د. محمود جلال يكتب: الابتكار في جمهورية التشيك من منظور مؤشر الابتكار العالمي (ج3)
التمويل الحكومي للبحوث والتطوير والابتكار:
تقوم حكومة جمهورية التشيك بتقديم التمويل للبحوث والتطوير والابتكار في صورة الدعم المؤسسي اللازم لتطوير مؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية الخاضعة للوزارات المختلفة، حيث يعمل هذا التمويل على دعم البنية التحتية وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ البحوث الأساسية والتطوير وتخفيف العبء عن الباحثين.
وكذلك تقديمه في صورة دعم محدد الغرض يتم توجيهه إلى الصناعة، والعلوم الطبية والاجتماعية والإنسانية والحيوية، في إطار برامج لمشاريع منح محددة تكون متاحة للباحثين من المراكز البحثية والشركات والكيانات الأخرى، من أجل تطوير أنشطة بحثية تساهم في تحقيق الأهداف المحددة للاستراتيجيات المشتركة بين الوزارات، وتحسين البيئة النظامية وأداء المؤسسات البحثية، وتنفيذ السياسة الوطنية للبحوث والتطوير والابتكار.
ويمكن تقسيم هذه البرامج إلى برامج وزارية مثل: الصحة والثقافة والدفاع والزراعة، وبرامج شاملة ومحددة: مثل أبحاث العلوم الاجتماعية، والأمن، والتعاون الدولي، ودعم العلماء الشباب، وتطوير التقنيات الرئيسية. كما يوجد أيضًا برامج لدعم البحوث الصناعية لتعزيز الابتكار في قطاع الأعمال وتطوير القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
وتساعد معظم البرامج بشكل كبير على تطوير التعاون بين قطاعي البحوث والأعمال، من أجل تعميق التعاون بين العلماء (حتى يتمكنوا من التركيز على إنشاء مخرجات تطبيقية محددة) ورواد الأعمال (حتى يكتسبوا مصدرًا للمعرفة والأفكار الجديدة والمساعدة الفنية) وذلك لتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال وتنمية المهارات.
فنجد في عام 2018، تم تخصيص 1.36 مليار يورو من ميزانية الدولة لتمويل البحوث والتطوير والابتكار،
للدعم المؤسسي الذي تم تقديم الجزء الأكبر منه من خلال وزارة التعليم والشباب والرياضة لمؤسسات التعليم العالي بمبلغ 261 مليون يورو، والأكاديمية التشيكية للعلوم (CAS) (الجهة المنوطة بدعم البحوث في مؤسسات التعليم العالي وغيرها من المراكز البحثية) بمبلغ 152 مليون يورو،
وأيضا للدعم محدد الغرض بقيمة تفوق الدعم المؤسسي، ويتم تقديمه من خلال وكالة المنح في جمهورية التشيك لمؤسسات التعليم العالي (التي تحصل على معظم هذا الدعم)، والأكاديمية التشيكية للعلوم، ووكالة التكنولوجيا (التي تستهدف تعزيز وتشجيع التعاون بين المراكز البحثية التي تدعمها الدولة وقطاع الأعمال، وتقوم بتمويل مشاريع البحوث التطبيقية والتطوير التجريبي والابتكارات)، ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة التعليم والشباب والرياضة.
التمويل الأوروبي للبحوث والتطوير والابتكار:
يمثل التمويل المقدم من الصناديق الهيكلية للاتحاد الأوروبي مثل صندوق التنمية الإقليمية الأوروبية عنصرا هاما في تمويل البحوث والتطوير والابتكار في جمهورية التشيك، فنجد أنها تلقت من هذا الصندوق تمويلًا للبحوث والتطوير بقيمة 2.4 مليار يورو خلال الفترة من 2014 إلى 2020، تم تقديمها لثلاثة برامج تشغيلية: البحوث والتطوير والتعليم (OP RDE)، والمؤسسة والابتكارات من أجل التنافسية (OP EIC)، وبراغ قطب النمو (OP PGP).
ومن خلال التمويل المشترك من الحكومة والاتحاد الأوروبي قام برنامجي OP EIC وOP RDE بتقديم مساعدات بقيمة 367 مليون يورو في عام 2018، 68٪ منها تلقتها مؤسسات التعليم العالي، و21% تلقتها أماكن عمل الأكاديمية التشيكية للعلوم، و11% تلقتها الشركات، وذلك لتنفيذ المقترحات والمشاريع في قطاعات: العلوم الكيميائية الفيزيائية والتحليلية، وعلوم الكمبيوتر، والبيولوجيا البيئية. وتلقت جامعتي تشارلز وماساريك والمركز البيولوجي التابع للأكاديمية التشيكية للعلوم أكثر من نصف هذا التمويل.
وكذلك مشاريع دعم الشركات التي قام بها برنامج OP EIC والذي يعد أكبر برنامج تشيكي ممول من الاتحاد الأوروبي لدعم البحوث والتطوير في قطاع الأعمال، وذلك من خلال تحسين البنية التحتية التكنولوجية للبحوث والتطوير بالشركات، والتعاون بين الشركات ومؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية والذي استمر في كثير من الأحيان بعد الانتهاء من المشروع، وكل ذلك كان له تأثيرٌ إيجابيٌّ على زيادة أداء وتسريع عملية الابتكار بالشركات، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تمكنت من اختصار الوقت اللازم لإطلاق الابتكارات بعامين أسرع مما لو لم تتلق المساعدة، كما ساعد في تحسين مؤهلات القوى العاملة بها وحسّن القدرة على تنفيذ البحوث الداخلية في المستقبل.
ولكن تلاحظ أن الدعم المقدم أدى لابتكارات متوسطة المستوى يغلب عليها ابتكار لمنتجات (بنسبة 90%) ليست ذات قيمة مضافة عالية، بينما الاهتمام كان ضعيفا تجاه الابتكارات العملياتية والتسويقية والتنظيمية.
كما نجد أن البرنامج التشغيلي: البحوث والتطوير من أجل الابتكار (OP RDI) قد تلقى تمويلًا خلال الفترة 2007 – 2013 من صناديق الاتحاد الأوروبي بقيمة 2.4 مليار يورو تم تخصيص غالبيته للاستثمار المكثف في بناء بنية تحتية بحثية حكومية حديثة وجيدة، حيث تم إنشاء ثمانية مراكز للتميز و40 مركزًا بحثيًا إقليميًا، وبفضل هذا الاستثمار وصلت جمهورية التشيك إلى مستوى الدول المتقدمة من حيث توافر بنية تحتية بحثية حديثة. والتي يمكن أن تؤدي إلى زيادة جودة الأبحاث والأداء الابتكاري ولكن ذلك يحتاج إلى وقت طويل وتدابير إضافية من دعم للموارد البشرية وتركيز القدرات البحثية والتعاون مع الصناعة والتعاون الدولي.
كما يمكن لها أيضا أن تزيد من مشاركتها في برنامج التمويل الأوروبي لدعم البحوث والتطوير: أفق أوروبا (Horizon Europe) نظرا للمنافسة العالمية التي يواجها المتقدمين والتي تعمل على صقل الخبرات ورفع جودة المخرجات العلمية.
الدروس المستفادة والتحديات في تجربة دعم البحوث والتطوير والابتكار في جهورية التشيك:
التنافسية الشديدة والوتيرة السريعة للتطور العالمي توجب على الدول أن تقوم بالتقييم والتقويم المستمر لأنظمة تمويل البحوث والتطوير لديها حتى تتمكن من مقاربة اقتصادها الوطني مع الاقتصادات الأكثر تقدمًا في العالم، لذلك تعتبر التجربة التشيكية مصدرًا قيمًا للمعلومات وإلهامًا لبلدان أخرى في مراحل مماثلة من التطور.
ومن الدروس المستفادة ما قامت به من تعديل لقانون حوافز الاستثمار ليصبح أداة مهمة لدعم البحوث والتطوير وزيادة القيمة المضافة، حيث نص التعديل على أنه يجب على الجهة المتلقية لحوافز الاستثمار عمل الآتي:
- أن يكون متوسط الدخل الشهري على الأقل لـ 80% من الموظفين مساويا لمتوسط الأجر في المنطقة التي يتم فيها تنفيذ المشروع.
- إما توظيف ما لا يقل عن 2٪ من إجمالي عدد الموظفين كموظفين للبحوث والتطوير أو إنفاق ما لا يقل عن 1٪ من نفقات المشروع على التعاون مع المؤسسات البحثية.
- إما توظيف 10٪ من الموظفين الحاصلين على تعليم عالٍ أو إنفاق 10٪ من نفقات المشروع على البحوث والتطوير.
ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أنه مع النمو التدريجي للاقتصاد التشيكي وتقاربه مع اقتصادات العالم المتقدم، فإن الميزة التنافسية للأجور المنخفضة في جمهورية التشيك الجاذبة للاستثمار الأجنبي سوف تتلاشى تدريجياً.
ولذلك، ينبغي أن تركز السياسات الاقتصادية بها على تبسيط أنظمة دعم البحوث والتطوير والابتكار، وتحفيز قطاع الأعمال على زيادة التمويل المقدم من الشركات إلى الهيئات العامة للبحوث والتطوير بما يتناسب مع التمويل المقدم من ميزانية الدولة إلى الشركات، وتركيز الدعم على المشاريع ذات القيمة المضافة الأعلى، وزيادة البحوث في المشاريع التي تعود بالفائدة على المجتمع، ودعم المجالات الواعدة للبحوث والابتكار التي تتناسب مع الخصائص الوطنية والاتجاه العام لأوروبا، وتحقيق مسعاها في الوصول إلى إنفاق على البحوث والتطوير بما يساوي 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025 و3.0٪ بحلول عام 2030، وبذل الجهود لإزالة العوائق أمام تقدم الابتكار، ومنها انخفاض مستويات استثمارات رأس المال الاستثماري.
وكذلك يجب عليها استخدام أشكال أخرى من الأدوات المالية، بما في ذلك الضمان الحكومي لقروض الابتكار، وتقديم قروض طويلة الأمد وبسعر فائدة منخفض للشركات الابتكارية. وإعطاء المزيد من التغطية الإعلامية لإمكانية استخدام أدوات غير مباشرة وأكثر فاعلية، مثل الدعم الضريبي للبحوث والتطوير والابتكار في مجال الأعمال. والقيام بزيادة قيمة الدعم المالي في بعض البرامج بما يتناسب مع المخرجات المنتظرة منها، حيث أدت محدودية مبالغ المنح المقدمة من بعض البرامج وارتفاع معدل التمويل المشترك إلى إحجام المراكز البحثية عنها وسعيها نحو برامج الدعم الحكومية الأخرى التي تقدم مبالغ دعم كبيرة.
أيضا ليصبح تمويل البحوث والتطوير أكثر فاعلية يجب أن يتم تقييم الدعم المقدم بمصداقية، سواء الدعم محدد الغرض مثل المشاريع، أو الدعم المؤسسي مثل التطوير طويل الأجل للمراكز البحثية. كما يجب تقييم أداء المراكز البحثية وتميزها وأهميتها المجتمعية وبناء على ذلك تحدد قيم التمويل المقدم لها بهدف تطوير أبحاث عالية المستوى. وكذلك تقييم برامج التمويل والعائد الذي تحقق منها والاستفادة من نتائج التقييم في تعزيز برامج التمويل الجديدة. هذا وتساعد متطلبات التقييم ببرامج الدعم الأوروبية في تحسين ثقافة تقييم الجودة وتطبيقها على نطاق واسع في برامج الدعم الوطنية.
وحتى تستطيع التشيك الحصول على قدر أكبر من التمويل من الاتحاد الأوروبي، يجب عليها الإسراع في تطبيق استراتيجية البحوث والابتكار للتخصص الذكي (RIS3) التي أقرها الاتحاد الأوروبي لضمان أن التمويل المقدم من الاتحاد الأوروبي والحكومة والكيانات الخاصة موجهة لتقديم الدعم بشكل فعال.
وتتضمن هذه الاستراتيجية تحديد مجالات الدعم ذات الأولوية، خاصة الأنشطة والمجالات التكنولوجية الوطنية التي لديها القدرة على الوصول إلى ميزة تنافسية، والنمو القائم على المعرفة، والقدرة على الابتكار. وتشمل مجالات النقل المتطور، والهندسة الميكانيكية المتقدمة، وعلوم الحياة، وتقنيات النانو، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني. كما تهدف الاستراتيجية إلى استغلال إمكانيات الدولة في حل التحديات الاجتماعية والتكنولوجية الحالية بما في ذلك التحديات البيئية وتطبيق الخطط الاستراتيجية للمفوضية الأوروبية نحو البيئة الخضراء.
كما يجب تركيز توجيه التمويل للعلماء ومراكز الابتكار العاملة واستخدام القدرات الحالية بدلا من تركيزها فقط على بناء قدرات جديدة ومزيد من التوسع في البنية التحتية.
والترويج بشكل أفضل للمشاريع الأجنبية لدعم البحوث والتطوير خاصة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتوفير الدعم الفني لها في كيفية إقامة شراكات أجنبية وتقديم الطلبات لبرامج التمويل الأوروبية.