من هو لولا دا سيلفا الرئيس البرازيلي الجديد؟
فاز اليساري لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية البرازيلية، وذلك بعد تفوقه على منافسه الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو، وفقًا للمحكمة العليا للانتخابات في البرازيل.
وحصل دا سيلفا على 50،9% من الأصوات، فيما صوت 49،1% لبولسونارو، لتكون نهاية أكثر حكومة يمينية في البرازيل منذ عقود.
ولد لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في 27 أكتوبر 1945م، وتختلف نشأة وطفولة لولا دا سيلفا عن باقي الزعماء، ونشأ في أسرة فقيرة، أصلها من الشمال الشرقي للبرازيل.
وكانت طفولة دا سيلفا قاسية، حيث علمته والدته كيف يمشي مرفوع الرأس، وكتب ريتشارد بورن في الجزء الأول من كتابه لولا البرازيل عن طفولة دا سلفيا، وجاء عنوان هذا الجزء بعنوان قاسية وصعبة، وانتمى لولا دا سيلفا لأسرة مكونة من 7 أولاد وبنات، سافر أبوه مع ابنة عمه بعد أسبوعين فقط من مولد دا سيلفا إلى ساو باولو، للبحث عن عمل ثم انقطعت أخباره بعد فترة قصيرة، فظنت والدة لويس أنه وجد وظيفة وبالتالي سافرت هي الأخرى إلى ساو باولو ومعها أطفالها.
ولكن سرعان ما اكتشفت أن زوجها تزوج من ابنة عمه بعد أن عاشوا قصة حب سرية، واضطرت أن تسكن في غرفة واحدة في منطقة فقيرة في هذه المدينة.
ولعبت أريستيدس والدة دا سيلفا دورًا كبيرًا في حياته وتكوين شخصيته، واعترف دا سيلفا بذلك قائلًا: لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف احترم نفسي حتى يحترمني الآخرون.
بدأ لولا دا سيلفا مشواره التعليمي في سن مبكر، ولكنه توقف عن التحصيل الدراسي في سن العاشرة من عمره، عندما كان في السنة الخامسة من التعليم الأساسى بسبب الفقر الشديد والظروف الصعبة التي كانت تمر بها العائلة، ولكن تلك الظروف الصعبة ساهمت في بناء شخصيته، وظهر هذا عندما تولى حكم البرازيل ووجه اهتمامًا كبيرًا للفقراء.
ويتمتع لولا دا سيلفا منذ شبابه بالصبر والتحمل وكان يؤمن بالروح الثورية والتغيير، نتيجة للظروف الصعبة التي مر بها في طفولته، والتي اضطرته للعمل كماسح للأحذية لفترة طويلة في شوارع ساو باولو، وكصبي في محطة وقود، ثم حرفي في ورشة، وبعد ذلك مكانيكي لإصلاح السيارات، وبائع خضروات لكن كل هذه الظروف جعلت منه رجلًا قويًا، وانتهى به الحال كمتخصص في التعدين بعد التحاقه بمعمل فيس ماترا، حيث نجح في الحصول على دورة تدريبية لمدة 3 سنوات من هناك.
وتعرض لحادثة في سن ال19 من عمره، أثناء عمله في إحدى مصانع قطع الغيار للسيارات، أدت إلى فقدانه أصبعه خنصر في يده اليسرى، وكان السبب في هذا هو إهمال صاحب المصنع الذي كان يعمل به، وبعد هذا الحادث انضم دا سيلفا إلى نقابة عمالية بهدف تحسين أوضاع العمال، لأنه عانى الكثير ليحصل على علاج، وأثرت تلك الحادثة في نفسية لولا، حيث بدأ يفكر في حق العمال، ومدى أهمية العدالة الأجتماعية بين مختلف الطبقات، وهذا الأمر دفعه للمشاركة في اتحاد نقابة العمال، بهدف الدفاع عن حقوق العمال وتحسين مستواهم وليحررهم من قسوة أصحاب الأموال عليهم.
ظهر اجتهاد دا سيلفا في أوائل العشرينيات من عمره، عندما مارس العمل النقابي ونجح فيه بمساعدة أخيه فريرا دا سيلفا. واستطاع أن يحتل منصب نائب رئيس نقابة عمال الحديد في عام 1967م بعد أن تخلى أخوه عن المنصب، بعد ذلك تم انتخاب لولا رئيسًا للنقابة في عام 1978م، وكانت النقابة تضم في ذلك الوقت ما يقارب 100 ألف عامل في معظم مرافق مصانع السيارات في البرازيل مثل تويوتا وفولكس فاجن ومرسيدس بنز وفورد وغيرها.
وعندما تولى الرئاسة، حظى الرئيس لولا دلا سيلفا بشعبية كبيرة في البرازيل وخاصة الطبقة الفقيرة وأطلقوا عليه لقب بطل الفقراء نظرًا لعمله البطولي من أجل فقراء البرازيل حيث استطاع إقناع العديد من رجال الأعمال والطبقة المتوسطة بالالتفاف حول الفقراء.
كما قام بوضع العديد من البرامج الإجتماعية التي أسهمت إلى حد كبير في التقدم الذي حدث في البرازيل، كما يعتبر لولا دا سيلفا خبيرًا اقتصاديًا وفقًا للعديد من التقارير برغم من افتقاره للخلفية الأكاديمية، واقترح دا سيلفا تمويل برنامج لمكافحة الفقر من خلال فرض ضريبة على صفقات الأسلحة في العالم، ولم تقتصر شهرة الرئيس لولا دا سلفيا في البرازيل وحسب بل وصلت شهرته إلى العالم أجمع حيث صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما قائلًا لولا أكثر شعبية منى إنه أكثر شعبية من كل الكرة الأرضية.
عندما فاز دا سيلفا أول مرة برئاسة جمهورية البرازيل سبب هذا خوفًا في قلوب الرأسماليين وغضب اليمينيين وذلك بسبب فكر دا سلفا الاشتراكي اليساري، ولكنهم وبعد فترة قصيرة تنفسوا الصعداء، حيث كانت البرازيل على شفا الهاوية، وهي الآن تتمتع بفائض يزيد عن 200 مليار دولار واصبحت صاحبة أقل نسبة غلاء من دول العالم الثالث، وذلك بفضل مجهودات دا سيلفا.
ولعب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا دورًا كبيرًا في النهوض بالبرازيل وذلك من خلال الخطة الذي رسمها لذلك والمتمثلة في النهوض باقتصاد البرازيل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحديث الجيش.
وعندما عانت البرازيل الكثير من المشكلات الاقتصادية، حيث أن معدلات التضخم ارتفعت بقدر كبير، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة وأيضًا المجاعات. ولكن بعد أن أصبح دا سيلفا رئيسًا حدثت تحولات كبيرة في أقتصاد البرازيل وذلك بفضل المنهج الذي وضعه لبناء الدولة، وهذا المنهج يتمثل في الديمقراطية والسياسة المتوازنة بين البرامج الاجتماعية للأسر الفقيرة إلى جانب التصنيع والتصدير وذلك اعتمادًا على عدد كبير من الشركات العملاقة.
وبفضل هذا المنهج الذي سار عليه لولا دا سلفيا، أصبحت البرازيل تحتل المرتبة الثامنة كأكبر اقتصاد على مستوى العالم، واستطاع إخراج أكثر من 20 مليون شخص من تحت خط الفقر وتحسين حالتهم المادية، كما حصلت ريو دي جانيرو على فرصة تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2016م، وهذه ستكون هي المرة الأولى التي ستعقد بها دورة الألعاب الأوليمبية في أمريكا الجنوبية.
وبالرغم من انهيار البورصة البرازيلية عندما فاز دا سيلفا بالرئاسة، وانخفاض سعر الريال البرازيلى مقارنةً مع الدولار، إلا أن دا سيلفا نجح في احتواء رجال الأعمال بالتوازى مع برامج مكافحة الفقر، وقد استعان الرئيس لولا دا سيلفا بمجموعة من المستشارين الأكفاء في المجال الاقتصادى، واعتمد على مجموعة من الشركات الكبيرة التي تنتج السيارات والطائرات، بالإضافة إلى مصانع المنتجات الغذائية مثل اللحوم والدواجن.
وفي ظل المشكلات الأقتصادية التي عاشتها البرازيل من ارتفاع نسبة البطالة والفقر وارتفاع معدلات التضخم اتسعت الفجوة بين طبقات المجتمع الغنية والفقيرة، ولكن لولا دا سيلفا استطاع التغلب على كل هذة المشاكل، وتحقيق العدالة الأجتماعية، وذلك من خلال فرض الضرائب التصاعدية، حيث نجح في توفير ما يقارب 60 مليار دولار خصصها لمساعدة الأسر الفقيرة والقضاء على ظاهرة توارث الفقر.
وبفضل مجهودات الرئيس دا سيلفا أصبحت البرازيل من ضمن قائمة الدول المؤثرة في الخمس عشرة سنة المقبلة، وهناك توقعات بأنه بحلول عام 2040م سيكون اقتصاد البرازيل أكبر من اقتصاد ألمانيا واليابان معًا، نظرًا لمقوماتها الاقتصادية الضخمة في مجالات الزراعة والصناعة والاكتشافات البترولية الجديدة.
وقد نجح الرئيس لولا دا سيلفا في تطبيق برنامج بولسا فاملى، وهو برنامج لتحسين الأوضاع الاجتماعية، حيث حُسِّنَتْ أوضاع 8 ملاين أسرة فقيرة، وذلك بتوفير دخل بحد أدنى 160 دولارًا، ولقد بلغت تكلفة هذا البرنامج أكثر من 80 مليار ريال برازيلى، وتم تمويل هذا البرنامج من خلال الضرائب التصاعدية التي تمثل أكثر من 40 %.
واشترط على كل الأسر المستفيدة من هذا البرنامج أن يواظب أبنائهم على الدراسة، والهدف الأساسى من تطبيق هذا المشروع هو تخفيف وطأة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما قام لولا دا سيلفا بتحديث الجيش البرازيلي، حيث أصبح أكبر جيش في قارة أمريكا الجنوبية ويتكون من 370 ألف عسكري، وطبقت البرازيل نظام التجنيد الإجبارى لمن هم في سن 21 إلى 45 عامًا وذلك خلال مدة تتراوح ما بين 9 إلى 12 شهرًا، اما عن ما يخص المتطوعين في الجيش فهؤلاء تبدء خدمتهم من سن 17 عامًا.
نال لولا دا سيلفا العديد من الجوائز والأوسمة أهمها:
- وسام الاستحقاق البرازيلي.
- وسام الصليب الجنوبي.
- جائزة أمير أسترياس للتعاون الدولي عام 2003م.
- جائزة «فيليكس هوفوية- بوانيى للسلام» من اليونيسكو عام 2008م.
كما أن لولا دا سيلفا هو الشخص الوحيد في أمريكا اللاتينية الذي ورد اسمه في قائمة ال50 الأكثر نفوذًا من زعماء العالم.
أعتقل لولا دا سيلفا في أبريل عام 2018، ونفذ عقوبة بالسجن تجاوزت العام ونصف العام بسبب توجيه المحكمة له تهم فساد، الا إنه بعد سنة ونصف أمر القضاء بإخلاء سبيله في ضوء قرار اتخذته المحكمة العليا البرازيلية أنه لم يعد هناك أي أساس لتنفيذ العقوبة، وفي عام 2012 أيضًا اتخذ قاضي المحكمة العليا البرازيلية قراراَ يقضي بالغاء إدانته بقضية الكسب غير المشروع.