متى يُسدل الستار حول قضية مرفأ بيروت؟
شهد مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت في الرابع من أغسطس ٢٠٢٠ انفجارًا ضخمًا أودى بحياة أكثر من مائتي شخص وتسبب بإصابة أكثر من ٦٥٠٠ آخرين بإصابات بالغة ملحقًا دمارًا واسعًا بالمرفأ والاحياء المجاورة له، وسبب ذلك الإنفجار كما أُثير وقتها هو تخزين كميات ضخمة من نيترات الامونيوم من دون إجراءات وقاية.
شكلت هذه المأساة واحدة من أكبر الانفجارات غير النووية ومع ذلك لم يتحرك المجتمع اللبناني لمعرفة سبب حدوثها إلا أنهم في الواقع يعيشون خيبة أمل على انتظار ظهور العدالة والتي كان يتولى أمرها في البداية القاضي فادي صوان إلا أن وزيري حركة أمل اتهماه بإهماله في قضية المرفأ وتحمل مسؤولية إظهار العدالة بعده القاضي طارق البيطار رئيس محكمة جنايات بيروت وأكد على امضاءه في تحمل عقبات التحقيق في قضية المرفأ مهما كلفه الأمر وهو يعتبرها مهمة مقدسة.
إلا أن التحقيقات التي يجريها القاضي طارق البيطار لم توصل إلى نتائج حتى الآن، لأنها لا تنفذ في واقع الأمر، حيث يتم تأجيل التحقيقات التي يقودها البيطار منذ نهاية ٢٠٢١ بسبب الدعاوى التي يرفعها مُدعى عليهم من بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون ضد البيطار والتي تثير غضب اللبنانيين بشكل كبير.
وتتسبب في انقسام سياسي مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله التي تتولى عرقلة البيطار وتتهمه مرارًا بتسيس ملف المرفأ، ومع تعليق التحقيقات المحلية التي يريد البيطار تنفيذها حتى يتمكن من إظهار العدالة يناشد المجتمع اللبناني المجتمع الدولي لإجراء تحقيق مستقل يكون تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان الذي يضم سبعة وأربعون دولة تعقد اجتماعات دورية، وفيما يجتمع المجلس الشهر المقبل، دعت إحدى عشر منظمة حقوقية محلية ودولية من بينها ووتش، وهيومن رايتس، ومنظمة العفو الدولية الأربعاء الماضي إلى طرح قرار من شأنه أن يوفد بشكل عاجل بعثة مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق بغية تحديد مسؤولية الدولة والأفراد وتحقيق العدالة للضحايا.
التلكؤ في إظهار الحقائق على قاعدة موت القضية بمرور الزمن
قال المحلل السياسي اللبناني، محمد الرز، إذا استمر التمييع بقضية انفجار مرفأ بيروت 4 أغسطس 2020 على ما هو عليه الآن، فإن الستار لن يسدل عليها ولو بعد خمسين عامًا.
وأضاف الرز في تصريحات خاصة "للفجر" ولنأخذ بعض الحقائق والوقائع المحيطة بانفجار المرفأ الذي دمر نصف العاصمة وخلّف 220 قتيلًا و6 آلاف جريح وهجر 100 ألف مواطن، ومن أبرز هذه الوقائع أن كمية2800 طن من نيترات الامونيوم جيء بها إلى بيروت عام 2012 وتم تخزينها في العنبر 12 داخل المرفأ ولم يكشف التحقيق حتى الآن عن الذي استوردها أو سمح بتخزينها.
وأردف الخبير السياسي، لقد وعد رئيس الجمهورية ميشال عون بكشف حقيقة الإنفجار بعد وقوعه خلال أربعة أيام، لكن ذلك لم يحصل حتى تاريخه، موضحًا أن هناك ضغوط واسعة مورست على المحقق العدلي الأول في قضية المرفأ فادي صوان حتى أجبر على الاستقالة، وجاءت الضغوط من كل الفرقاء، وبعد تعيين قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار، استأنف الفرقاء أنفسهم ضغوطهم عليه، خاصة عندما استدعى وزراء سابقين تابعين للثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر ووزير محسوب على سليمان فرنجية للتحقيق معهم وسرعان ما حولوا مسار التحقيق إلى خلاف سياسي واتهموا القاضي البيطار بأنه يستهدفهم علمًا إنه، أي القاضي، لم يصدر أي قرار اتهامي بحق أحد الأمر الذي جعل القضية مجمدة حتى الآن.
وأوضح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعد بتسليم لبنان صور القمر الصناعي الفرنسي وكذلك الطلب إلى الأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية في انفجار المرفأ اللبناني، إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يسلم الصور ولم يطلب التحقيق الدولي.
ويرى المحلل السياسي أن هناك اتهامات بالتقصير في الواجبات الوظيفية بحق وزراء، رفضوا الامتثال أمام المحقق، ومعظمهم تولوا حقائب الأشغال والدفاع والداخلية وحتى رئاسة الحكومة وتم تطييف القضية (أي جعلها طائفية ) تدخلت فيها المراجع الدينية فيما أنكر رئيس مجلس النواب نبيه بري مثولهم أمام التحقيق لأن القانون ينص على مثولهم أمام محكمة الرؤساء والوزراء التي لم تتشكل حتى الآن.
وأشار إلى أن أصابع الاتهام وُجهت إلى حزب الله بأنه هو من خزن المواد شديدة الإنفجار في مرفأ بيروت، لكن المسؤول السابق للمخابرات الروسية ايغادور دوغتانوف اتهم في حديث له قبل سنتين وكذلك قبل أسبوع إلى صحيفة روسية، إسرائيل بتوجيه صاروخ تكتيكي أدى إلى هذا الانفجار الكبير، موضحًا أن الوقائع كلها متضاربة، والتحليلات السياسية تشير إلى أن قضية التفجير ترتبط بما تم اكتشافه في المياه الإقليمية اللبنانية من كميات هائلة من الغاز فكان الهدف تعطيل مرفأ بيروت ومنع استخراج الغاز، فيما تذهب تحليلات أخرى إلى أن إسرائيل كانت تعلم بتخزين حزب الله لهذه المواد فأقدمت على تفجيرها، لكن كل ذلك يبقى استنتاجات، أما القضاء فهو مجمد، وتقوم الطبقة السياسية الحاكمة بتمييع التحقيق على قاعدة موت القضية بمرور الزمن.
الحقيقة الممنوعة
قال السياسي اللبناني، عبد الله نعمه، "كلنا مطلبنا العدالة لن يكون هناك ظهور الحقيقة أو العدالة في هذه القضية لأن العدالة ممنوع أن تظهر سواء من الداخل اللبناني أو من المجتمع الدولي، لا احد يجرؤ على تبيان هذه الحقيقة".
وأضاف نعمه في تصريحات خاصة "للفجر " يسمي الشعب اللبناني هذه العدالة باسم عدالة المجتمع الدولي، مشيرًا إلى عدم جدوى وعود المساعدة التي يقدمها أو سيقدمها المجتمع الدولي وأن المسؤول الحقيقي والمعتدي معروف لكن لن يُكشف عنه لا من قريب ولا من بعيد، وتبقى الحقيقة الوحيدة هي أن الشعب اللبناني ولبنان هما الضحية.