لحظة الحقيقة "لجو بايدن" في الشرق الأوسط
تأتي رحلة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط في لحظة حرجة لهذه المنطقة المضطربة، حيث تقف التوترات بين إيران وإسرائيل من جهة، وعدد من دول الخليج العربي من جهة أخرى على مفترق طرق بين احتمال عودة الولايات المتحدة وإيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
وبعد أن أمضى بايدن، عامه الأول في المنصب محاولا ً تجنب الانخراط العميق في الشرق الأوسط مع إعطاء الأولوية للتحديات في الداخل وفي أجزاء أخرى من العالم مثل الصين وروسيا، يقوم الرئيس بايدن الآن بتحويل الدفة وتكريس المزيد من الوقت والاهتمام بالشرق الأوسط، لأنه أدرك أن ما يحدث في المنطقة، لا يزال له تأثير كبير على اقتصاد العالم والاستقرار العالمي.
و¬¬بالنظر إلى الوضع الحالي في الشرق الأوسط، من غير المرجح أن تؤدي زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة في الفترة من 13 إلى 16 يوليو إلى تطورات كبيرة على المدى القصير، وتبدو احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران والتقدم على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية قاتمة في هذا الوقت، ولا تزال الصورة العالمية الأوسع للطاقة والصورة الاقتصادية غير مؤكدة، مهما كانت الإعلانات والالتزامات التي يتم إصدارها خلال الرحلة، فستتطلب مشاركة أكثر ثباتًا وواقعية من قبل الولايات المتحدة على مجموعة من الجبهات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية.
كما أن زيارة بايدن المُخططة لإسرائيل والضفة الغربية قد تكون في صالح المنتقدين، الذين اتهموا الولايات المتحدة بعدم الضغط بما يكفي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية، وفي الوقت نفسه حشد جهود كبيرة من أجل مواجهة الاحتلال الروسي لأجزاء من أوكرانيا.
وتأتي زيارة المملكة العربية السعودية، الغنية بالنفط في الوقت الذي أدت فيه الحرب الروسية في أوكرانيا إلى اضطراب أسعار الطاقة، مما أدى إلى تكهنات بأن النفط هو السبب الحقيقي لزيارة الرئيس بايدن، لكنه رفض ذلك قائلا "إن الهدف الحقيقي هو القمة الأوسع للزعماء العرب في المملكة العربية السعودية، وهو اجتماع يرى أنه يعزز مصالح الأمن القومي لإسرائيل".
حيث أدت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة على مستوى العالم، وكانت هذه نعمة لمصدري الطاقة في الخليج، لكنها فرضت ضغوطًا هائلة على مستوردي الطاقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك المغرب، وتونس، ومصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، وتركيا، واليمن. كما تضرر مستوردي الطاقة بشدة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الاتجاهات التضخمية السابقة التي أدت إلى ارتفاع تكلفة السلع الأساسية مثل الخبز.
ويأتي هذا بعد أكثر من عامين من الوباء الذي أحدث تباطؤًا في النمو الاقتصادي العالمي، وزيادة الإنفاق الحكومي، وتزايد المديونية، ومن المرجح أن تشهد الأشهر المقبلة عودة للاضطرابات الاجتماعية واسعة النطاق في البلدان غير المنتجة للنفط، ناهيك عن تدهور الأوضاع بشكل يائس في بلدان الحرب الأهلية، ولا سيما سوريا واليمن، ودولة لبنان المتردية بشكل متزايد.
علي صعيد آخر، تحتفظ الولايات المتحدة بمجموعة واسعة ومتنوعة من العلاقات عبر الشرق الأوسط، وتتيح زيارة بايدن فرصة لتشجيع دول المنطقة على العمل بشكل وثيق مع بعضها البعض لتحمل مسؤولية أكبر في شؤونها الخاصة على جبهتين رئيسيتين.
* أولا ً: دعم الجهود الإقليمية لمعالجة الأمن البشري، برتبط محور التحديات الرئيسية في الشرق الأوسط ارتباطًا مباشرًا بشعوب المنطقة، فعلى مدى عقود، حددت العديد من الدراسات نقاط الضعف المُتوطنة في الحكم، والنماذج الاقتصادية التي عفا عليها الزمن، والسياسات الاجتماعية العالقة في الماضي، في أجزاء معينة من الشرق الأوسط.
حيث يعمل القادة الجدد للمضي قدمًا في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وربط اقتصادات بلدانهم بالآخرين في المنطقة وبقية العالم، ويجب على الولايات المتحدة تشجيع هذه الاتجاهات من خلال لعب دور بناء يساعد في تحفيز هذه التغييرات ويدعم الجهود الرامية إلى تعزيز حوكمة أكثر فاعلية تستجيب لشواغل شعوب المنطقة.
و بالنظر إلى الضغوط الاقتصادية المتجددة، فإن للولايات المتحدة مصلحة في تشجيع دول المنطقة على أن تكون أكثر استجابة لشعوبها على الجبهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا ً: تشجيع اتجاهات خفض التصعيد والتكامل الإقليمي، حيث لا يزال الشرق الأوسط بؤرة للنزاعات والتوترات المعقدة، مع حرب الظل المستمرة بين إيران وإسرائيل، فضلًا عن الحروب الأهلية المستمرة بالوكالة في اليمن وسوريا وليبيا. لكن في الوقت نفسه، كانت هناك جهود جديدة على مدى السنوات القليلة الماضية من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية لمتابعة المحادثات، وتقليل التوترات، والبحث عن الانفتاح لتجنب صراعات أوسع. ويمكن للولايات المتحدة، نظرًا لاتصالاتها الواسعة وعلاقاتها الأمنية الثنائية الواسعة في جميع أنحاء المنطقة، أن تلعب دورًا مهمًا في طمأنة الجهات الإقليمية الفاعلة بأنها ستكسب المزيد من تصعيد النزاعات وفتح مجالات جديدة للتعاون.
هذه العناصر هي أجزاء رئيسية من إطار عمل أوسع لمشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، واعتقد لن تحقق زيارة واحدة للرئيس الأمريكي لمدة أربعة أيام الكثير، لكنها يمكن أن تبشر بمرحلة جديدة من المشاركة الأمريكية في المنطقة.. مرحلة أكثر نضجًا وواقعية وتركز على تمكين القوى من أجل تحقيق أهداف إيجابية للتغييرداخل المنطقة.
من ناحية أخري، تعتبر إيران، التي تمثل أولوية السياسة الخارجية لإسرائيل والمملكة العربية السعودية والعديد من الدول الإقليمية الأخرى، نقطة شائكة رئيسية، ويعارض معظم الحلفاء الإقليميين جهود إدارة بايدن لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني، ويرون أنه يقدم الكثير من التنازلات لطهران ويخشون ألا تصمد الولايات المتحدة بشكل عام في وجه العدوان والتخريب الإيراني، وسط تصاعد الضربات الصاروخية الإيرانية المنتظمة على العراق، والضربات الصاروخية من حلفاء إيران "الحوثيين" في اليمن على المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
ويبدو أن المحادثات النووية تتعثر، وستحتاج إدارة بايدن إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستحاول إحيائها مع المخاطرة بمزيد من استعداء الدول الإقليمية أو التخلي عنها فقط للعمل على التحدي التالي، وهو كيفية إنشاء خيارات دبلوماسية - وعسكرية – أخرى، وربما يساهم هذا في استكمال القنبلة الإيرانية ويضمن الأمن الإقليمي لإيران.
فالمنطق السعودي الخليجي بإبراز دور أمني ثابت للولايات المتحدة في الشرق الأوسط متجذر في الاضطرابات التي سببتها حرب العراق وتفاقمت بسبب ما يسمى بالربيع العربي، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى سلسلة من الأخطاء التي اتخذتها الولايات المتحدة في العقدين الماضيين دون استشارة المملكة العربية السعودية، والتي ساهمت في ظهور إيران كتهديد إقليمي.
على سبيل المثال، لعبت الولايات المتحدة مع خطوط الصدع الطائفي في العراق، وسلمت مصير البلاد إلى إيران، ثم رفضت دعم المقاومة العربية ضد النظام السوري، مما سمح لروسيا وإيران بإقامة موطئ قدم في سوريا.
فمنذ عام 1979، دأب آيات الله في إيران على تعريض السلام والاستقرار للخطر في الشرق الأوسط وخارجه، مع رفع شعار "الموت لأمريكا"، حيث زعزعت إيران ووكلائها استقرار العالم العربي بمخططاتهم الخبيثة، وعانت المملكة العربية السعودية واليمن والعراق وسوريا ومصر وأفغانستان بشدة على أيديهم.
و هاجم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بشكل مباشر المصالح الأمريكية في المنطقة وهما مسؤولان عن سلسلة من الاغتيالات وعمليات الخطف الدولية، وبالرغم من ذلك، بعد ظهور دليل على أن إيران كانت تنوي تطوير أسلحة نووية، كافأت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما طهران باتفاق نووي في عام 2015، واشتدت الحرب في اليمن في نفس العام، حيث تمردت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الحكومة الشرعية للبلاد، وبدأوا في تعريض الأمن السعودي للخطر.