عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنيسة: مرقس سميكة باشا هو مؤسس المتحف القبطي
احتفل الأقباط مؤخرًا بذكرى مرقس باشا سميكة مؤسس المتحف القبطي، وعنه قال المؤرخ الكنسي ماجد كامل، عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنسي، في دراسة له إنه يمثل العالم القبطي الكبير مرقس باشا سميكة أهمية كبيرة في تاريخ الدراسات القبطية في مصر؛ فهو يعتبر أول من فكر – من المصريين - في إنشاء متحف قبطي يجمع فيه كل التحف والآثار القبطية في مكان واحد.
أما عن مرقس سميكة نفسه؛ فيذكر عنه المؤرخ الأمريكي الكبير دونالد مالكوم ريد أستاذ التاريخ الحديث بجامعة جورجيا؛ في كتابه البالغ الروعة " فراعنة من؟ " والذي قام بترجمته إلي اللغة العربية المؤرخ الكبير الراحل الدكتور رؤوف عباس 1939- 2008 .
أن مرقس سميكة نشأ في بيت جده لأمه؛ من عائلة ثرية؛ ولقد ولدت أمه بدمشق ؛ومن ناحية الأب تبرع أجداده ببعض المخطوطات والاشياء الثمينة الأخري للكنيسة المعلقة. ويذكر مرقس سميكة باشا في مذكراته أنه تلقي تعليمه في مدرسة الأقباط الكبري؛ وفيها تعلم اللغات العربية والقبطية واليونانية ؛ثم توجه بعدها إلى مدارس الفرير لدراسة اللغة الفرنسية؛ ولقد أتيحت لسميكة فرصة التعمق في دراسة اللغة القبطية من خلال مدرسة الأقباط الكبري. مما زاد من عشقه للآثار القبطية كما سوف نري فيما بعد.
ومع دخول الإحتلال البريطاني إلي أرض مصر؛ عمل مرقس سميكة سكرتيرا لسيدة إنجليزية كانت تدير مستشفي تطوعي لعلاج الجرحي البريطانيين؛ وفي عام 1883 بدأ حياته العملية كاتبا بمصلحة السكة الحديد.ولقد عشق الآثار القبطية منذ فجر شبابه وهو يروي في مذكراته أن سبب عشقه للآثار القبطية يرجع إلي شدة قراءاته لكتابات المؤرخ الانجليزي الكبير ألفريد بتلر. وكتابات عالم العمارة القبطية سومرز كلارك
ويذكر المؤرخ الامريكي دونالد مالكوم ريد أن الشقيق الاكبر لمرقس سميكة ساعد بتلر في كتابه؛ كذلك قام سميكة بالتعرف علي سومرز كلارك أثناء كتابة كتابه عن الآثار القبطية في وادي النيل. ولقد نبه سميكة كلارك إلي ظاهرة أزعجته وقتها؛ وهي أن أعيان الأقباط يستبدلون الكنائس القديمة بالطراز اليوناني الحديث المغطي بالرخام الإيطالي.
وفي خلال عام 1891 رافق سميكة باشا رئيس لجنة حفظ الآثار العربية في ذلك الوقت لزيارة كنائس القاهرة؛ وحثه علي ضرورة وضع تلك الكنائس تحت رعاية " لجنة حفظ آثار الفن العربي " ولقد جاءت اللحظة الفارقة في حياة مرقس سميكة باشا عندما عين عضوا في لجنة حفظ الآثار التي أسسها توفيق باشا عام 1881؛ وكان ذلك بين عامي 1905 و1906.
ويذكر سميكة باشا في مذكراته أنه زار البابا كيرلس الخامس 1831- 1927 بابا الكنيسة القبطية رقم 112 ؛ذات يوم من أيام شتاء عام 1908؛ فوجده يشرف بنفسه علي صهر الأنية الفضية القديمة التي تملكها الكنيسة لإعادة تشغيلها ؛وكانت جميعها تحمل نقوشا قبطية وعربية تعود للقرن الرابع عشر والخامس عشر. فعرض سميكة علي البابا أن يدفع مبلغ 180 جنيها هي قيمة الفضة بعد الصهر علي أن يتم الحفاظ علي تلك الأنية الفضية في مخزن كخطوة أولي نحو إقامة متحف؛ فوافق البطريرك؛ وكانت هذه هي النواة الأولي لتأسيس المتحف القبطي.
وفي نفس العام 1908 ومن أجل تفعيل تلك الفكرة؛ طاف سميكة بالكنائس والأديرة من " رشيد إلي الخرطوم "من أجل جمع كل ما يتعلق بالآثار القبطية ؛وأنهالت التبرعات التي أقيم بها المتحف من العلمانيين الاقباط؛ وبعض رجال الدين؛ والأمير حسين كامل السلطان فيما بعد وزملاء سميكة من أعضاء مجلس شوري القوانين؛ وقدمت الحكومة إعانة سنوية قدرها 200 جنيه؛ زيدت إلي 300 جنيها عام 1918 ؛و1000 جنيها عام 1925؛ و1500 جنيها عام 1930.
ولم يجد سميكة مكان أفضل لإقامة المتحف القبطي من ذلك الموقع التاريخي الذي أقيم فيه بجوار كنيسة المعلقة. وكنيسة أيو سرجة. وتم افتتاح المتحف رسميا في 14 مارس 1910؛ وفي نفس العام ألقي الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت خطابا في الجامعة المصرية؛ فعبر أعيان الأقباط علي شكرهم للرئيس الأمريكي وطلبوا منه زيارة المتحف القبطي؛ وأقترح قليني فهمي إهداء أهم مخطوط قبطي لروزفلت؛ ولكن سميكة باشا رفض الاقتراح بشدة.
ويذكر الدكتور مينا بديع عبد الملك؛ أنه من ضمن جهوده في حفظ الآثار القبطية أيضا؛ أنه أقترح علي قداسة البابا يؤانس التاسع عشر 1929- 1942 بابا اللكنيسة رقم 113؛ بتنظيم مكتبات الأديرة؛ وعمل فهارس لمحتوياتها وحفظها في دواليب خاصة بها. فوافق قداسة البابا علي الاقتراح؛ وكلف يسي عبد المسيح 1898- 1959 بالقيام بهذه المهمة فقام بها خير قيام؛ ووضع سجلا وافيا لكل مكتبة من مكتبات الأديرة القبطية..
وعلي المستوي الوطني؛ يذكر الدكتور مينا عبد الملك إنه عمل عضوا بمجلس شوري القوانين 1906- 1913 ؛ والجمعية التشريعية 1914
ومجلس المعارف الأعلي والجمعية الجغرافية الملكية ومجلس أعلي دار الآثار العربية ولجنة حفظ الآثار العربية وعضو مجلس الأثريين في لندن وعضو مجلس إدارة جمعية الآثار القبطية "
كما كان عضوا في المجلس الملي في دورته الثالثة عام 1892؛ ودورته الرابعة عام 1906
أما عن جهوده في تأليف الكتب ؛فيذكر الدكتور مينا بديع عبد الملك أنه وضع العديد من المؤلفات الهامة ؛نذكر منها:-
1- دليل المتحف القبطي والكنائس الأثرية في مجلدين باللغتين العربية والإنجليزية
2- وضع فهارس المخطوطات القبطية والعربية الموجودة بالمتحف القبطي والدار البطريركية والكنائس والأديرة ؛وذلك بالتعاون مع عالم القبطيات الكبير الأستاذ يسي عبد المسيح. ولقد صدر الجزء الأول منها عام 1939.
أما عن كتاب دليل المتحف القبطي وأهم الكنائس والاديرة الاثرية؛ فلد صدر في طبعته الاولي عام 1930 ؛وهو يتكون من 231 صفحة مزودا بالصور والوثائق التي تشرح كل قطعة من محتويات المتحف القبطي والكنائس الموجودة هناك. أما عن محتويات الكتاب فهي:-
كلمة افتتاحية.
+- المقدمة.
+ - الحصن الروماني.
+- المتحف.
الطابق الارضي
+-القسم الأول – المكتبة.
+- القسم الثاني – الأحجار – الابواب والأثاث – الايقونات.
الطابق الأول
+- القسم الثالث:- المعادن.
+- القسم الرابع:- الأقمشة.
+- القسم الخامس – الخزف والزجاح.
+- القسم السادس:- الأخشاب.
+- كنيسة المعلقة.
+- كنيسة أبي سرجة.
+- كنيسة الست بربارة.
+- كنيسة مارجرجس وقاعة العرسان.
+- كنيسة قصرية الريحان.
+- دير مارجرجس للراهبات.
ولقد كتب مرقس باشا كلمة في الافتتاحية نقتطف منها بعض الفقرات:-
" كتبنا كلمة موجزة عن الآثار القبطية ؛بناء علي طلب وزارة المعرف العمومية؛ نشرت بتقويم المطبعة الأميرية سنة 1930. ونعيد نشرها هنا اجابة لرغبة الكثيرين.وقد انتهزنا الفرصة وأضفنا إليها دليلا مختصرا للمتحف القبطي وبعض صور تمثل مبانيه..... ولئن كان قد صادفنا بعض النجاح فالفضل في ذلك يرجع لحضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول، والمغفور له السلطان حسين كامل؛ وصاحبا السمو الأميران الجليلان عمر طوسون ويوسف كمال؛ وأسرتا بطرس باشا غالي وويصا واصف والمتنيح البابا كيرلس الخامس البطريرك السابق الذي لولا رعايته ما برز هذا المتحف إلي عالم الوجود؛ والبطريرك الحالي الانبا يؤانس التاسع عشر ؛والانبا بطرس مطران سوهاج وأخميم الذي أهدي المتحف مجموعة آثار نفيسة.
ولقد اشترك معنا حضرة زكي افندي تاوضروس؛ الذي زار الأديرة منذ زمن قريب ووضع عنها وصفا ممتعا بالاتحاد مع زميله لبيب افندي حبشي ؛في وضع دليل موجز يسهل زيارة هذه الأديرة لمن يريد.
كما وضع حضرة جرجس افندي فيلوثاؤس عوض اجابة لطلبنا بيانا بأسماء الكنائس والأديرة التي كانت قائمة بالديار المصرية في القرن الثاني عشر في نسخة خطية مؤرخة بتاريخ 1209 م من كتاب الشيخ المؤتمن أبو المكارم عن كنائس وأديرة مصر.
وأشكر كذلك موظفي المتحف الذين قاموا بواجبهم بكل اخلاص وعلي الأخص يسي افندي عبد المسيح الذي ساعدنا بكل همة ونشاط في جمع كثير من المعلومات. وأيضا المسيو لاكو والمسيو فييت وموظفي لجنة الآثار حفظ الآثار العربية ودار الآثار العربية....... الخ.
أما كتاب "فهارس المخطوطات القبطية والعربية الموجودة بالمتحف القبطي والكنائس الأثرية؛ فلقد صدر الجزء الأول منها عام 1939 ؛ولقد كتب مرقس سميكة باشا في مقدمة الكتاب ما يلي " من حسنات الملك فؤاد التي سيذكرها له التاريخ اهتمامه بتنظيم مكتبة كبيرة بقصر عابدين حافلة بألوف الأسفار الجليلة قديمها وحديثها ؛وأهم أقسامها القسم الخاص بتاريخ مصر الحديث الذي يبتديء من ولاية جده الأعلي الكبير محمد علي الكبير؛ وهذا القسم عامر بوثائق هذا التاريخ وبالمؤلفات التي وضعها علماء هذا العصر بأمره وعلي نفقته الخاصة.
وتفضل جلالته بزيارة المتحف القبطي عام 1920 ونفحه بهبة مالية سنية ؛وتذكارا لهذه الزيارة الكريمة وعملا بإشارته أنشئت في المتحف مكتبة تضم الآن ما يقرب من 4000 مجلدا بينها عدد كبير من الرقوق وورق البردي والمخطوطات القبطية الثمينة. وقد ورث حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول حب الآثار والفنون الجميلة. فشرف المتحف القبطي بزيارته الميمونة في 10 يونية 1935 وبرقته حضرتا صاحبة السمو الملكي الاميرة فوزية والأميرة فايزة "
والجدير بالذكر أن مرقس باشا سميكة كان يجيد اللغات الإنجليزية – الفرنسية – الإيطالية – القبطية
والجدير بالذكر أيضا أن المرحوم مرقس سميكة باشا كان قد رشح عضوا بجمعية عرفت بأسم "جمعية حفظ الآثار القبطية والتاريخ " وتفصيل ذلك أنه بطرس باشا غالي 1846- 1910 أوعز إلي جمعية التوفيق القبطية بتاليف جمعية عرفت بأسم "جمعية حفظ الآثار القبطية والتاريخ " ووضعت علي رأس الجمعية البابا كيرلس الخامس؛ وكان الأعضاء المقترحون لعضوية هذه الجمعية هم السادة "مرقس سميكة – عطية وهبي - إسكندر قزمان – توفيق إسكاروس – كامل شحاتة – وهبي شحاتة – جبران روفائيل – أرمانيوس حنا – القمص بطرس عبد الملك- القمص يوحنا شنودة – يوسف منقريوس – إقلاديوس لبيب – حبيب جرجس " ولكنها للاسف الشديد لم تنعقد إلا مرة واحدة في شهر يونية 1908؛ ثم انحلت بعدها
ولقد قامت الجكومة البريطانية بتكريمه؛ إذ انعمت عليه بنيشان الإمبراطورية ؛حيث دعاه المستر بيترسون إلي دار المندوب السامي؛ وقلده النيشان: وخاطبه بعبارة رقيقة قال فيها:- "إن جلالة الملك تفضل فأنعم علي سعادتكم بهذا الوسام جزاء الخدمات الجليلة التي أديتموها مدة سنين طويلة للمتحف القبطي الذي أنشاتموه
ولقد كان مرقس باشا سميكة عضوا مؤسسا في جمعية التوفيق القبطية - عضوا مؤسسا في جمعية الآثار القبطية.
وفي خلال عضويته بالجمعية التشريعية ؛طلب ان تكون "مدارس معلمات الكتاتيب " للمصريات كلهن دون فرق في الدين؛ كما دعا إلي إنشاء كلية لبنات الأقباط؛ وبذل مجهودات كبيرة للحصول علي أرض الكلية وإيجاد وقفيات للصرف عليها ؛كما شارك في تاسيس لجنة مستشفي كشتنر.
كما يذكر المرحوم الارشيداكون القديس حبيب جرجس 1879- 1951 في موسوعته الرائدة " المدرسة الإكليركية بين الماضي والحاضر " أن مرقس سميكة بذل جهودا كثيرة من أجل تعليم الدين المسيحي بالمدارس الاميرية؛ وكان ذلك عام 1908
وتبقي في النهاية كلمة أخيرة عن مذكرات مرقس باشا سميكة؛ فأول من أشار إليها هو المؤرخ الأمريكي دونالد مالكوم ريد في كتابه عن " فراعنة من ؟ ". وفي خلال عام 2010 قام حفيد مرقس سميكة الدكتور سمير سميكة أٍستاذ أمراض النساء والتوليد؛ بنشر مذكرات جده عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ حيث وجد فيها كافة البيانات والمعلومات عن المتحف القبطي والتاريخ والثقافة القبطية في مصر؛ مضيفا أنه يعد أحد الم العلمية القبطية التي سوف تثري المكتبة " ولقد أقيم علي هامش صدور الكتاب معرض للفن القبطي بعنوان " مستلهمة من الفن القبطي " للفنان الدكتور جمال لمعي أستاذ الفنون بالجامعة الأمريكية؛ وعضو مجلس إدارة المتحف القبطي.
ولقد حضر المعرض عددا كبيرا من المهتمين بالفن والتاريخ القبطي نذكر منهم: محمود اباظة رئيس حزب الوفد السابق؛ والدكتور أمين مكرم عبيد زميل الجراحين الملكية الامريكية وحفيد نجيب محفوظ باشا مؤسس أمراض النساء والولادة في مصر.