بيان أحلامي.. عالم يخلو من الأوهام
لكل مِنَّ حلم يرغب في تحقيقه، حتى وإن بدا هذا الحُلم غير منطقي وواقعي، وحلمي الذي أنشده وينشدُه كل عاقل، إن هو إلا بيان مقروء، كيما المذيع الذي يتلوه على مسامعنا في الراديو أو يعرضه على أبصارنا على شاشة التليفزيون أو كمن يبثه لنا عبر صفحات الأثير.
قررت أن أكتب بيانًا في عالمي الخاص، أحاكم فيه كلَّ الذين عصفوا بالأحلام، أشير بأصابع الاتهام إلى من قتلوا الوليد في مهده فكرةً لم تلبث أن تتطور وتأخذ دورتها في بوتقة الافكار الطبيعية، أن أستجوبَ كلَّ مختلّ رفض الأمل وخلق من آلامنا معاناةً جديدة.
قررتُ أن أكتب عن "بُعبُع الوهم" – إن جاز التعبير - الذي يسطو بشبحه على كل فكرة تلوح داخل وجدان أو أفكر أحدهم، فيسعى إلى تحويله إلى سلوك لفظي في صيغة سؤال أو أطروحة تؤكد أو تنفي معتقدًا وترسِّخ من العقائد ما هو حقيقي.
حرية الأفكار
أبدأ البيان باسم الإله الواحد.. إله خلق وقدَّر وترك لنا حرية الأفكار نسمو بها إليه، ننشدُ في ساحات مختلفة، نتبارى بها لنحلق في ملكوته الأكبر من تصوراتنا جميعًا.
تبدأ القصة - يا سادة - بحُلم بسيط لطفل جلس في مقعد دراسة حكومي، فشرد بخياله أن يقرع أبواب النجوم، فاتهمه أحد مدرسيه بالخلل، مدعيًا أنه لا يصلح في صفوف الطلاب، وهذه أخرى فتاة لم تبلغ العِقد من عُمرها تساءلت في براءة عن كائن لم يكُنْ، فبدلًا من أن تصير فيلسوفة أصبحت أضحوكة لمن حولها، وآخر اتهموه بالجنون فصار حبيس الخوف يخشى مخاطبة من حوله.
القصة تبدأ حين قرانا أورادنا وحفظناها عن ظهر قلب، وربما رفضنا سؤالًا بسيطًا أو أطروحة كانت ستحل الإشكالية تمامًا، إشكالية ذاتها اليوم صارت محور خلافاتنا على مختلف المنصات الإعلامية والصحفية "الفهم".
البداية واحدة
ولكن في كل عصر كانت البداية واحدة "فكرة" مع اختلاف الإرادة والمراد وقبول المجتمع، فلمَّا وقف الخليل إبراهيم يسأل سؤالًا واضحًا أمام عبدة الأصنام وأمام أبيه صانعها وتاجِرُهَا الذي رفض بكل عنف فكرة أن يكون إلها واحدًا للكون، وسفه ما يدَّعون من دون الله؛ ليلقوا به في النار، بمجرَّد التفكير.
عن أبي الأنبياء الذي صارع بعقله فكرة عبادة الأشياء، فتحوَّل منها إلى عبادة رب الأشياء، فهداه الله إلى التوحيد، وصار نبيًا بلغ رسالات ربه. إنَّ الفكرة التي أوجدها الله في "الخليل" إنَّمَا جاءت من وجدانٍ حيّ، يقظان، مفعمٌ بالتساؤلات والتمرُّد السليم
على موروثات عقيمة، فتحوَّل ما يدور في الضمير والفكر إلى منهج، فاستحقَّ الهداية من رب العالمين.
عصر الحداثة
وفي عصر الحداثة، لازلنا نخشى الفكرة داخل الكثير من المجتمعات، ظنًا منَّا أنها أداة المهلكة، وإن كانت في حقيقة أداة المرتبة والتقدُّمِ، فالإنسان الذي يجوب أطرافًا من الفضاء الخارجي، ربما يتوجَّس من فكرة لمجرَّد أنَّه يتوهَّم أن ما وصل إليه هو المُنتهى، حيث ينتهي الشغف عند هذه الفكرة. فتبدأ جذوة من خلاف، يعقبها من أنين من صراع، تحمل ويلاته أجيال تنشأ لا تعلم لماذا الحب، والكراهية، الثورة، والحرب، والهدنة..؟
تختلف الكتابات والأصول فيذهب كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ، وتنشأ أجندات، وقرارت، ونظم، وهلم جرَّة.
لازلنا في عصر الحداثة نختلف على شخصية تاريخية ماتت، ووالي ظالم، وحقيقة قُدسية "فُلان"، لصالح مجهول لا نعلم من هو ما هي بُغيته؟
والسؤال:
هل يجوز أن أتلو بيان احلامي بعالمٍ سليم يسوده الهدوء وينبذ الصراع ؟
هل يجوز أن تحمل صدارة البيان ضرورة حياة الناس وأمنهم وتقدُّمهم، ويصبح الحب فيه حالة حقيقية، وتكون الحقيقة نابعة من الضمائر لا من البيان والمصادر؟
هل يجوز أن أصدر بيانًا بعلم يخلو من الجوع والدمار، تملأُه الطمأنينة والسكينة فيفرح؟
إن كانت الإجابة نعم.. وهذا أغلب ظني، فلنحافظ على حمل هذه الأمانة التي نعيشها سويًا وأنت تصير القيمة ذاتها أم القيم وأن تكون المذهبية على مستوى أهل العلم والباحثين لا على العوام، وأن ننتبه يا سادة لمجتمعنا ومستقبل أبنائنا.