هذا وصف الحبيب محمد أيها المحب
اعرف نبيك (19).. وصف النبي محمد الفخمٌ المفخمٌ كأن البدر ساطعا
كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أجمل الناس، وأكثرهم بهاء وعظمة، وكان الصحابة ينظرون إليه، ويصفون جماله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وصف النبي الأعظم
فقال الحسن بن علي ـ واللفظ لهذا السند: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكان وصافًا ـ وأنا أرجو أن يصفع لي منها شيئًا أتعلق به، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه، إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ، من غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، ويحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج، سهل الخدين، ضليع الفم أشن، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخق، بادنًا، متماسكًا، سواء البطن والصدر، مشيح الصدر، بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالحظ، عاري الثديين، ما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شئن الكفين والقدمين، سائل الأطراف ـ [ أو قال: سائن الأطراف، سبط العصب، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفأً، ويمشي هونًا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام.
قلت: صف لي منطقه.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصلًا، لا فضول فيه ولا تقصير، دمثًا ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئًا، لم يكن يذم ذواقًا، ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها، فضرب بإبهامه اليمنى راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.
قال الحسن: فكتمتها الحسين بن علي زمانًا،ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، فسأل أباه عن مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخرجه ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئًا.
قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءًا لأهله، جزؤًا لنفسه، جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئًا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمته على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم، الأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة.
لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره.
وقال في حديث سفيان بن وكيع: يدخلن روادًا، ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة ـ يعني فقهاء.
قلت: فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر النا، ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد بشره وخلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقتصر عن الحق، ولا يجاوزه إلى غيره، الذي يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عند أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة.
فسألته عن مجلسه: عما كان يصنع فيه.
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب، جليسه أن أحدًا أكرم عليه فيه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه. من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول.
قد وسع الناس، بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق سواء، متقاربين متفاضلين فيه التقوى.
و في الرواية الأخرى: صاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لاترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته، وهذه الكلمة، من غير الروايتين.
يتعاطون فيه بالتقوى متواصفين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويرحمون الغريب.
فسألته عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه.
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يوئس منه، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، ومالا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدًا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير، إذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث.
من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب الحجة يطلبها فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام. هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع.
كيف كان سكوته صلى الله عليه وسلم ؟
قال: كان سكوته على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير.
فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى.
وجمع له الحلم صلى الله عليه وسلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء يستفزه، وجمع له في الحذر أربع أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاد الرأي بما أصلح أمته، والقيام لهم بما جمع أمر الدنيا والآخرة.