لما ترفض الكنيسة القبطية الارثوذكسية كهنوت المرأة؟
أطلق القمص أثناسيوس فهمي جورج، مدير مدرسة تيرانس للعلوم اللاهوتية، دراسة تحت شعار: لاَ كَهَنُوتَ لِلْمَرْأَةِ فِي الكَنِيسَةِ الأُرْثُوذُكْسِيَّةِ
وقال خلالها: صورة الله في خلقته للإنسان هي في شركة الرجل والمرأة معًا، وهي مركز بشريتنا الحقيقية، فصورة الله ليس شخصًا واحدًا بل معه معينًا نظيره، أﻱ مساوٍ له حتى يعكسا معًا صورة الخلقة الإلهية للوجود الإنساني. ومن هنا يأتي التأكيد على الشركة والاتحاد والالتصاق كجوهر الإنسانية.
فآدم من تراب ولا سيادة له على حواء، لأن الله بناها من منتصف جسده (جنبه) وهو في سُبات عميق، وهذه دلالة على خلق حواء من دون أن يكون لآدم تفوّق عليها... فهي تساويه وترافقه وتعينه، وهذه هي الحيادية المعيارية للمساواة بين الرجل والمرأة في الخلقة.
لكن هذه المساواة لا تلغي أن لكل من آدم وحواء دوره ووظيفته، فلم يختر المسيح من بين رسله امرأة واحدة، ولم يَقُمْ لا الرسل ولا خلفاؤهم برسامة المرأة كاهنة. كذلك لم تكن يومًا الكرازة والتعليم ضدًا لجنس المرأة... لهذا يقول بطرس الرسول: أن النساء وارثات مع الرجال لنعمة الحياة (١ بط ٣: ٧). كذلك لم يكن في العهد القديم للمرأة عمل كهنوتي في خيمة الاجتماع.
هذا هو الأساس الكتابي واللاهوتي الذﻱ لا يمكن أن تطوِّعه دساتير الناس للانجرار إلى ما هو غربي ؛ ولإشتهاء كل ما هو غريب ؛ حتى لو كان أهواء هوان وذهنًا مرفوضًا على خلاف الطبيعة، وضمن الأرواح المضلة والأقوال والضمائر الكاذبة... ليس للمرأة أن تعلم أو تتسلط على الرجل (١ تيمو ٢: ١٢)، هذا التعليم ثابت منذ بداية الخليقة ولا يرتبط بطور اجتماعي، فإذا لم يكن مسموحًا للمرأة بأدوار تعليمية عامة في الكنيسة، فكم يكون بخدمة الكهنوت السرائرية ؟؟!! حيث يمثل الكاهن عمل المسيح الذبائحي (يسوع الناصرﻱ رجل قد تبرهن) (أع ٢: ٢٢) وهو الذي قيل عنه أنه يُولد لنا ولدًا وسنُعطىَ ابنًا وعلى كتفيه كانت الرئاسة ؛ أبًا أبديًا رئيس السلام... وهو الذﻱ أرسل تلاميذه الإثني عشر والسبعين رسولًا، كلهم من الرجال، وحتى أمه المختارة القديسة مريم، لا علاقة لها بعمل الكهنوت الممتد منذ إبراهيم وإسحق ويعقوب (الكهنوت الهاروني) أو كهنوت (ملكي صادق).
فهل من أجل مبالغات ومماحكات أبناء هذا الدهر، نزعم أن المرأة في هذا الزمن لها وضعية أعلى من مريم العذراء ومن مريم أخت موسى وهارون، ومن دبورة القاضية وخلدة وحنة النبيات، ومن أستير الملكة أو من مريم المجدلية أو مريم أم مرقس أو ليديا بائعة الأرجوان أو برسكيلا زوجة أكيلا أو من بنات فيلبس المبشر؟؟!
كذلك الكهنوت ليس وظيفة ؛ لكنه دعوة وخدمة، لا يصلح لها ولا حتى كل الرجال، بل المدعوون المعينون من الله. والمسيح الكاهن الأعظم سلم العشاء الإفخارستي الأخير لإثني عشر تلميذًا ؛ وأعطاهم عطية الروح القدس في العلية. ومن هنا لا يأتي رفض كهنوت المرأة لأسباب اجتماعية أو تاريخية أو فسيولوچية (بيولوچية) أو إرث ثقافي ؛ لكنه تأسيس كتابي ولاهوتي... لم توجد له قرينة لا في أسباط هارون ولاوﻱ ؛ ولا رؤساء الآباء أو رسل العهد الجديد ؛ ولا في كنيسة الآباء الرسوليين، وهو ما يعكس الفكر الإلهي.
وصولًا إلى عصرنا هذا في القرن الواحد والعشرين ؛ لأن المسيح ربنا لم يكن سجينًا لعقلية جيله، لكن بشارته إلى مجيئه الثاني... ومنذ الأزمنة الأولى لا نجد امرأة خدمت خدمة كهنوتية ؛ بالرغم من الكم الهائل من النبيات والنساء الكثيرات اللائي تبعن الرب، واللاتي لم يجعل أﻱ واحدة منهن لا رسوله ولا كاهنة.
إن طرح مسألة كهنوت المرأة الآن ؛ يأتي بدوافع الحشرية والفضول والمزايدة، وبدوافع الطُرفة التي تتطلع إلى رغبات لا معقولة، تُثار في أجواء العصرنة والعولمة ومجاراة الموضة... بينما الأمر لا يتعلق لا بتكوين مؤسسي أو بنيوﻱ أو حقوقي أو سيسيولوچي للكنيسة، بقدر ما هو كتابي إيماني مستقر، عبر كل مقاربات التاريخ المسيحي كتابيًا وآبائيًا، وعبر مقررات المجامع المسكونية والديداكية والراعي (هرماس) التي لم تعرف يومًا امرأة كاهنة بالمعنى الليتورجي الأسرارﻱ للكلمة، ولم توكل إلى أﻱ امرأة أﻱ مهمة سرائرية إفخارستية، بالرغم من وجود شماسات عظيمات من أمثال الشماسة فيبي وأوليمبياس والأمهات باولا وكسيني وسينكليتكي وغيرهن.
أخيرًا مسألة كهنوت المرأة، لا يمكن النظر إليها من منطلق نزعات ثورية تحررية أو تمردية للوصول إلى مساواة جوفاء، وفقًا لأبواق الإعلام المضاد وللشذوذ الفكرﻱ المستشرﻱ ؛ وفراغ ال unisex للمرأة، لأن الأمر ليس مطالب وقضايا حسب أهواء الموضة الأيدلوچية التي تصل إلى إلغاء الكتاب المقدس وتفكيكه، والانتقاء منه ؛ بل وعصيانه بحجة أنه لم يأتِ بتفعيل الكهنوت الأنثوﻱ.