عبد الحفيظ سعد تكتب: الحكومة تفشل فى اختبار «البيضة والكتكوت»
هل نلجأ لحلول غير تقليدية فى مواجهة الإنتاج والأعلاف بعودة عشش الفراخ والبيوت المنتجة؟
هذه الأرقام تكشف عن أهمية إنتاج البيض فى غذاء المصريين، ليس لأهميته الصحية فقط بل لأنه يعد الوجبة الأرخص فى توفير البروتين الرخيص فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، يضاف إليه أنالبيض يدخل فى غالبية ما تصنعه سيدات البيوت من وجبات وحلويات، مما يعنى أنه لا غنى عنه فى تدبير احتياجات الناس، لا ينافسه فى ذلك سوى رغيف العيش، لدرجة أن اسمه صار معروفا باسم «بيض المائدة».
من هنا تتصاعد أهمية القضية التى شغلت اهتمامات الناس وجيوبهم على مدار الأيام الماضية فى ظل ارتفاع كبير فى أسعار البيض ووصل سعر البيضة الواحدة إلى أكثر من ثلاثة جنيهات، فى ظل ارتفاع كبير فى سعرها وصل إلى ما يقرب الضعف مقارنة بالأسعار فى العام الماضى، مما يعنى أن هناك أزمة كبيرة.
وزاد من التخوف من الأزمة، ما انتشر من فيديوهات عن قيام عدد من مزارع تفريخ الكتاكيت بإعدام أعداد كبيرة من إنتاجهم، نتيجة لارتفاع أسعار العلف بصورة دفعتهم لإعدام الكتاكيت الصغيرة، وهو ما يعنى باختصار أننا سوف نواجه أزمة كبيرة سواء فى البيض أو الدجاج فى الفترة المقبلة، ربما تدفعنا لطرق باب الاستيراد مرة أخرى بعد أن توقفت مصر عن استيراد البيض بعد تحقيق الاكتفاء الذاتى منه خلال السنوات الأخيرة.
وبغض النظر عن الأسباب التى تتعلق بأسعار الأعلاف، نتيجة قلة الإنتاج المحلى منها، أو توفير الدولار لاستيراد مكوناته من الخارج سواء ذرة أو فول صويا، لكن تعد قضية إنتاج البيض أمنا غذائيا، يتهدد أمام عيوننا، والأمر لا يتعلق بإنتاج البيض فقط، بل يرتبط بإنتاج الدواجن والذى يوفر القطاع التجارى من الدواجن فى ١.٤ مليار طائر، بينما ينتج القطاع الريفى حوالى ٣٢٠ مليون دجاجة.
ومن هنا يأتى الانزعاج فى قضية «البيضة والكتكوت»، فى ظل عجز حكومى عن مواجهة الأزمة التى تعد من اختصاص وزارتى التموين والزراعة، فالأخيرة ممثلة فى سيد القصير والتى تختص فى الإشراف على عملية الإنتاج وتوفير الأعلاف والدعم البيطرى لمنتجى، بينما تتولى وزارة التموين بقيادة على مصيلحى محاولة توفير تلك السلعة الضرورية لحياة الناس وأمنهم الغذائى.
فى الحقيقة ترتبط أزمة الأعلاف، بالأزمة العالمية والتى أدت لارتفاع كبير فى أسعارها فى العالم نتيجة الحرب الأوكرانية- الروسية، باعتبار أن الدولتين من أهم منتجى الأعلاف والحبوب المستخدمة فى إنتاجها عالميا، لكن يضاف للأزمة بعد آخر يتمثل فى عدم توافر الدولار لعملية استيراد العلف، وهو ما تحدث عنه عدة وقائع بوجود أطنان من الذرة والفول الصويا فى الموانئ تنتظر دفع فواتير استيرادها وتسييل خطابات الاعتماد بالعملة الأجنبية، التى نعانى أزمة فى توافرها، مما يزيد من حجم مشكلة توفير الأعلاف لعدم قدرة الإنتاج المحلى على تغطية السوق، مما يتبعه ارتفاع تكلفة إنتاج أعلاف الدواجن التى تمثل الذرة الصفراء وفول الصويا، والردة، المكون الرئيسى، وتحتاج مصر قيمة واردات منها تتخطى حاجز ثلاثة مليارات دولار سنويا.
وفى دراسة لمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى، أنه يوجد بمصر ١٢.٤٨٠ مليون وحدة حيوانية وتقدر جملة احتياجاتها من الأعلاف بحوالى ٤١.٦ مليون طن من الأعلاف الخضراء، وحوالى ١٠ ملايين طن من الاتبان، وسبعة عشر مليون طن من الأعلاف المركزة، بينما يقدر المتاح للاستهلاك من الأعلاف بحوالى ٦٥ مليون طن من الأعلاف الخضراء، وتسعة ونصف مليون طن من الاتبان وستة ملايين طن من الأعلاف المركزة.
ونجد فى الأرقام أن غالبية إنتاج الأعلاف فى مصر يعتمد على الاستيراد الذى يصل حجمه إلى ١٦ ألف طن من الذرة والصويا، وهما المادتان الرئيسيتان فى إنتاج الأعلاف للدواجن.
وفى ظل تصاعد الأزمة، تبرز هنا قضية عملية إنتاج الأعلاف فى مصر بصورة كبيرة فى ظل عدم وجود مواد إنتاجها محليًا ليغطى متطلبات تلك الصناعة الاستراتيجية.
وتبدو الحلول التقليدية صعبة فى تلك الفترة، ومن هنا تظهر الحلول غير التقليدية، والتى هى فى الحقيقة كانت السند الرئيسى فى صناعة الدواجن، وهى التربية المنزلية التى تناقصت بصورة كبيرة على مدار السنوات الماضية، نتيجة أزمة أنفلونزا الطيور عقب تفجرها فى ٢٠٠٥، ودفعت الهيئات الصحية لإعدام طيور المنازل ومنع تربيتها، وهو مشهد يذكرنا بما يحدث من إعدام «الكتاكيت» الآن.
ونتيجة لذلك اختفت المزارع المنزلية التى كانت توفر البيض وجزءًا من اللحوم البيضاء لملايين الأسر وكانت تلك الصناعة المنزلية، تساهم بشكل كبير فى توفير الإنتاج ليس فقط من المنتج، بل أيضا تكلفة الصناعة متمثلة فى عملية تدوير مخلفات الطعام باستخدامها فى تغذية الدواجن المنزلية، وهو ما يعنى إنتاجًا شبه مجانى، يتم فيه الاستفادة من بواقى الطعام ومنتجات المنزل فى عملية إنتاج طيور وبيض، يمتاز بمواصفات صحية (أورجنيك) لأن الأعلاف المستخدمة فيه آمنة وتوفر إنتاجًا صحيًا من البيض والدجاج البلدى، لأنها تعتمد على أعلاف منزلية يتم فيه التخلص ذاتيا من النفايات، بعملية إنتاج بسيطة منزلى.
ولحجم عملية إعادة تدوير بواقى الطعام المنزلى، كانت هناك دراسة جدوى، تقدم بها أحد المستثمرين فى النفايات لمحافظة القاهرة، تشير إلى أنه لو تم استغلال النفايات المنزلية، سوف ينتج عنها ما يزيد على ثمانية مليارات جنيه، وفقا لأسعار ٢٠١٢، يشكل منه إعادة استغلال بواقى الطعام فى إنتاج أعلاف الدواجن النصف. هذه الأرقام تتحدث عن محافظة القاهرة فقط، والتى تكفى لإنتاج ملايين الأطنان من الأعلاف المجانية دون حاجة لاستيراد يكلف ملايين الدولارات، ويتوقع أن يتضاعف الرقم لو تم استغلال النفايات فى باقى محافظات الجمهورية خاصة فى الحضر.
ولذلك تعد عملية إعادة فكرة الإنتاج المنزلى للدواجن، من الأمور الضرورية الآن، للعمل على مشكلة توافر الأعلاف، لما لها من قيمة إنتاجية، وكذلك نيئة فى عملية إعادة تدوير بواقى الطعام.
وربما يعترض ذلك عدة مشكلات تتعلق بالصحة العامة وانتشار الفيروسات المرتبطة بالطيور، لكن الأمر يحتاج إلى حلول خلاقة وخارج الصندوق التقليدى، فى محاولة للبحث عن حلول للمشكلات الصحية، وربما حضارية فى توفير أماكن فى البيوت خاصة الشعبية، وربما تجهيز المنزل بأماكن تتيح لمن يرغب تربية الدواجن، دون مشاكل صحية، وهو أمر يعود بفائدة مزدوجة سواء فى استغلال بواقى الطعام وعدم التخلص منها كنفايات، تؤثر سلبيا على البيئة، بل يعاد تدويرها داخل المنزل كعلف مجانى للطيور، وهو ما يوفر ملايين الدولات فى عملية استيراد الأعلاف والتى يبدو أنها لن تنتهى بحلول سريعة وسط الأزمة العالمية فى الغذاء يضاف لذلك أن الإنتاج من المزارع المنزلية يعد صحيا، نتباكى على افتقاده الآن، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يعين فى ظل ارتباك وفشل فى الحكومة فى اختبار «البيضة والكتكوت»، وحصول وزيرى التموين على مصيلحى وزميله وزير الزراعة السيد القصير على صفر فى التعامل مع أزمة تخص الغذاء اليومى الضرورى للمصريين، فهل يكون العودة للاعتماد الذاتى للست المصرية هو الحل فى إعادة البيت المنتج، فى ظل أزمة غذاء عالمية نحتاج فيها لحلول غير تقليدية ومنتجة؟