رجال الدين رجال الدين.. يرحمكم الله
بالغت بعض المجتمعات في تقدير رجال الدين حدّ القداسىة ما أفسد طريقة التعامل الطبيعية ومنصوص العلاقة التي تربط الشخص صاحب المنصب الديني في المجتمع، حتى أنُّه بولِغ في هذا التقدير فصار منصبهم حساسًا كما كان في العصور الوسطى أو كوما هو الحال في دولة إيران وحال حكم الفقيه.
قدسية رجال الدين
فتحوَّلت المكانة داخل بعض المجتمعات إلى منصب رفيع المستوى، له من النفوذ ما يلبق به، وربَّما صار الحديث عنهم أو مجادلتهم أمرًا يزعج الكثير سواء من أتباعهم أو من العامَّة الذين لازالوا يرون القداسة من ضرورات التعامل معهم وأنَّ فكرة الخطأ لديهم بعيدةً عنهم تمام البعد.
نقاش رجال الدين
لكن على النقيض من ذلك يمكن أن نرى مبالغة بعض التوجُّهات داخل المجتمع المصري ومجتمعات عربية أخرى في التعامل مع الشخص المنتمي لهذه الفئة سواء كان عالمًا أو فقيهًا أو داعية؛ ليتحوَّل الأمر وكأنه ثأرًا أو مدعاة للنيل من أشخاص محددين. إذ يرى بعض المفكرين أن رجل الدين بشرٌ في المقام الأول وأنَّ مجال المناقشة وفلسفة التفكير ربما ما تحكم علاقتهم بغيرهم، فهو رجال عاديِّ يمكن مجادلته ورفض بعض ما يقول.
المراجعات الفكرية
ويرى ذات المفكرين أنَّ المراجعات الفكرية وتطوير خطاباتهم أمرٌ مُلِّح، إلا أنهم يخلطون بين هذا الذي يتحدثون عنه وحياتهم الشخصية. فيلجأوا إلى إسقاط سلوكهم الشخصي أو أزماتهم على الفكر الديني ذاته، سواءً لخلق أو عملية تهيئة حالة من الجدال والحديث في الأصول ونقد الموروث، وهذا ما هو ليس في صالح الأُمَّة الدينية أيًّا كانت أو صالح مجتمعها الذي يحتويها.
رجال الدين داخل المجتمع
إنَّ رجال الدين داخل المجتمع حالة السكينة التي يحتاج إليها الفرد، فكم من رجل أو امرأة أو شاب أنهكه التفكير في شأن من شؤون معتقده لجأ لمتخصص يفتيه، يعطيه جوابًا شافيًا، ومن أسس هذا الجواب أن يكون شافيًا كافيًا، دون النظر إلى خصوصية هذا الفقيه أو المرشد الروحي، كيما الذهب إلى طبيب أمراض القلب الذي لا يضيرنا إن كان له تاريخ مع التدخين لفترة طويلة من حياته. إلَّا أنَّ حساسية ومكانة رجل الدين التي تتمتع بامتياز التعامل مع التشريع والدخول في تفاصيله وتفنيد ما جاء به وتحويله إلى الناس هو ما يحكم العلاقة بينه وبن مجتمعه، بالإضافة إلى التنوع الطبقي، والعلمي، والوظيفي، والفكري، الذي يتعامل معه.
رجال الدين النموذج المصري
وعلى جانب النموذج المصري أن نجد أن الازهر كان له دورًا في تاريخ مصر الحديث، فمثلًا كن للسيد عمر مكرم نقيب الأشراف، دورًا في إعداد العُدَّة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبري ضد الاحتلال الفرنسي تلك الثورة التي اندلعت في عام 1800 والتي ُدعى بثورة القاهرة الثانية، كما إنه كانت لد يد تولية محمد على واليًا على مصر. إذا قال الرافعي عن "مكرم": "كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادهـا".
وفي أحداث ثورة 1919 حدث تلاحمًا كبيرًا بين المسجد والكنيسة، فكانت اليد التي تحمل المصحف تصافح اليد التي تحمل الصليب، بعدما زعمت بريطانيًا أن فتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر هي سر الانتقاضة والفوضى، فكانت النتيجة أن رأى العالم تمارجًا وتناغمً كبيرين تحولت إلى سيمفونية عبلَّمت العالم من هم عنصري الأمة المصرية؟. فلقد كان القمص سرجيوس خطيبًا داخل الجامع الأزهر في الناس يحثُّهم على رفض الاحتلال؛ ليتبادل معه الموقف داخل الخل الكنيسة شيخ الأزهر الراحل محمد عبد اللطيف.
ولهذا فطبيعة رجل الدين في مصر تختلف بشكل كبير مهما كانت التداعيات أو كمّ الإسقاطات التي يسلك البعض طريقها المباغتة شخص رجل الدين، فالمنصب روحيًا في مقام يسبق الدرجة الوظيفية.
أمَّا إلى الذين يرون في مواقفهم ضد رجال الدين محاولة للدفاع عن الديانة وتحريرها ممن اختطفوها، فيجب عدم الخلط بين ماهو شخصي في حياة رجل الدين، ومقتضيات وظيفته، وضرورة الحد بل عدم التعميم، والتعامل بما يليق مع أصحاب هذه المكانة، فالمجتمع كما يحتاج إلى ضابط، وقضي، وطبيب، لا ولن يستطيع السير لحظة إلى الأمام إمام يدعو وفقيه يمنهج الدين لأفراد المجتمع.
ودمتم،،