بشجاعة، ثم بسط يديه كأنه على صليب مثل سيده المسيح، وقال: "ليبارككم الرب، إني أغفر لكم من قلبي" ثم خاطب الرب قائلًا: "يارب أنت تعلم أني برئ". وقبل إصدار الأمر بإطلاق النار عليه صرخ قائلًا:" يحيا يسوع المسيح الملك".
تم إطلاق النار وبالفعل سقط الأب پرو مُنازعًا فتقدم إليه أحد الجنود وأطلق عليه النار من مسافة قريبة حتى يؤكد موته ويُمثِّل به.
كان إعدام الأب پرو دون محاكمة، رميًا بالرصاص لمجرد أمانته لرسالته الكهنوتية، هي محاولة لتهدئة التمرد، إلا أن العكس هو ما حدث، وظلّ الصراع على أشده بعد استشهاد الكاهن البرئ.
كان في وداع الكاهن الشهيد ذو الستة وثلاثين عام نحو ربعمائة ألف مُشيِّع ونحو عشرين ألف منتظر عند المقابر. جميعهم كانوا يحملون صور إعدام الأب الشهيد المنشورة في الصُحُف، ويُذكَر أنه تم دفن الأب الشهيد دون صلاة قداس وجناز، ودون أن يُصلّي أي كاهن مع مُشيعيه عند القبر بقرار من السُلطة!.
تم التحري الكنسي من قصة إعدام الأب ميجيل پرو اليسوعي، بعد التأكد من براءته وعدم اشتراكه في العنف أو حتى التحريض عليه، واعتبرته الكنيسة شهيدًا لأنه قُتل على هويته وبسبب نشاطه الكهنوتي أعلنته الكنيسة طوباويًا عن يد البابا القديس "يوحنا بولس الثاني"، في 25 سبتمبر 1988م.ش