اجتماع القاهرة الدستوري الأفريقي: الاستخدام المنصف للموارد المشتركة أساس للتعاون
أكد المشاركون في أعمال اليوم الثاني لـ "اجتماع القاهرة السادس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الأفريقية" الذي تنظمه المحكمة الدستورية العليا وتشارك في أعماله وفود من 40 دولة أفريقية، أن القانون الدولي أرسى فكرة التعاون وحسن الجوار وضرورة الاستخدام المنصف والعادل للثروات والموارد المشتركة بين الدول المتجاورة، حرصا على استفادة جميع الدول وعدم تعرض الدول الأخرى التي تشترك في الموارد الواحدة لأي ضرر.
الضمانات الدستورية المقررة لتنمية الموارد الطبيعية المشتركة والتنظيم الدولي لاستغلالها
جاء ذلك في الجلسة التي عُقدت اليوم تحت عنوان "الضمانات الدستورية المقررة لتنمية الموارد الطبيعية المشتركة والتنظيم الدولي لاستغلالها" والتي أدارها المستشار طارق شبل نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وتحدث فيها الدكتور محمد سامح عمرو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي بجامعة القاهرة، والدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق سابقا، ورئيس محكمة النقض ببوركينا فاسو المستشار مازومبي كوندي، والمستشار محمد خيري النجار نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا.
وشدد المؤتمرون على أحقية دول القارة الأفريقية في أن تستغل مواردها وثرواتها الطبيعية في سبيل تحقيق التنمية لشعوبها، دونما الاستئثار بتلك الموارد وبما يحول دون وقوع أضرار بالدول الأخرى التي تشترك معها في الموارد، مشيرين إلى أن القانون الدولي تطرق على نحو تفصيلي لمسألة تنظيم العلاقات بين الدول على مستويي البحار والأنهار الدولية المشتركة.
وقال الدكتور محمد سامح عمرو، إن دول القارة الأفريقية يحق لها أن تستغل مواردها الطبيعية في إطار خطط التنمية المشروعة، وأن توجه عوائدها لصالح الشعوب، مع الحرص في المقابل على التعاون المشترك مع بقية الدول إذا كانت بعض هذه الموارد مشتركة مع دول أخرى.
وأوضح أن مصر جزء لا يتجزأ من القارة الأفريقية، وتحرص على التعاون المشترك مع كافة دولها بما يحقق مصالح الشعوب على الوجه الأكمل.
ولفت إلى أن القانون الدولي يهتم بتنظيم علاقات الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين الدول المتجاورة والتي تتشارك المورد الواحد، وأن هناك مبادىء مستقرة وضعت موضع الاعتبار في هذا الشأن وفي مقدمها "الاستخدام المنصف والعادل للثروة"، موضحا أنه لا يُمكن لدولة أن تستحوذ لنفسها وحدها على المورد دونما اعتبار لمصالح الدول الأخرى التي تشترك معها في ذات المورد.
وأضاف أن الدول يجب أن تضع في اعتبارها كيفية الاستخدام المتوازن للموارد المشتركة ومصالح الدول التي تشترك في تلك الموارد وتنظيم استغلالها وحقوق الشعوب، مشيرا إلى أن هناك العديد من المعايير والتدابير الدولية في هذا الشأن من بينها مدى توافر موارد بديلة وعدد السكان ومستوى الاعتماد على هذا المصدر (المورد) في تحقيق التنمية وعدم إحداث أي ضرر.
وأكد أنه حينما تقوم أي دولة باستخدام موارد مشتركة، فإنه من الضروري الإخطار المسبق والتشاور مع بقية الدول التي تستفيد من هذا المورد، وتقديم المعلومات كاملة وتوفيرها للدول، مشيرا في هذا الصدد إلى أهمية تشجيع البحث العلمي المشترك والاعتماد على الكوادر البشرية وتنمية الفكر من خلال الباحثين، الأمر الذي من شأنه الحفاظ على الموارد المشتركة وضمان استدامتها واستفادة الأجيل المستقبلية منها.
وشدد على أن مصر حريصة على التعاون مع الدول الأفريقية، وأن تكون مشروعات التنمية شأنا مشتركا بين مختلف دول القارة، بما يفتح آفاقا للتعاون الاقتصادي، وألا تكون مشروعات التنمية سببا للخلاف بين دول الجوار في القارة، بما حقق الصالح لعام.
مندوبو القضاء
واستهل المستشار الدكتور طارق شبل نائب رئيس المحكمة الدستورية، الجلسة بالإشارة إلى أن الإحصائيات الدولية تفيد أن 30% من الموارد المعدنية المستخرجة عالميا، تأتي من القارة الإفريقية، فضلا عن امتلاك القارة أكبر احتياطات المعادن الثمينة وثُلثي الأراضي الزراعية المستغلة في العال،م ما يسترعي الاهتمام بتنمية هذه الموارد والتنظيم الدولي لاستغلالها، والوصول إلى الضمانات الدستورية لتنظيم هذا الاستغلال لتحقيق رفاهية واستقرار شعوب القارة وحقوق الأجيال المقبلة.
بدوره، شدد الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق الأسبق، على أهمية مبدأ "الإنصاف" في الوصول إلى الحلول الناشئة عن النزاعات بين الدول المتجاورة أو المتقابلة على المسطحات المائية من أنهار وبحار، مشيرا إلى الإشكاليات القانونية في هذا السياق وتأثيرها على العلاقات بين الدول.
وأوضح الدكتور حلمي، أن مبدأ الإنصاف لحل النزاع في الفقه الدولي يستهدف تبني المبادئ العامة للعدالة بما لا يغير حكم القانون، مع التخفيف من حدة بعض القوانين لتحقيق السلم والاستقرار.
وحذر من تداعيات استخدام القوى المسلحة في مجال النزاعات الدولية، حيث يمتد تأثيرها إلى المستوى الدولي وليس فقط أطراف النزاع، ما يؤكد أهمية التسوية السلمية للمنازعات الدولية؛ لا سيما تلك المتعلقة باستخدام الثروات الطبيعية واستغلال المياه، خاصة الأنهار التي تزداد أهميتها يوما بعد يوم.
من جهته، استعرض المستشار مازومبي كوندي رئيس محكمة النقض بدولة بوركينا فاسو، تجربة بلاده في إطار الضمانات الدستورية المقررة لتنمية الموارد الطبيعية المشتركة والتنظيم الدولي لاستغلالها، متطرقا إلى المواد الدستورية والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها بلاده لتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وفق مبادئ العدالة والإنصاف وضمان حقوق الأجيال المقبلة.
وقال: "عندما نقوم بتبديد الثروات الطبيعية عوضا عن زيادة مواردها، نضر باليوم والغد وأمل الشعوب في الرخاء. لا بد أن يكون لدينا الالتزام الأمثل لتنمية هذه الموارد الطبيعية لنسلمها إلى أبنائنا".
وأكد أن واقع دول قارة إفريقيا يجب أن يضع في الاعتبار المصلحة العليا للشعوب الحالية والأجيال المستقبلية، وإقرار قوانين للحفاظ على تلك الموارد الطبيعية وآليات واجبة لذلك.
من جانبه، استعرض المستشار الدكتور محمد خيري النجار بهيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا، ورقة بحثية عن "حق الإنسان في بيئة سليمة" مشيرا إلى ما عانته المجتمعات خلال الـ50 عاما الأخيرة من قضايا متعلقة بالحفاظ على البيئة كهدف مشترك يجب أن يسعى إليه الجميع وكأحد مبادئ العولمة للحصول على بيئة خالية من الأخطار.
أوضح أنه رغم أنه من حقوق الإنسان، غير أن الواقع القانوني يقطع بأنه رغم النداءات الدولية ودعم المنظمات الدولية للتعامل مع القضايا القانونية المتصلة بالبيئة، فإنها لا تزال محل جدل ومناقشة.
وأضاف أن المفوضية الأفريقية منحت حق الحفاظ على البيئة مع إلزام الدول الموقعة على تحقيق التوازن البيئي لضمان تحقيق التنمية وعدم استغلال الموارد الطبيعية بشكل يضر البيئة÷ ودراسة الأثر البيئي للمشروعات وعدم التعرض للأنشطة الخطرة ومشاركة المجتمعات التي تمسها تلك الأثار بالمعلومات.