أعوام من الجغرافيا القلقة| "تايوان" الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب بين الصين وأمريكا
يتزايد الحديث وتتواتر الأخبار، ويرتفع منسوب التصريحات الأمريكية الصينية لـ تتوسط " تايوان "محل النزاع ويتساءل البعض متى ينفجر النزاع أو يحل السلام ومتى ينتهي غموض أمريكا الاستراتيجي، فمن الذي تزن كفته في ساحة المعركة.
وفي صراع مفتوح يتوقع الخبراء الغربيين أن تايوان تستطيع الدفاع عن نفسها، فحرب العصابات أولًا لتلحق بها مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال بيع الأسلحة، فما هي قصة تايوان التي تهدد القواعد العسكرية الأمريكية؟.
تاريخ الصراع
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن جزيرة تايوان خضعت لأول مرة تحت السيطرة الصينية الكاملة في القرن السابع عشر بالتحديد عندما بدأت سلالة تشينغ الحاكمة في إدارتها، وحينها تحولت الأحداث رأسًا على عقب لتتخلى مملكة تشينغ عن الجزيرة لليابان بعد خسارتها الفادحة في الحرب الصينية اليابانية الأولى عام 1895.
ولكن لم يستمر طويلًا لتعود تايوان مرة أخرى إلى أحضان الصين بعد خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية.
وبعد فترة وجيزة نشبت الحرب الأهلية في الصين القارية بين الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ، والقوات الحكومية القومية بقيادة تشانغ كاي شيك، وانتصر الشيوعين في عام 1949 وسيطروا على بكين.
و تشير الصين إلى هذا التاريخ لتقول أن تايوان في الأصل مقاطعة صينية. لكن التايوانيين يشيرون إلى نفس التاريخ ليقولوا إنهم ليسوا ابدًا جزءًا من الصين الحديثة التي تشكلت لأول مرة بعد الثورة في عام 1911، أو جمهورية الصين التي تشكلت في عهد ماو تسي تونغ في عام1949.
ونتيجة لذلك، فر تشانغ كاي شك هاربًا ومن بقى من الحزب القومي إلى تايوان، حيث سيطرت هذه المجموعة التى يبلغ عددها 1.5 مليون شخص على السياسة التايوانية لعدة عقود، وبما أنه وريث الديكتاتورية، واجه تشانغ تشينغ كو، نجل القائد تشانغ، مقاومة من السكان المحليين المتذمرين من الحكم الديكتاتوري الاستبدادي، وتحت ضغط من حركة ديموقراطية متنامية، بدأ بالسماح لعملية التحول الديمقراطي.
ونعمت تايوان بتغييرات دستورية نحو نهج سياسي أكثر ديموقراطية وحرية من القيود الاستبدادية التي عانى منها الشعب التايواني.
عودة الصراع
ويأتي في مقدمة هذا الصراع عندما أرسلت واشنطن رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى الجزيرة، وأعتبرت الصين أن زيارة ناسي إلى تايوان خرقًا صريح لمبدأ " الصين الواحد"
وانتقدت بكين الاجتماع، وحذرت الولايات المتحدة بلهجة شديدة من عدم إرسال أي إشارات خاطئة لعناصر "استقلال تايوان" لتجنب أي ضرر يمس العلاقات الصينية الأمريكية، وأثناء تلك الزيارة قامت الصين بإجراء عمليات عسكرية بالذخيرة الحية في الممر الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي، ووجهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن موقفها متين للغاية تجاه تايوان.
وفي وقت سابق أخذت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن لا سيما في الثمانينيات، وحينها حاولت الصين إغراء تايوان بصيغة تعرف باسم" دولة واحدة ونظامان" تعطي بموجبها الصين استقلال تايوان شريطة إذا قبلت إعادة توحيد الصين، وتم إنشاء هذا النظام في هونغ كونغ كـ محاولة من الصين لإقناع تايوان بالعودة إلى البر الرئيسي.
وأعلنت تايوان رفضها لهذا الاقتراح، مشيرة إلى أنه تم انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي عام 1991، كما كان يوجد محادثات بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن إصرار بكين على أن جمهورية الصين التايوانية غير شرعية حال دون عقد اجتماعات بين الطرفين.
وعندما انتخب تشين شوي بيان، رئيسًا لتايوان عام 2000، شعرت بكين بالخطر لأن تشين أيد وبكل صراحة " استقلال" تايوان النهائي عن الصين، ولكن بعد أربعة أعوام من توليه مقاليد الحكم أصدرت الصين ما يعرف بقانون " مناهضة الاستقلال"، والذي ينص على حق الصين في استخدام كافة الوسائل المشروعة والغير مشروعة ضد تايوان إذا حاولت الانفصال عن الصين، ولكن يأتي ذلك في سياق تحركات تايوانية غربية مستفزة للصين متوافقًا مع رغبة أمريكا في كبح جماح الصين ومن تفوقها وتوسعها.
وخلف تشين في رئاسة تايوان مايينغ جيو، وسعى منذ توليه الحكم عام 2008 إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، ولكن بعد ثماني سنوات أي في عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنغ ون، وتتولى تساي الحزب الديموقراطي التقدمي الذي يؤيد الاستقلال النهائي عن الصين.
تحدثت تساي في مكالمة مثيرة للجدل عبر الهاتف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فور فوزه في انتخابات عام 2016، نُظر إليها على أنها خروج عن السياسة الأمريكية الموضوعة في عام 1979 عندما قطعت الولايات المتحدة علاقتها مع تايوان.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة آنذاك إلا أنها تعهدت بتزويد تايوان بكافة الأسلحة موضحة أن قيام الصين بأي عمليات هجومية على تايوان من شأنه أن يثير قلقًا كبيرًا، ومارست الصين ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت، وهددت بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا لم تنفذ ذلك.
وفي الوقت الذي شهدت فيه هنغ كونغ اضطرابات شديدة تطورت تايوان بشكل ملحوظ كان يراقبه الكثيرون عن كثب خاصة عندما فازت تساي بولاية ثانية في عام 2020، وفي نفس العام أخذت الولايات المتحدة تكثف جهودها في دعمها المستمر لتايوان.
تايوان تدافع عن نفسها
يمكن أن تحاول الصين بأي شكل أن تحقق الوحدة مع تايوان بوسائل غير عسكرية مثل تعزيز العلاقات الاقتصادية، لكن من ناحية المواجهة العسكرية فإن القوات العسكرية الصينية ستفوق تلك الموجودة في تايوان، وذلك لأن الصين من أكثر الدول "باستثناء الولايات المتحدة" التى تنفق على الدفاع ولديها قدرات حربية هائلة إلأى جانب القوة البحرية وتكنولوجيا الصواريخ والطائرات والهجمات الإلكترونية.
ويتوقع الخبراء الغربيين أن تايوان قادرة على إبطاء المحاولات الهجومية من قبل الصين وذلك من خلال شن حرب العصابات، إلى جانب المساعدات الخارجية.
غموض أمريكا الاستراتيجي
وفي السنوات الماضية اتبعت أمريكا سياسة "الغموض الاستراتيجي" في هذه القضية الشائكة ولم تشير بوضوح لما إذا كانت سوف تدافع عن تايوان أو كيف ستدافع عنها إذا وقع هجوم مضاد، ولكن عندما سئل الرئيس الأمريكي جو بايدن إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان عسكريًا، ليجيب " نعم"، وكان ذلك أمام التفوق الصيني على تايوان وهنا كان الخوف الأكبر من تراجع التفوق العسكري الأمريكي في المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي لتعلوا الأصوات لإنهاء الضبابية أو " الغموض الاستراتيجي" الأمريكي تجاه تايوان.
أهمية تايوان
اقتصاديا، تعد تايوان من أهم الدول في المجال التكنولوجي؛ حيث يتم تشغيل الكثير من المعدات الإلكترونية المستخدمة يوميًا في العالم من الهواتف إلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة والساعات ووحدات التحكم في الألعاب برقائق إلكترونية مصنوعة في تايوان.
وقد يمنح الاستحواذ الصيني على تايوان بكين الفرصة لتقييد هذه الصناعة التي تحتاج إليها دول العالم بأكمله.