د. نصار عبدالله يكتب: هل سيتحمل المصريون؟
على ألسنة المسئولين وصناع القرار عبارة واحدة تتكرر فى كل مناسبة، ألا وهى أن المصريين مطالبون بالمزيد من التحمل فى الفترة القادمة، رغم أن ما تحمله المصريون وما عانوه فعلا فى السنوات الماضية لم يكن بالقليل. وعندما نتكلم عن معاناة المصريين فإننا نقصد بوجه خاص أصحاب الدخول الثابتة من الموظفين وأرباب المعاشات وأشباههم ممن لا يستطيعون تحريك دخولهم بنفس النسبة التى ترتفع بها الأسعار، وهو ما يعنى أنهم يضطرون فى كل شهر بل عبارة يوم إلى اقتطاع جزء من احتياجاتهم الأساسية، أما أصحاب الدخول الحرة خاصة الأثرياء منهم فإنهم لا يواجهون نفس المشكلة، أو على الأقل لا يواجهونها بنفس القدر، بل على العكس ربما استفادوا منها برفع أسعارهم وأجورهم بنسبة تفوق معدل التضخم!..ونعود الآن إلى أصحاب الدخول الثابتة من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة لنتساءل: هل بإمكانهم أن يتحملوا المزيدمن المعاناة كما يطالبهم المسئولون فى كل مناسبة أم أنهم سينفجرون كما انفجروا من قبل مرتين: واحدة فى يناير عام ١٩٧٧ وأخرى يناير ٢٠١١؟. الجواب على ذلك أنهم قد جربوا نتائج الانفجار فى أعقاب ما سمى بالربيع العربى وكانت النتائج هى المزيد من المعاناة إلى الحد الذى جعلهم يتيقنون من أن أسموه ربيعا لم يكن ربيعا على الاطلاق بل كان خريفا زاد فيه ذبول الأوراق الذابلة وتساقطها واحدة إثر الأخرى من على غصون الأشجار، وقدعبر الشاعر المصرى المبدع محمد سليمان عن هذه الحقيقة فى إحدى قصائده البديعة والموجعة التى نقتبس منها: قالت له المرايا: «الربيع لم يكن ربيعا....يجدد الهواء فى رئاتنا.. ويسعف المرضى...الربيع خاننا...وبعثر الحروب فى كلامنا ودورنا...وأطلق الفوضى.. قالت له المرايا: «فقال لم يجيء فى موعده..ليطلق الزهور من سجونها..الربيع لم يكن أمينا..أو صاحبا لصاحبه... قالت له المدينة:..يقال فى الشتا،أتى! مشوها مياهنا.. نهاره الكئيب أفحم الطيور.. واطلق الوحوش من عقالها.. ودس فى بيوتنا جبهتهُ...فحارب الصبى أمهُ..والبنت ظلها..واقتتلت فى دورنا الشاشاتُ، والحمام حارب اليمام فجأة وخانهُ.. قالت له الحقول والأشجار..فقال: ظل مات..فتاه عطره ونوره...وهاجرت طيوره!!!.. وفى قصيدة سليمان تجسيد مكثف لما حسبناه ربيعا حقيقيا فرحنا نحلم بما سيأتينا به الربيع، فإذا به يأتى بكل النقائض المرعبة التى لم تكن تخطر لنا حتى فى أشد كوابيسنا قتامة.. فإذا عدنا بعد ذلك إلى السؤال المطروح: هل سيتحمل المصريون مزيدا من المعاناة ؟، فإن الجواب للأسف الشديد هو:إما مزيدا من المعاناة، أو أن نتحمل ما هو أشد وأعتى من مزيد من المعاناة. وبعبارة أخرى لقد وقعنا فى مصيدة ذات مخالب، فإذا ما قدر لنا أن نخرج منها، فسوف نسقط فى مصيدة أخرى ذات مخالب أشد...هل يعنى هذا أن الصورة قاتمة تماما أم أن هناك أملا ما فى حياة أفضل خلال الفترة القريبة القادمة، والجواب هناك دائما أمل..على سبيل المثال: أن يكتشف فجأة حقل كبير للغاز يعادل أو يفوق كل ما اكتشف حتى الآن ومثل هذا الأمل ليس شطحة وردية من شطحات الخيال، ولكنه فى ظل التركيب الجيولوجى لمصر احتمال وارد الحدوث فى أى وقت من الأوقات، فإذا ما حدث هذا فسوف تنفرج الأحوال، وسوف يشعر كل مواطن تقريبا بآثار هذا الإنفراج..قد يقول قائل: حتى لو حدث مثل هذا الاكتشاف فسوف تنقضى فترة طويلة قبل أن يبدأ الإنتاج وقبل أن تنعكس آثار زيادة موارد الدولة على المواطنين، والجواب هو أن هذا القول ليس صحيحا تماما،ذلك أن الإعلان عن الإكتشاف..مجرد الإعلان سوف يؤدى تلقائيا إلى تحسن سعر الجنيه المصرى بالنسبة للدولار وهو ما سينعكس على فاتورة الواردات التى سوف تقل بمقدار تحسن سعر الصرف، فضلا عن ذلك فإن مجرد إعلان الاكتشاف سوف يؤدى إلى زيادة ثقة المؤسسات والدول المقرضة فى قدرة الاقتصاد المصرى على السداد، وهو ما سوف يؤدى إلى زيادة التدفقات المالية إلى داخل مصر. هذا مجرد مثال من الأمثلة التى يمكن أن ندلل بها على أن الأمل يظل واردا حتى لو بدا أن كل الحلقات مقفلة، ومع هذا فإن الأمل الحقيقى الأكثر أهمية وليس مجرد الحلم المأمول فى اكتشاف منجم هنا، أو حقل للغاز أوالنفط هناك، هذا الأمل الحقيقى الأكثر أهمية هو رأس المال البشرى المصرى الذى يتمثل أولا فى تحويلات المصريين من الخارج والذى ينبغى على الدولة أن تكفل له كافة التسهيلات والإعفاءات، والذى يتمثل ثانيا فى نوابغ المصريين الذى حققوا مكانة متميزة فى الخارج على سبيل المثال: مجدى يعقوب..أحمد زويل...مصطفى السيد..هانى عازر، وأن يوجه إليهم نداء لأن يقوم كل منهم بمشروع رائد فى وطنه مصر على أن تجند له كل إمكانات الدولة دون خضوع للإجراءات البيروقراطية الكفيلة بعرقلة أى إنجاز مهما كان متميزا، وحبذا لو منح كل منهم سلطات رئيس الجمهورية فى حدود مشروعه الخاص بحيث لا يحتاج إذا لزم الأمر إلى قرار من أية سلطة تنفيذية مهما علت، سوف يقول قائل إنها مخاطرة غير مضمونة النتائج، ذلك أن النجاح الذى حققوه فى الدول التى نجحوا فيها كان محاطا ببيئة حاضنة للتقدم ومشجعة عليه، وهو قول وإن كان يشتمل على جانب من الحقيقة إلا أنه لا يشتمل على الحقيقة الكاملة، والدليل على ذلك هو نجاح مستشفى مجدى يعقوب فى أسوان، وهو ما يدفعنا إلى تكرار التجربة فى محافظة أخرى؟.