د. نصار عبدالله يكتب: شرطة الأخلاق..قمة اللاأخلاق!
شرطة الأخلاق.. هى هيئة تأسست فى إيران عام ٢٠٠٥ لضمان الالتزام بالأخلاق الإسلامية، وربما تبادر إلى أذهان البعض أن المقصود بالأخلاق هو كل ما يتعلق بالفضائل الأخلاقية كما نعرفها، لكن الواقع يقول بأن المقصود عندهم هو شىء واحد فقط: ألا وهو الملابس، وبوجه خاص ملابس النساء!، (وكأن الأخلاق لا تتعلق إلا بأزياء النساء دون أى شىء آخر!!)، ولما كانت سائر النساء الإيرانيات يفرض عليهن ارتداء الشادور الذى هو أشبه ما يكون بخيمة أو كيس أسود فضفاض يغطى جسد المرأة بالكامل حتى أخمص القدمين، فإن الممارسة العملية لتلك الهيئة لا تنصب على مراقبة ارتداء الشادور الذى هو متحقق بالفعل فى كل النساء، ولكنها تقتصر بوجه خاص على مراقبة ارتداء المرأة لغطاء الشعر أو بعبارة أخرى مواصفات الحجاب الذى ترتديه وطريقة ارتدائها إياه،. وطبقا للنظام الذى يحكم عمل الهيئة، فإن المرأة التى ترتدى الحجاب بطريقة غير شرعية كأن تسمح مثلا لخصلة من الشعر أن تبرز من الحجاب، مثل هذه المرأة يتعين القبض عليها فورا واقتيادها إلى مركز للإرشاد الشرعى حيث تخضع لدورة توعية قصيرة يتم فيها تدريبها على الطريقة الصحيحة لارتداء الحجاب، وبعد ذلك لا يتم إطلاق سراحها إلا بعد حضور واحد من أقاربها الذكور من أولى أمرها يتعهد بألا تعود إلى المخالفة مرة أخرى...ورغم أن النظام الأساس لشرطة الأخلاق لا يسمح لتلك الشرطة بأن تستخدم العنف المادى أو المعنوى ضدالنساء أثناء (الإرشاد)، إلا أن الممارسة العملية قد برهنت فى أكثر من حالة أن هناك الكثيرين من بين عناصر تلك الشرطة ممن يسيئون استخدام الصلاحيات المخولة لهم إلى أقصى حد يمكن تصوره، وأحيانا إلى حدود لا يمكن تصورها من الإهانة والسب والضرب، وهو ما أدى فى الأسبوع الماضى إلى وفاة فتاة إيرانية تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما هى مهسا أمينى التى قبض عليها وهى ترتدى حجابا غير مطابق تماما للمواصفات حيث تعرضت للضرب العنيف بهراوة على رأسها أثناء ( الإرشاد) مما أدى إلى انهيارها ودخولها فى غيبوبة دامت ثلاثة أيام قبل أن تفارق الحياة، وفى أعقاب ذلك انطلقت المظاهرات الغاضبة التى شارك فيها الرجال والنساء على حد سواء، وقامت المتظاهرات بخلع أحجبتهن وإحراقها أثناء هتافهن ضد ما قامت وما تقوم به شرطة الأخلاق من ممارسات تهدر أبسط مبادئ الحياةالإنسانية الكريمة التى هى الجوهر الحقيقى لأية منظومة أخلاقية، وقد تصدت القوات الأمنية لتلك المظاهرات بالذخيرة الحية مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، فأضافت بذلك إلى فاجعة مهسا أمينى فواجع أخرى لعائلات أخرى تضاف إلى البشاعات العديدة للنظام الإيرانى الذى يمثل قمة التطرف الشيعى، والذى لم يكتف بإطلاق النار على المتظاهرين بل قام بتدبير وتحريك مظاهرات مضادة تدافع عن الإسلام والحجاب الشرعى (وكأن الإسلام هو الحجاب)... وهنا أتوقف لأقول إن التطرف الشيعى الذى اختزل الأخلاق الإسلامية بل العقيدة الإسلامية بأسرها إلى مجرد حجاب ليس هو الوجه الوحيد للإسلام المتطرف، ففى مقابل هذا النوع من التطرف هناك التطرف السنى الذى يتمثل فى حركات عديدة من أبرزها حركة طالبان التى حظرت على النساء فى مرحلة معينة من مراحل حكمها لأفغانستان، حظرت عليهن حقهن فى التعليم وفى الخروج من المنازل أصلا قبل أن تؤدى الضغوط الدولية إلى التساهل نسبيا فى هذه المسألة، وإذا كان المتطرفون الشيعة فى إيران قد اختزلوا الإسلام إلى حجاب، فإن متطرفى طالبان فى أفعانستان قد اختزلوا الإسلام إلى لحية حيث تقوم الشرطة بالقبض على كل رجل لا يطيل لحيته إلى الطول الشرعى، ثم يظل حبيس السجن إلى أن تبلغ لحيته الطول المطلوب وبعد ذلك يتم إطلاق سراحه، ولا أدرى هل هو من سبيل المبالغة والتشنيع أم أنه من قبيل الواقع ما تردد من أن الطول الشرعى هو ما يعادل بنورة لمبة جاز نمرة (٥)،.. أيا ما كان الأمر فإن التطرف هو التطرف شيعيا كان أم سنيا، إيرانيا كان أم أفغانيا، أم كان فى أية صورة أخرى أخرى غير هاتين الصورتين،. وإذا كان المتطرفون يرون أنهم الممثلون للإسلام: كل من وجهة نظره، فإنهم فى حقيقة الأمر وصمة فى جبين الإسلام المضىء بكل مافيه من سماحة ويسر واعتدال، وتظل شرطة الأخلاق الإيرانية وكل شرطة أخرى تتزين زورا بزين الدين، تظل قمة من قمم اللا أخلاق.