اعرف نبيك (2).. مشاهد من جبر الخواطر للنبي محمد
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وأسوتنا مقتبسة، له آلاف المشاهد من جبر الخواطر، ومراعاة مشاعر الآخرين، من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من عنايته ومراعاته للمشاعر، وفيها بيان لسماحة هذا الدين العظيم وصور من أخلاق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
وعظ الناس
كان من هديه صلى الله عليه وسلم، تخول الناس بالموعظة مراعاة لمشاعرهم وخوف السآمة عليهم فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكِّر في كل خميس،فقال له رجل:ياأبا عبد الرحمن،لوددت أنك ذكرتنا كل يوم،فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة،كما كان رسول الله يتخولنا بها مخافة السآمة علينا) متفق عليه.
مواقف مع الأطفال
من صور مراعاة النبي لمشاعر الأطفال ماذكره أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله يدخل علينا ولي أخ صغير يُكنى أبا عُمير،وكان له نغر يلعب به،فمات فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرآه حزينًا،فقال:ما شأنه؟قالوا: مات نغره،فقال:يا أبا عمير ما فعل النغير).
وهذه صور من عناية النبي صلى الله عليه وسلم ومراعاته لمشاعر زوجاته وأهل بيته فقد سُئلت عائشة -رضى الله عنها- ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله"، يعني: خدمة أهله، "فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة" فهذا نبي الأمة يساعد أهله في أمور بيته.
عناية النبي محمد مع النساء
لقد حرص صلى الله عليه وسلم على تلك المشاعر حتى في وقت مايصيب المرأة من حيض ونحوه، فعَنْ عائشة رضي الله عنه قَالَتْ:(كَانَ النَّبِيُّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ) أرأيتم هذا القرب الحسي والمعنوي من زوجته رضي الله عنها وهي في هذه الحال
ومن صور حرصه ومراعاته لمشاعر زوجاته ماحدثت به صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثته، ثم قمتُ لأنقلب، فقام معي ليقلبني ) - أي ليردها إلى منزلها - فأي جمال في هذه الصورة المتألق.
وفي الحديث السابق صورة بهية أخرى من عناية النبي بالمشاعر واشفاقه على أمته فلقد مر رجلان من الأنصار، فلما رأَيا النبي أسرَعا في المشي، فقال:على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي،فقالا: سبحان الله يا رسول الله،فقال:إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرا
ومن مراعاة النبي لمشاعر أصحابه وهو قائدهم أنه كان يشاركهم في أعمالهم فمن ذلك ما أخبر عنه الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه حين قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ.
ومن مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر أصحابه زيارتهم عند مرضهم ومن تلك الصور البهية ماأخبر عنه جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه يَقُولُ: مَرِضْتُ، فَجَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي، وَأَبُو بَكْرٍ.
ومن مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للمشاعر ترغيبه في قضاء حوائج الناس قال صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) رواه البخاري ومسلم.
ومن الصور الرائعة في هذا المقام ما أخبر عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف الوقت الذي يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء قال: (وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ. كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَأُوا أَخَّر).
ومن صور البهية في هذا المقام ماحدثت به عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ).
تفقد أصحابه
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بشأن أصحابه ويقبل عليه في حديثه ويسأل عن شأنهم حتى في أدق الأمور فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا.
ومن مراعاة النبي لمشاعر أصحابه اخبارهم بالبشائر فقد بشر خديجة رضي الله عنه ببيت في الجنة وبشر أبي بن كعب رضي الله عنه فقال إنَّ اللهَ قد أمَرَني أنْ أُقْرئَك القرآنَ. قال: آللهُ سَمَّاني لك؟ قال: نعَمْ، فجعَلَ يَبْكي.
ومن الصور المشرقة لمراعاة النبي لمشاعر أصحابه دعاؤه لمن بذل جهدًا فمن ذلك ما رواه عبدالله بن أوفى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللهم صل على آلِ فلان، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ:اللهم صَلّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى.
ومن صور مراعاة النبي لمشاعر أصحابه ماذكرته عائشة رضي الله عنها حين قَالَتْ: كَان النبي يُؤْتَى بالصبيان فيدعو لهم،فَأُتِيَ بِصبي فَبَالَ عَلَى ثَوْبِه،فدعا بِماء فَأَتْبَعَهُ إِياهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ ) أرأيتم أعظم من هذا فلم يوبخ الطفل ولا من أتى به من أم أو أب– وحاشاه-.
الأعرابي الغليظ
ومن أعظم صور مراعاة النبي للمشاعر صبره العظيم فقد كان عليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبْذَةً شديدةً، أثرت فيه ثمَّ قال: يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء.. صبر.. وعطاء.. وابتسامة.
ومن الصور المشرقة لمراعاة النبي لمشاعر أصحابه وقوفه معهم في وقت المحن، ومن ذلك دعاؤه لأم أبي هريرة رضي الله عنه وقد مشركة وأسمعت ابنها في النبي مايكره فبكى وأتى النبي متكدرا فدعا لها فأسلمت رضي الله عنها.
ومن ذلك اهتمامه بما يشغل أصحابه من هم أو دين فقد دخل ذات يوم المسجد فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة،فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله،فقال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دين.
ومن ذلك اصلاحه للمشكلات الزوجية، فقد ذهب لعلي رضي الله عنه وهو مضطجع في المسجد بعد أن علم عن مشكلة حدثت مع زوجته فاطمة رضي الله عنها،فوجده قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل يمسحه عنه وهو يقول قم أبا تراب، قم أبا تراب فكانت هذه الكلمات أحب الأسماء إليه رضي الله عنه.