خبير آثار ردًا على الداعية الإسلامى ذاكر نايك: المرأة فى مصر القديمة كيان محترم لها كل الحقوق
أشار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن المصرى القديم نظر للمرأة ككيان متكامل لها كل الاحترام والذى وصل إلى مرحلة التقديس، وجاءت تصريحاته ردًا على الداعية الإسلامى الشهير ذاكر نايك فى تصريحه بأن المرأة في الحضارة المصرية القديمة كانت أداة للشيطان.
وأضاف ريحان أن المصري القديم قدس بعض الملكات مثل “أحمس نفرتاري” التي وضعت في صفوف المعبودات وظل تقديسها حتى العصر المتأخر، كما وجدت بعض مظاهر تقديس لملكات منهن “أحمس مريت آمون”، و”أحمس”، و”مريت رع حاتشبسوت”، و”تى عا”، و”تى”، و”نفرتيتى”، و”نفرتارى” وحملت المرأة ألقابًا عظيمة مثل “طاهرة اليدين” و”العظيمة في القصر” و”سيدة الحب” و”سيدة الجمال” و”عظيمة البهجة”، وقد بلغ عدد ملكات الدولة الحديثة 60 ملكة.
استعان بها الرجل
وأشار ريحان إلى مصاحبة المرأة للرجل فى مصر القديمة فى كل أمور حياته وحتى فى الأعمال الشاقة حيث صاحبته فى بعثات وحملات التعدين لاستخراج الفيروز من سيناء، وكن النساء يرافقن أزواجهن في الرحلة، ليقمن بإعداد الطعام على مواقد بدائية عبارة عن حفرة في الأرض الجافة توضع بها قطع الأخشاب وفروع الأشجار للوقود قبل اكتشاف الفحم النباتي، وهن من لاحظن البريق المعدني الأصفر يلمع وسط رماد النار بعد خمودها، وقد كانت بعض مكونات النحاس بسيناء على شكل رواسب في الطبقات السطحية من الأرض، وبذلك بدأت عمليات اكتشاف النحاس فى سيناء على أيدى المرأة التى لا تفارق زوجها
ولفت الدكتور ريحان إلى وصول المرأة إلى أعلى المناصب السياسية فهناك ملكتان اعتليا عرش مصر كحكام، وهما “حتشبسوت” في الأسرة الـ ١٨، و”تاوسرت” في الأسرة الـ ١٩، كما حملت ملكات الدولة الحديثة ألقابًا عديدة ذات طابع سياسي مثل “سيدة الأرضين” وهو اللقب المناظر للقب الملك “سيد الأرضين” في إشارة إلى نفوذ الملك الممتد على مصر العليا والسفلى، وشاركن في تسيير شئون البلاد السياسية والدبلوماسية، ومنها والدة الملك رمسيس الثاني “تويا” وزوجته الأثيرة “نفرتاري” واللتين شاركتا في معاهدة السلام التي أبرمها الملك مع الحيثيين في العام ٣٤ من عهده، والتي تعتبر أقدم معاهدة صلح في التاريخ.
قدس الحياة الزوجية
وتابع الدكتور ريحان بأن المصرى القديم قدّس الحياة الزوجية الذى كان يسودها المودة والرحمة والاحترام المتبادل وكانوا أحرص الناس على إقامة حياة زوجية ناجحة، وتأتي نصوص التعاليم المصرية لتؤكد على ضرورة المحافظة على العلاقات القوية بين الزوجين، ومنها تعاليم بتاح حتب (الأسرة الخامسة) فنجده يشير إلى مسئولية الرجل تجاه زوجته قائلًا “إذا أصبحت رجلًا معروفًا فتزوج، وأحبب زوجتك كما يليق بها، قدم لها الطعام وأسعد قلبها ما حييت”.
وقد جسّد المصرى القديم كل هذه المعانى وكل هذا الحب والاحترام والمكانة للمرأة في العمارة والفنون المصرية القديمة وقد خلّد الملك رمسيس الثاني اسم زوجته نفرتاري في التاريخ ببناء المعبد الصغير على بعد مائة متر شمال شرق معبده وارتبط اسمها بأشهر المعابد في مصر وهو معبد أبو سمبل وبه تمثال الملكة نفرتاري وهي ترتدي فستان طويل شفاف وتضع على رأسها التاج الحتحوري المميز الذي يتكون من الريشتين وبينهما قرص الشمس واكتشفت مقبرة نفرتاري بمنطقة البر الغربي بمدينة الأقصر عام 1904 على يد بعثة إيطالية برئاسة الأثرى الشهير "سكياباريللي" وصورت نفرتاري بمقبرتها تضع على رأسها تاجًا من الذهب على هيئة طائر الرحمة "نخبتط" وقد تزينت الملكة بالكثير من الحلى من أقراط وأساور وعقود
بطلة عسكرية
وأضاف أن مكانة المرأة وصلت إلى درجة إهدائها أعلى وسام عسكرى فى مصر القديمة وهى هدية الملك الشاب أحمس لأمه "إياح حتب" بعد أن انتصر على الهكسوس وطردهم من الأراضي المصرية مكملًا بذلك دور والده "سقنن رع" وأخيه "كامس"؛ لم ينس دور أمه في هذا النصر فقام بإهدائها وسام الذبابة الذهبية تقديرًا لشجاعتها وصلابتها واعترافًا بدورها الكبير في هذا النصر، وكان هذا الوسام هو أعلى وأرقى وسام عسكري في الدولة حينذاك؛ حيث كان يمنح لمن قام بأداء دور بطولي في المعارك العسكرية، وكانت إياح حتب بذلك أول امرأة تتقلد هذا الوسام هذا إلى جانب إهدائها أيضا المشغولات الذهبية والأساور
وأردف الدكتور ريحان بأن المرأة المصرية كانت تتلقى المهر من زوجها عند الزواج وكانت لها ذمتها المالية وممتلكاتها الخاصة كما كان من حقها الطلاق إذا ما فشلت الحياة الزوجية، وعندئذ فإنها تسترد مهرها كما تستحق تعويضًا من مطلقها وقد برز الدور السياسي لملكات مصر وقد شاركن فى الشئون السياسية مثل تسيير شئون البلاد السياسية والمشاركة في الشئون الدبلوماسية فنجد على سبيل المثال والدة الملك رمسيس الثانى "تويا" وزوجته الأثيرة "نفرتارى" يشاركن في معاهدة السلام التى أبرمها الملك مع الحيثيين في العام الرابع والثلاثين من عهده والتي تعتبر أقدم معاهدة صلح في التاريخ.
اختارها كشريكة عرش
وكان ملك مصر يختار من تشاركه العرش حتى تستقيم "ماعت" بوجود ذكر وأنثى معًا وهناك العديد من الألقاب ذات الدلالات الاجتماعية كما نجد العديد من الملكات يصُورن مع أزواجهن وأبنائهن في مشاهد تشير إلى مشاعر الحب والمودة بين الزوجين الملكيين ويبدو ذلك واضحًا تحديدًا في عصر العمارنة كما وجُدت بعض الدلالات على وجود مكتبات في القصر الملكى مما يشير إلى أن الملكات سواءً كن من أميرات البيت المالك أو من الطبقات العليا من الشعب كن متعلمات.
ووجدت ممتلكات خاصة للملكات تنوعت بين قصور وضياع ومخازن للحبوب والغلال ومزارع تحوى قطعان ماشية لذا فيبدو أنه كان للملكة ذمة مالية خاصة بها وتستطيع التصرف كيفما تشاء فى أملاكها وبما أنه كان للملكة ممتلكاتها الخاصة فقد كان من الطبيعى أن نجد موظفين للإشراف على هذه الأملاك فنجد وظائف مثل "المشرف على مخازن غلال الملكة"، "مدير بيت الملكة"، "المشرف على أملاك الملكة"، كما وجد عدد كبير من المرضعات لعدد من الملكات فقد وصل عدد مرضعات الملكة "حتشبسوت" إلى أربعة مرضعات كما وجدت وظيفة "كبير أطباء الملكة" الذى كان غالبا يختص بشئون الحمل والولادة والرعاية الصحية للملكة.
ونوه الدكتور ريحان إلى نبوغ المرأة فى مصر القديمة فى الطب حيث كانت أول طبيبة في التاريخ الطبيبة المصرية ميريت بتاح التي ظهرت في عهد الملك زوسر خلال عصر الأسرة الثالثة أي منذ 4700 سنة وتم العثور علي صور للطبيبة مريت بتاح في مقابر سقارة الموجودة بالقرب من هرم زوسر المدرج وأن هذه الطبيبة تحظى بتكريم كبير فى الغرب حيث أُطلق اسمها (ميريت بتاح) على إحدى الفوهات الصدمية علي كوكب الزهرة من قبل الاتحاد الفلكي الدولي، ولم تكن طبيبة عادية بل كانت رئيسةً للأطباء، حتى وصفها ابنها الذي كان يعمل كاهنًا بأنها كبيرة الأطباء (أي وزيرة الصحة) في وقتنا الحالي.