أيها المتحرش.. لم يعد مجرَّد "طيش شباب"
هلل الحضور أمس فرحًا، حين قضت محكمة جنايات الجيزة المنعقدة بالكيلو 10 ونص بمعاقبة المدرس المتهم بالتحرش بطالبة في منطقة حدائق الأهرام واستطالة يده لأماكن عفتها، بالحبس 6 سنوات.
ولقد قامت الأجهزة الأمنية بضبط المشكو في حقه بعد تقنين الإجراءات وتم القبض عليه بعدما تلقت بلاغًا من سيدة يفيد بتعرض كريمتها للتحرش من مدرس أثناء إعطائها درسًا خصوصيًا بمنزلها في الجيزة.
الحكم القضائي انتصار جديد
جاء الحكم القضائي انتصارًا جديدًا لصالح المرأة، كما عوَّدنا القضاء المصري، في وقت يعاني فيه مجتمعنا – للاسف – العديد من المفاسد التي لا نرتضيها، أيضًا في ظل تطوُّر كل يوم لهذه المفاسد، التي يجتهد بعض البُلهاء في إرسائها كقناعات داخل نفوس الناس.
يختلف السلوك ويتباين الفاعلون، ولكن لا تختلف القيمة التي صرنا في زمان تندثرُ فيه الأصول وينبعث فيه كريه الصفات، التي نستيقظ كل يوم عليها لنقراها في الصحف ونتابعها عبر المنصات.
يسعى المجتمع بكل ما يمتلك من آليا ومنظمات للولوج داخل هذه قضية التحرّثش؛ لتندمج مخاطرها تارة بين زي المرأة وأخرى بين حرمان الشباب، وننسى أنَّ وِحدة القيمة وأفضليتها أقدْس من كل الظروف والملابسات. فالسارق إن سرق وهو جائع، لا ينفي تضوُّره من هذا الجوع أو إعفائه من العقاب أنَّ السرقة سرقة، والقاتل مهما كانت دفوعه ودوافعه لا ينفي أن ارتكابه لإزهاق الروح ليس شيئًا عاديًا.
وبالتالي، وباسلوب علمي بحت، لا تثبت ثمَّت علاقة طبيعية بين انحدار القيمة وخلل الظروف مهما كانت.
في الماضي
ودعني أذكر أقصوصة حقيقية حدثت في عهد البُغاة والآثمين حين أراد الكفار الذين تجمعوا من كل قبيلة وذهبوا لقتل النبي-صلى الله عليه وسلم- يوم الهجرة، رفضوا اقتحام داره حين سمعوا صوت النسوة، فقالوا: يا للعار أيُقال علينا تسورنا الحيطان على بنات العم في خدورهن، وهتكنا ستر حرمنا. هذا كان حال من أراد أن يرتكب أبشع جريمة على وجه الارض بأن يغتال أطهر خلق الله سيد الأمم، حث كانت المروءة فيهم وهم عن الهَدْي مُعرِضون.
تقصُر الأقصوصة ويعظُم الدرسَ، فمن تنهاه مروؤته عن فعل المنكرات يتجدد فيه الأمل وإن طال غيابه، فإنَّ أدنى ما يملكه الفرد فضيلة يتمسَّكُ بها وإن كان المجتمع من حوله خراب.
عالم القيم
عالم القيم الذي نسموه له ليس مستحبلًا، والشكر بالغ الشكر لقضاء شامخ وتقنينات أمنية تكشف مثل هذه الأفعال، وتجعل من إثباتها أمرًا لا صعوبة فيه.
فلتعلم يا صاحب السلوك الدنيء، أنه حين افتقدت القيمة أوجد المجتمع لك قانونًا قاسيًا يفني سنين عمرك في غياهب السجن، ثم تخرج وتعاني ويلات الفضيحة. فقط لأنك استضعفت كائنًا من كان، أردت ان تمارس عليه سلطتك أيمُّا كانت، لتسرق زهرةَ ما تسرق فتصبو إلى ما لا يرضي دينًا ولا عُرفًا.
إنَّ حضارتنا العربية قامت على مثل هذه القيم التي أورِثناها، فإن أردنا صُنع حضارة، فلقبض الأكُفّ على جميل ما نملُك من طهارة واحترام.