الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني يكتب: مريم العذراء تقودنا إلى ابنها الحبيب
في ظل الأحتفالات والصلوات التي تقوم بها الكنائس على مستوي العالم، تعيش مصر الحبيبة في الفرح والبهجة والزيارات للأماكن المقدسة وخاصة التي مكثت فيها أمنا مريم العذراء عندما هربوا من هيرودس الملك. وفي ظل إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر.
مريم العذراء التي لها مكانة خاصة في قلوب البشرية وإنطلاقًا من رسالة البابا القديس يوحنا بولس الثاني في رسالته (الإفخارستيا حياة الكنيسة).
مريم هي معلمة التأمل في وجه يسوع المسيح، وضع لنا البابا القديس يوحنا بولس الثاني أسرار النور وضع فيها تأسيس سر الإفخارستيا لكي نتأمل فيه بعيون مريم العذراء الممتلئة نعمة والحاملة كلمة الله المتجسد.
إن مريم إمرأة "إفخارستية"، في حياتها كلّها. فيما الكنيسة تنظر إلى مريم نظرتها كمثال لها، فهي مدعوّة إلى التشبّه بها أيضًا في علاقتها مع هذا السرّ الكليّ القداسة. مريم العذراء ممارسة سر الإفخارستيا قبل تأسيسه وفي أثناء قبول كلمة الله في أحشائها البتولي من خلال بشارة الملاك حملت مريم البتول كلمة الله التي صارت جسدًا وفيما بعد أصبحت سر الإفخارستيا.
مريم العذراء عندما قبلت البشارة قالت فليكن لي حسب قولك. هكذا المؤمن عندما يتناول السر المقدس يقول (آمين).
في سرّ التجسّد، إستبقت مريم أيضًا إيمان الكنيسة الإفخارستيّ. ففي أثناء الزيارة إلى أليصابات، عندما حملت في احشائها الكلمة المتجسّد أصبحت، نوعًا ما، "خباءً" (بيت قربان) وهي أول بيت قربانٍ في تاريخ فيه قُدّم ابن الله، الذي لم تراه بعد أعين البشر، لتعبده أليصابات، كأن نوره "يشعّ" عبر عيني مريم وصوتها. ونظر مريم المفعم بالإعجاب، وهي تتأمل وجه المسيح المولود والذي تضمّه بين ذراعيها، أليس مثالًا للحبّ اللامتناهي الذي يجب أن يُلهم كلًا من مناولتنا الإفخارستيّة؟ ونحن عندما نحمل يسوع إلى الآخرين ونبشر به إلي العالم نكون على مثال مريم العذراء.
يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني "مريم صارت كنيسة قبل الكنيسة عندما قالت مريم للملاك نعم فإنها تصبح أمًا للمسيح التاريخي فحسب بل أصبحت أم المسيح الكلي وأما للكنيسة. وتحية القديس فرنسيس "للطُّوباوِيَّةِ مَرْيَمَ العَذْراء" (1) السَّلامُ عَلَيْكِ، يا سَيِّدَةً، يا مَلِكَةً قدِّيسَةً، يا مَرْيَمُ، والِدَةَ اللهِ القدِّيسَةَ، أَيَّتُها العَذْراءُ الَّتي صارَتْ كَنيسَةً، (2) وَاختارَها الآبُ السَّماوِيُّ الكُلِّيُّ القَداسَةِ، وكَرَّسَها، هوَ وَابنُهُ الحَبيبُ الكُلِّيُّ القَداسَةِ، والرُّوحُ القُدُسُ البارَقْليطُ، (3) يا مَنْ كانَ كُلُّ ملءِ النِّعْمَةِ وكُلُّ خَيْرٍ فيها وَلا يَزالُ. (4) السَّلامُ عَلَيْكِ، يا قَصْرَهُ؛ السَّلامُ عَلَيْكِ، يا خِباءَهُ (بيت القربان)؛
مريم العذراء التي صارت كنيسة وهي حملت يسوع المسيح في قلبها، نراها تنشد وتعلن سر الفرح والاتحاد بيسوع الكلمة، وتعلن الشكر بالخلاص. مريم تضع البذرة في العالم بذرة التاريخ والتاريخ الجديد الذي فيه أنزل الأعزاء عن الكراسي، رفع المتواضعين (لوقا 1: 52). هكذا نحن المؤمنين، عندما نتناول من السر المقدس نعلن الشكر والفرح والتهليل بسر إتحادنا معه وفي صلاة الطقس القبطي بعد التناول المقدس نقول:" قلبنا أمتلئ فرحًا وفمنا تهليل لتناولنا من أسرارك المحيية يا رب لأنه لم تراه عين ولم تسمع به أذن".
من خلال مريم العذراء دخل يسوع إلى العالم، ومن خلالنا نحن المؤمنين يعيش يسوع في داخلنا أي بسر الإفخارستيا ويمكث معنا إلى الأبد.
إن مريم، نوعًا ما، مارست إيمانها الإفخارستيّ قبل تأسيس الإفخارستيا، بمجرد أنها قدّمت أحشائها البتوليّ لتجسّد كلمة الله. والإفخارستيا هي في الوقت نفسه إستمرارًا للتجسد. في البشارة حبلت مريم بابن الله، حبلًا حقيقيًّا طبيعيًا بالجسد والدم، مستبقةً في ذاتها إلى حدّ ما، ما يحصل سرّيًا في كلّ مؤمن يتناول، تحت شكلي الخبز والخمر، جسد الربّ ودمه.
مريم العذراء تنادي بالسماء الجديدة والأرض الجديدة في نشيدها تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلص. مريم عاشت سر الإفخارستيا بعمق وإيمان وعلينا أن نعيش سر الافخارستيا على مثال مريم العذراء والتناول هو عربون السماء الجديدة والأرض الجديدة.
والقديس أمبروسيوس في تعليقه على إنجيل لوقا نص البشارة، على كل نفس بأن تتحلى بصفات مريم فيقول: "فلتكن نفس مريم في كل نفس حتى تعظم الرب، فليكن روح مريم في كل إنسان حتى يبتهج بالله".
مريم العذراء المتأملة في الهيكل تنطلق من التأمل في كلمة الله إلى حاملة كلمته وتختبر إلى مدى عمق سر محبة الله التي تجلت في سر التجسد ومن هذا السر يصبح سر الإفخارستيا الذي يسكن في قلوبنا ونتأمل فيه على مثال مريم العذراء.
مسيرة مريم هي مسيرة كل مسيحي يدخل بالإيمان في علاقة مع الله. فالانقطاع عن رغبات الذات الأنانيّة ضروري للانطلاق في أعمال الله والتأمّل بمحبّة الله. يسعي المؤمن للوصول إلى الاتّحاد بالذي يحبّه.
مريم عاشت خبرة ثانية مع التلاميذ في العلية، وهي تتذكر أيام أبنها على الأرض وخاصة في كلمات ( أصنعوا هذا لذكري) كيف تتخيل عواطف مريم عندما تسمع هذه الكلمات. وهذا الجسد الذي قدمه ذبيحة من أجل خطايانا متمثلة تحت شكلي الخبز والخمر وهو الجسد نفسه التي حملته في أحشاها.
مريم عاشت سر الإفخارستيا في النقاء والطهارة والإيمان والمحبة وهي إنعاكس إتحادها بابن الله.
نرى رسالة من ظهورات العذراء مريم في ميدجوري ( وهي خاصة بالكهنة)
كونوا قديسين أيها الكهنة لأن في وسطكم قدوس تحملوه وتقدموه للناس على أيديكم، كونوا كالنور المشع الصامت الذي يخترق الكون ولا شيء يلمسه ويدنسه من الطبيعة. وأنتم أيها الشعب كونوا كمثال يوحنا الحبيب الذي كان ينظر في مريم العذراء الجديدة الحاملة الخلاص للبشرية. أي أنظروا للكهنة حاملين الخلاص بين أيديهم.
اليوم دعوة لنا أن نعيش هذا السر العظيم على خطى مريم لأن هي صورة الخليقة الجديدة وهى مرآة للبشرية وكانت أمينة لهذا السر العظيم.
نطلب بشفاعتها أن تعطينا قوة لكي نعيش هذا السر العظيم ونقدمه للبشرية أجمع لأن لا خلاص دون يسوع.