أعنف ما جاء في الحب.. قصة الحب الأعمى
يقولون أنها من أعنف ما جاء في الأدب الإسباني، فالقصة للروائي رافاييل نوبو، الذي سطر فكتب:
“لم أسامح أخي التوأم الذي هجرني ل ستِ دقائق في بطنِ أمي، وتركني هناك، وحيدًا، مذعورًا في الظلام، عائمًا كرائد فضاءٍ في بطنٍ أمي، مستمعًا إلى القبلات تنهمر عليه من الجانب الآخر”.
أطول 6 دقائق
كانت تلك أطول ست دقائق في حياتي، وهي التي حددت في النهاية أن اخي سيكون البَكر والمُفضل لأمي.
منذ ذلك الحين صرتُ أسبق أخي من كل الأماكن: من الغرفة، من البيت، من المدرسة، من السينما، مع أن ذلك كان يكلفني مشاهدة نهاية الفلم.
وفي يومٍ من الأيام إلتهيتُ فخرج أخي قبلي إلى الشارع، وبينما كان ينظر إلي بابتسامته الوديعة، دهستهُ سيارة، أتذكر أن والدتي، لدى سماعها صوتُ الضربة، رَكضت من المنزل ومرت من أمامي، ذراعاها كانتا ممدودتان نحو جثة أخي لكنها تصرخُ باسمي،
حتى هذهِ اللحظة لم أصحح لها خطأها أبدًا.. مت أنا وعاش أخي".
إلى هنا انتهت القصة.
قصة الحب الأعمى
انتهت لتبدأ قصة الحب الأعمى، الذي هو أسوأ من عمى الأبصار التي قد يهديها حدسٌ قلبي وتقوية في حواس أُخرى كالسمع، يُهديها الله لكل كفيف، انتهت القصة لتبدأ ضلالة المحب إن هوى من فوق سُلطان سلامه النفسي نحو الاضطراب المُدمِّر..
لذا صار الحب أعمى.. صاحبُنا البائس في المشاهد السابقة أحب حبًا أعمى بصيرته عن العطاء، فجعله أنانيًا يريد أن يسبق في كل حين وكأنه يحاول يرد للقدر صفعة، وما القدر له بصافع. لكنه في لحظة أراد أن يستاثر بالمشهد كله.. الطلَّة.. الإعجاب.. الاهتمام.. الانجذاب.. حتى البداية والنهاية، لم يصبر حتى يرى حصيلة الأحداث.
عقاب النفس الأخرى
لقد آثر عقاب النفس الأخرى – والدته – دون اكتراث لما قد يفعله، فقد انمحى هو أمام ذاته من الوجود ليكون ذاتًا أخرى، فعاش بذوق آخر، ومزاج آخر، وتعاطف آخر، وحبٍ آخر لم يصْبْ إلى ما كان فيه راغبًا. لكنه على النقيض من هذا عاش حُزنه لا حزن أخيه، وجعه هو لا وجع أخيه، فقده هو لا فقد أخيه، حتى الرحمات والدعوات ذهبت إلى آخر.
لعلّه عاقب روحه التي صارت مُعلَّقة بين حياة لا هي حياته وموت لا رحيل فيه، فقط استمتع بمشاهد الانتقام التي لن تُشقي غيره، وتحاسب نفسًا غير نفسه، ولن تجلد روحًا غير روحه تنزف في كل يوم من جراح الندم؛ ليتجرَّع هذا المسكين من دماء الحسرة ولا يرتوي من ظمأه.. فقط عاش الموت، ومات في الحياة.
الكثيرون يفعلون ذلك، ينسون أن ذواتهم لن تكتمل حتى برحيل خصومهم أو أندادهم الذين يسبقونهم في الحضور ويكسبون المشهد مع أول ظهور، والحل يكون بسيطًا بان تبحث مع ذاتك عن جديد تكتسبُ فيه طلَّة وأن ترحل عمن يؤذيك، فتسْلَم.
الطمع
لكنّه الطمع الذي جعل من قابيل أول قاتل في العالم بين البشر، وخلق من الشيطان رجيمًا مُبلِسًا يؤوسًا من رحمة الله، وجنَّبنا أن نعمُرَ جنَّةً في الأرض فانغمسنا في صراعات أفقدتنا الهدف الذي جئنا لأجله على هذا الكوكب، وأخفى عنَّا أنوار الروح فصرنا في ظلام المشاهد المُجرِمَة التعيسة..
إلَّا أن درسًا مُستفادًا مفاده: "القاتلُ قاتلُ نفسه، والرحيم رؤوف بقلبه قبل قلوب سواه".
ودُمتم.