كيف سيكون أداء سوق الأسهم في الربع الأخير من 2022
بدأت أسواق الأسهم تعاملات أغسطس وسط حالة من التفاؤل الحذر، حيث قفز مؤشر S&P 500 خلال النصف الأول بأكثر من 5% ليسجل أعلى مستوياته في أربعة أشهر. ولكن بعد أن اعتقد المستثمرين أن المرحلة الأسوأ من السوق الهبوطية قد انتهت بالفعل بعد الخسائر الحادة التي منيت بها الأسهم في النصف الأول من العام، عادت الكرة أدراجها وخيمت حالة من التشاؤم مرة أخرى.
وبحسب البيانات المنشورة على موقع شركة الوساطة الرائدةeasymarkets.com، تخلى المؤشر الأوسع نطاقًا عن كافة مكاسبه وأنهى تعاملات الشهر على انخفاض بـ 4.2%.
هذا النمط من التقلبات ليس مستغربًا على الإطلاق، بل يعتبر السمة المميزة لتعاملات 2022. وهذا الوضع بطبيعة الحال أحد الأعراض المفهومة لحالة عدم اليقين التي تنتاب السوق تجاه العديد من الملفات الهامة، بدءً من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، ووصولًا إلى تفاقم معدلات التضخم.
الفيدرالي لا تزال له اليد الطولى
خلال تعاملات الأشهر الثلاثة المتبقية من عام 2022، ستتابع الأسواق عن كثب المسار الذي سيسلكه الاحتياطي الفيدرالي على درب تشديد السياسة النقدية. الخسارة الكبيرة التي تكبدها مؤشر S&P 500، والتي أشرنا إليها آنفًا، كان السبب الرئيسي وراءها هو تصريحات محافظ الفيدرالي جيروم باول. خلال حضوره فعاليات مؤتمر جاكسون هول، أكد باول على أن مسؤولية البنك المركزي هي ضمان استقرار الأسعار، وهو الأمر الذي سيسعى إلى تحقيقه "دون قيد أو شرط". في هذا اليوم، تكبدت الأسهم الأمريكية خسائر بنحو 4% بعد أن فسرت الأسواق تصريحات باول ورفاقه على أنها تعني الاستمرار في رفع معدلات الفائدة بوتيرة غير مسبوقة حتى يعود التضخم إلى النطاق المستهدف، أي في حدود 2%.
الأهم من ذلك هو أن باول أطاح بآمال السوق التي رأت أن بلوغ معدلات التضخم ذروتها والإشارات المبكرة على معاناة بعض قطاعات الاقتصاد الأمريكي من الركود، قد تدفع البنك المركزي إلى التمهل بعض الوقت، على الأقل حتى استيضاح نتائج رفع الفائدة بنحو 2.5% منذ بداية العام. وفي هذا السياق، راجت بعض الرهانات المتفائلة ليس فقط بشأن إمكانية إيقاف استراتيجية التشديد النقدي المفرط، بل اعتقد البعض أن الفيدرالي ربما يبدأ بالتفكير في خفض الفائدة مع بداية 2023.
نكتب هذه السطور قبيل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في 20-21 سبتمبر وسط ترجيحات بأن يعلن عن رفع الفائدة بـ 75 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يراهن البعض على إمكانية الإقدام على خطوة تاريخية ورفع الفائدة بنقطة مئوية كاملة، أو على الأقل تمهيد الطريق لزيادات إضافية قبل نهاية العام.
وعلى أية حال، فإن البيانات الاقتصادية خلال الربع الأخير من 2022 ستكون هي المحك الرئيسي الذي تستند عليه كافة التوقعات بشأن السياسة النقدية. استمرار معدلات التضخم أعلى من 8%، واحتفاظ سوق العمل بالمرونة من خلال إبقاء معدلات البطالة عند مستوياتها المتدنية، ستعني بلا لبث أن بيئة الاستثمار الحالية لن تتغير قبل بداية العام القادم.
على النقيض من ذلك، فإن حدوث تدهور ملحوظ في أداء البيانات الاقتصادية سيدفع الفيدرالي بكل تأكيد للتفكير بشأن جدوى الحفاظ على الاستراتيجية الحالية. ولكن حتى نكون واقعيين، فإن هذا السيناريو مستبعد إلى حد كبير، وربما لن يتحقق إلا في حالة توقف الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مفاجئ، وهو ما سيجنب أوروبا وباقي العالم أزمة طاقة خانقة خلال فصل الشتاء. العامل الآخر هو اندلاع موجة جديدة من جائحة كورونا تؤدي إلى فرض إغلاقات شاملة في العديد من اقتصادات العالم، وهو ما سيضعف بالتبعية من الطلب بشكل قسري، على النحو الذي شهدناه في العامين الماضيين.
أحد المؤشرات الهامة في هذا السياق سيأتي مع موسم تقارير أرباح الشركات عن الربع الثالث خلال شهر أكتوبر. ربما تكون النصيحة الأبرز في هذه الأجواء هو ألا تمنع حالة الفزع التي ربما تحفزها تقارير الأرباح الضعيفة من انتقاء بعض الفرص السانحة للشركات التي بلغت تقييماتها مستويات معقولة. وعلى الجانب الآخر، فإن آفاق السوق على المدى المتوسط والطويل لا تُحبِذ مطاردة المزيد من المكاسب المحتملة في حال جاءت النتائج الفصلية بأفضل من التوقعات. لا نعتقد أن الفترة المتبقية من 2022 وحتى بداية 2023 ستشهد مكاسب لأسواق الأسهم بالوتيرة التي كانت عليها خلال السنوات القليلة الماضية.
الفرص المحتملة
برغم ضعف وسلبية العوائد في 2022، لا تزال هناك بعض الفرص السانحة لبعض الأسهم التي تزدهر عادةً في ظروف عدم اليقين، وحتى في أوقات الانكماش الاقتصادي. نستعرض بعض القطاعات المثيرة للاهتمام في الربع الأخير من 2022.
- أسهم القيمة
كما أشرنا في تحليلات سابقة، لا يزال معيار القيمة هو المحك الرئيسي للاختيار لسببين: السبب الأول هو أن ’أسهم القيمة‘ تميل إلى التداول عند خصومات سعرية كبيرة في أوقات الكساد، ثم تستعيد قيمتها العادلة سريعًا فور تحسن معنويات المستثمرين مع ظهور أولى الإشارات بشأن التعافي الاقتصادي. السبب الثاني هو وجود افتراض لا يمكن التغافل عنه تمامًا، والذي ينطوي على استمرار التضخم المرتفع لفترة طويلة، حتى في ظل إجراءات التشديد النقدي. تميل أسهم القيمة مرة أخرى، وباعتبارها حساسة للتضخم، إلى الاستفادة من ارتفاع أسعار المستهلكين.
- أسهم النمو/التكنولوجيا
تكبد هذا القطاع القدر الأكبر من الخسائر خلال 2022، حيث تهاوت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا المالية وتلك المرتبطة بالبلوكشين والعملات المشفرة، بجانب الشركات الناشئة في مجال المدفوعات وتطبيقات الأجهزة المحمولة. يمكن القول أن فقاعة شركات النمو/التكنولوجيا، والتي تضخمت خلال فترة كوفيد-19، قد انفجرت إلى حد كبير وبات عدد كبير منها يتداول عند قيمته العادلة، ناهيك عن تركيز معظم هذه الشركات على العودة إلى الربحية بدلًا من الحصول على تمويلات ضخمة لتغذية النمو حتى على حساب تضخم الخسائر.
- الأسهم الأوروبية
تتداول الأسهم الأوروبية بالفعل بأسعار رخيصة للغاية من منظور القيمة العادلة. يعزى ذلك بطبيعة الحال إلى التخوفات بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك على اعتبار أن أوروبا هي المتضرر الأكبر، حيث تقع على خط المواجهة المباشرة، ناهيك عن اعتمادها الكبير على صادرات الطاقة الروسية. هذه العوامل مجتمعة ستبقي الأسهم الأوروبية عند ضغوط سلبية لفترة غير قصيرة، وهو ما يجعلها فرص جيدة لهواة اقتناص الأسهم بأسعار منخفضة توطئة لتحقيق مكاسب ضخمة فور تحسن الظروف.