مصطفى ثابت يكتب: «المهلبية في الخدمات الرقمية»
دعاية ضخمة في كل وسائل الإعلام خلال السنوات والشهور الماضية حول منصة مصر الرقمية والخدمات التي تقدمها بسهولة ويسر إلى المواطنين، تُشعرك كأننا تخلصنا من البيروقراطية القديمة المتعلقة بالخدمات الورقية، ولكن يبدو أن هذه البيروقراطية أصبحت تجري مجرى الدم في عروق بعض المؤسسات، والتي رغم جهود الدولة في التحول الرقمي وتوفير بنية تحتية حديثة، إلا أن البعض نقل البيروقراطية معه إلى الخدمات الإلكترونية، ولم يعملوا بمبدأ «انسف حمامك القديم».
بشكل شخصي، خضت تجربة الخدمات المميكنة في التعامل مع الشهر العقاري، وذهبت إلى أحد الفروع الذي «قيل» إنه يقدم خدمات مميزة لعمل توكيلات في مول العرب، فذهبت إلى الفرع وطلبت عمل أحد التوكيلات، فطلبوا مني الحجز من خلال تطبيق على الهاتف المحمول، وبالفعل حملته على هاتفي وبدأت في تسجيل بياناتي، وللأسف فإن التطبيق صُمم بشكل فقير تكنولوجيا جدًا، وحتى الرسائل التي تصل للمستخدم تكون باللغة الإنجليزية، ولا تراعي أن البعض لا يجيدونها، واحترامًا للغة الأم للدولة.
التطبيق عندما استخدمته لم يتيح لي حجز موعد قبل يوم 10 في الشهر، وهذا أمر كارثي، لأن الخدمات الرقمية والتحول الرقمي هدفه التسهيل على المواطنين وتقديم خدمة مميزة، وهذا الفرع يحصل على 300 جنيه زيادة عن التكلفة الورقية للخدمة، من أجل تقديم خدمة مميزة ومع ذلك لا يقدم أي ميزة للمستخدم، أو قيمة مضافة، وأقل ما يوصف بأنه «مهلبية» وليس تحولًا رقميًا.
وهناك كارثة أخرى أن الخدمات كلها ليس في مكان واحد، وعندما دخلت على منصة مصر الرقمية توقعت أن تكون كل الخدمات في مكان واحد، ولكن هذا الأمر غير موجود تمامًا، والخدمات ليس بها أي قيمة مضافة، بالعكس هي زيادة في تكلفة الخدمة على المستخدم فقط، وهذا يؤكد أن هناك مشكلة وكارثة كبرى في فكر بعض مؤسسات الدولة في مسألة التحول الرقمي، وأنه مجرد تصميم تطبيق، وهذا أمر خاطئ لأن جوهر التحول الرقمي هو التسهيل على المواطن، وهو عملية تحويل للخدمات إلى شكل إلكتروني مع تسهيل طريقة تقديمها وإتاحتها بطرق مختلفة، بمعنى أن المواطن «المستعجل» يذهب إلى المنصة أو مكان الخدمة الرقمية للحصول على خدمة سريعة، ولكن هذا لا يوجد، وحتى في أماكن الخدمات الرقمية لا يوجد باركود لتحميل التطبيق، ولا يوجد تنويه بضرورة الحجز المسبق من خلال التطبيقات الإلكترونية، والموظفين لا يفهمون ما يفعلون.
إضافة إلى ذلك، وجدت عدد من المواطنين الذين تعبوا من اللف على مكاتب البريد، فقرروا أن يأتوا إلى المكتب لدفع الـ300 جنيه، ولكنهم لم يستطيعوا أيضًا الحصول على خدمة مميزة.
إنّ ما يحدث هو مهزلة مكتملة الأركان، وإهدار للمال العام، بكل المعاني، وبصفتي متخصص فإنني أنوه إلى أن هدف التحول الرقمي هو التسهيل على المواطن ولكن ما يحدث هو أننا نضيف عقبة أكبر أمامه، لأن التحول الرقمي في عمل توكيل هو الدخول على التطبيق وكتابة البيانات كاملة، وبعدها أذهب فقط للفرع لمراجعة البيانات المطلوبة في خمس دقائق، ثم يُطبع التوكيل ويُختم وأحصل عليه وأعود، هذه هي الخدمة الحقيقية التي يجب أن تُقدم للمواطن، للتسهيل عليه وعلى الموظفين أيضًا، وصاحب التوكيل بالطبع سيكون حريصًا على كتابة كل بياناته بشكل صحيح.
والسؤال هنا: لماذا يكون التحول الرقمي شكليًا فقط؟ ولا يوجد به أي قيمة لا للموظف ولا للدولة ولا للمواطن؟