في ذكراه.. باحث كنسي يروي مواقف حقيقية للانبا غريغوريوس مع محبيه
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بذكرى الأنبا غريغوريوس أسقف اللاهوت والبحث العلمي، وبهذه المناسبة أطلق الباحث ماجد كامل عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنسي دراسة حملت شعار «مواقف حية عشتها مع الأنبا غريغوريوس».
وقال كامل في دراسته: لن أتناول أي جوانب جديدة من فكر نيافته، ولكني سوف أركز علي البعد الإنساني في شخصيته، وفي هذا المجال لن أعتمد على كتب أو مراجع، ولكني سوف أعتمد بالأكثر علي ذكرياتي الشخصية مع نيافته، من خلال اللقاءات والحوارات وأيضا المحاضرات العامة التي كان يلقيها، والتي لمست فيها إنسانينته العالية، ولعل أول ما لمسته في هذه النقطة هي وفائه الشديد نحو أساتذته ومعلميه، ولقد لمست هذه النقطة من خلال المواقف التالية:
1-عندما دعانا أستاذنا المرحوم الدكتور سليمان نسيم ( 1923- 1998 ) لحضور لقاء مع نيافته في مكتبه بالدور الثالث بمناسبة افتتاح متحف حبيب جرجس) 1876- 1951 ) ؛ وخلال الحوار ذكر موقفين لم يستطع بعدها حبس دموعه وحشرجة صوته:- الموقف الأول حدث أثناء الاحتفال بيوم الإكليركية في 29 نوفمبر 1939 وكان نيافته من ضمن الخريجين في نفس السنة ؛ فقال عنه إنه كان خطيبا مفوها ؛ وذكر أنه في الخطبة الافتتاحية صاح " أبنائي وأمالي " ؛ وإذ بصوته يتحشرج ولم يستطع إكمال الجملة ؛ فأعادها أكثر من مرة وفي كل مرة كان صوته يتحشرج ودموعه تسيل. الموقف الثاني حدث في نفس اللقاء عندما روي لنا قصة تعيين المجلس الملي لمستر باري راعي الكنيسة الأسقفية في القاهرة لإلقاء دروس اللغة اليونانية بدلا من الاستاذ يسي عبد المسيح ( 1898- 1959 ) ؛ وكان الأرشيدياكون حبيب جرجس حزينا لهذا القرار.
فقام وهيب عطا الله وهو الاسم العلماني قبل رهبنة الأنبا غريغوريوس، وأخذ يمر علي جميع طلبة وأساتذة الإكليركية ليجمع توقيعات برفض الأساتذة والطلبة لهذا القرار التعسفي ؛ وعندما جمع كل التوقيعات ؛ دخل إلي مكتبه وعرض عليه المذكرة بالتوقيعات ؛ فهتف حبيب جرجس فرحا " انا عارف أني ها اسيب رجاله وراي من بعدي " وللمرة الثانية يتحشرج صوت نيافته ودموعه تسيل ولم يستطع إكمال الجملة ؛ فأعادها أكثر من مرة.
وبعد نهاية اللقاء نزل معنا إلي الدور الثاني الموجود فيه قسم التربية والمقر المؤقت للمتحف ( قبل نقله إلي المقر الحالي بالمركز الثقافي القبطي ) وكان الدكتور سليمان يعرض عليه صور كتاب " المدرسة الإكليريكية " فكان يقف عند كل صورة ويذكر ذكرياته عنها ؛ وعند صورة طلبة السنة الخامسة بالمدرسة ؛ وقف أمامها طويلا ؛ وأخذ يعرض أسماء الطلبة واحدا واحدا وأين هم الآن ؛ حتي وصل إلي صورة الطالب الواقف أقصى يمين الصورة وقال " وده أنا "
ثم قام بالتعرف علي صور أساتذة الكلية الموجودة بكتاب " المدرسة الإكليريكية بين الماضي والحاضر " ؛ وعند صورة كامل بك جرجس قال عنه ده كان بيدرس لنا تربية وعلم نفس ؛ ونجله حاليا الدكتور رمسيس كامل عضو لجنة كنيسة العذراء أرض الجولف ؛ وكنت أخدم في أرض الجولف في تلك الفترة ؛ وفي اليوم التالي مباشرة قابلت دكتور رمسيس وسالته مداعبا " هو والدك كان مدرس في الإكليريكية وما تقوليش " فسألني بتعجب "عرفت منين ؟؟!! " قلت لي كنا مع أنبا غريغوريوس أمبارح وقال لنا ؛ ففرح جدا وقال " ده الأنبا غريغوريوس كل ما يشوفني يقول لي والدك كان أستاذي وله فضل كبير علي ".
2- موقف آخر في الوفاء نحو أساتذته ؛ عندما كان حاضر لندوة الجمعية الفلسفية وعند الإياب عرض علي بمحبته الكبيرة توصيلي لباب الكاتدرائية ؛ وطبعا وافقت فورا حتي تكون فرصة للحوار مع نيافته أكثر ؛ وخلال الطريق أخذ يروي لي ذكرياته عن بعض أساتذته في الإكليركية ؛ وجاء ذكر " إسرائيل ولفننسون ( 1809- 1980 ) أستاذ اللغة العبرية (وهو المعروف بلقب أبي ذؤيب ؛ ويعتبر من كبار رواد الدراسات السامية في مصر والمنطقة العربية ).
فقال لي نيافته بالحرف الواحد " لن أنسي فضل هذا الرجل علي ما حييت " وقال أيضا علي لسان ولفنتستون "أن الترجمة العربية لسفر النشيد قد ظلمت السفر كثيرا ؛ فالأصل العبري والترجمة القبطية لا تظهر المعاني الجنسية في النص الموجودة في الترجمة العربية"، كما ذكر لي فضل أساتذته في الفلسفة في الجامعة المصرية ؛ وكيف تأثر بهم ؛ وخص بالذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي( 1917- 2002 ) أستاذ الفلسفة الوجودية ؛ والأستاذ محمود الخضيري أستاذ الفلسفة الإسلامية ( 1906- 1960 ) وبالمناسبة هو والد الأستاذة الدكتورة زينب الخضيري أستاذة الفلسفة الإسلامية الكبيرة.
3- من المواقف التي ما زلت أذكرها والتي تظهر محبته الكبيرة لآبائه ومعلميه ؛ عندما روي لنا تفاصيل جنازة المتنيح الطيب الذكر البابا مكاريوس الثالث (1782- 1945 ) وكان نيافته وقتها مدرسا بالاكليريكية ؛ وكلف بالقيام بعملية إلباس قداسته الروب الخاص برئيس الأساقفة ؛ وعندما قام مع زملائه بمحاولة فرد ذراعيه ؛ فوجئوا بقداسته يرفع يديه لكي يساعدهم ؛ وفي هذه اللحظة تحشرج صوت نيافته وسالت دموعه تأثرا بالموقف رغم مرور أكثر من 40 عاما علي الحدث. كما سالت دموعه بغزارة عند الصلاة علي جثمان كل من ( المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم – القمص قسطنطين موسي ....... الخ ).