المصري القديم اكتشف صوت القلب وشخص أمراضه
"قبل جالينوس" الشماع: المصري اكتشف صوت القلب وعلاقته بالمشاعر.. وشعبان يؤيد: "استطاع تشخيص أمراضه"
هل عرف المصري القديم طب القلب؟ سؤال يجب أن نطرحه عندما نشاهد الاهتمام الكبير من أجدادنا بهذا العضو الصغير أعضاء الجسد، فالقلب لديهم هو المتحكم في الحياة، وهو الذي ينجي صاحبه بعد الممات أو يخزيه، ومن هنا كان موضوعنا عن طب القلب في مصر القديمة.
القلب في الهيروغليفية
قال بسام الشماع المؤرخ المعروف وعضو الجمعية التاريخية في تصريحات إلى الفجر، إن القلب عند المصري القديم كان يُطلق عليه أسماء منها، "إب"، وبالهيروغليفية كانت تأتي كلمة إب بمعنى قلب وإرادة ورغبة، وقد ربط المصرى القديم بين القلب والإرادة، ولازلنا إلى اليوم نردد لمن نريد أن نقوي ونشحذ همته وإرادته "جمد قلبك".
أهمية القلب عند المصري القديم
وتابع الشماع وكانت قوة وأهمية القلب عند المصري القديم أكثر من العقل، فقد اعتقد أن القرارات معظمها مصدرها القلب وليس العقل حسب اعتقاد المصرى القديم، وكان القلب هو مِقعد الحكمة ومصدر الضمير ومخزن العدالة ومصدر الحق.
نظرية حديثة
وأشار إلى أن هناك نظرية في الغرب تعتبر القلب هو المخ الثاني أو المخ الطرفي لاحتوائه علي عشرات الآلاف من الخلايا العصبية كاملة النضج والتكوين مما يتعدى وظيفة الربط بين المخ والقلب بل يمكن اعتباره المخ الطرفي لذلك يعتقد بعض العلماء أن القلب ليس مجرد مضخة صماء تضخ الدم في الشرايين لتغذية ١٠٠ تريليون خلية تكون الجسم البشري لكنه مخزن للعواطف والمشاعر وأن المجال المغناطيسي للقلب أقوي من المخ ألف مرة بل وذاكرة القلب تسبق ذاكرة المخ.
الاعتقاد مصري قديم
ولذا كان القلب عند المصري القديم -والكلام للشماع- يحوى كل أفعال الشخص سواء كانت أفعال طيبة أو غير طيبة، ويوجد عبارة هيروغليفية تقول "ن إب ن" بمعنى نظرًا إلى أو بمعنى من جرَّاء.
أنواع القلوب عند المصري القديم
وتابع الشماع، وكانت كلمة "إب" تدخل فى عبارات مُركبة أخرى فمثلًا، عبارة "وبا - إب" بمعنى (قادر أو ذكي)، وهذا إثبات أن القلب عند المصري القديم له علاقة بالقدرة والذكاء، إذًا فقد اعتقد أن الذكاء كان يأتي من القلب وليس مصدره من العقل وفقط، وكلمة "وبا" عندما تأتي منفردة بمعنى "سبح"، فإذا استخدمنا الكلمة منفصلة يكون معناها "سبح القلب" أي أن القلب يكون مفتوح.
وأيضًا لدينا كلمة "واح - إب" بمعنى: "يكون صبورًا أو حليمًا أو رحيمًا"، وهنا القلب له علاقة بالصبر والرحمة، وعبارة "حا (ى) ت - إب "بمعنى: "هم أو غم أو حزن".
وهنا أدخل المصرى القديم القلب فى المشاعر، فالحزن يكسر القلب، وحاليًا لدينا متلازمة القلب المنكسر بسبب الصدمات العاطفية وموجات الحزن الشديدة Catecholamine storm وهي كمية هائلة من هورمونات الغضب والحزن تودي إلي تقلص في الشرايين التاجية وشلل وتوقف جزء من القلب نتيجة الحزن الشديد، كما أن لدينا عبارة "ساو - إب" بمعنى "شرح صدره" ومعنى الجملة حرفيًا "تمدد القلب".
هل يتمدد القلب؟
ومن ناحيته قال الدكتور جمال شعبان أستاذ أمراض القلب المعروف، إن مصطلح coronary vasodilator reserve يعني قدرة الشرايين التاجية علي التمدد مع الضحك الذي تهتز له عضلات البطن والسعادة نتيجة انبعاث NO Nitric Oxide الذي يؤدي إلي تمدد وانبساط الشرايين التاجية.
هل عرف المصري القديم صوت القلب
وتابع بسام الشماع، ضرب القلب بمعنى ضربات القلب أطلق عليها المصرى القديم بالهيروغليفى "دِب دِب"، وأصوات القلب التي يستمع إليها طبيب القلب بالسماعة الطبية أو مجس الموجات الصوتية Lub Dub لاپ داپ وهي تعبر عن انتظام إيقاع القلب وصماماته ووظيفته الانقباضية والانبساطية
وتسمية المصريين القدماء صوت القلب دب قريب من الاسم الانجليزي Dub فهل توصل الفراعنة إلي أصوات القلب؟ وربما هذا يعني أن المصري القديم كان قد تعرف على ضربات القلب ودرس هذه النبضات فى حالات السرعة وغيرها، وكلمة "دب دب" قريبة جدًا من مقطع أغنية تقول (يا ناس أنا دوبت فى دباديبه لمصطفى قمر) على سبيل الطرافة.
هل ربط المصري القديم بين الطعام وأمراض القلب؟
قال الشماع، عبارة "دنس -إب" بمعنى (يتعمد إخفاء الكلام)، ومن الصفات التشريحية التى لها علاقة بالقلب فى علم الطب المصرى القديم (المعدة) وكانت تسمى فى مصر القديمة "إر - إب"، ولكن الكلمة حرفيًا تعنى "فم القلب"، وفسر المؤرخ بسام الشماع هذه الجملة بأن، كل ما يدخل إلى المعده فإنه يؤثر على القلب.
سلامة القلب من المعدة
ومن ناحيته قال الدكتور جمال شعبان، بالطبع سلامة القلب تبدأ من المعدة وكلما كان الأكل قليلًا وصحيًا كلما كانت صحة القلب وشرايينهمستقرة، وأيضًا اختلال وظائف المعدة والجهاز الهضمي (المخ الثالث الميكروبيوم) كلما اختلت وظيفة القلب وكهرباؤه Gastrocardiac syndrome.
ويعد هذا دليلًا -والكلام للشماع- على أن المصري القديم عرف وربما فكر بالضرر الموجود فى المأكولات مثل الدهون الضارة التي تؤثر على القلب والشرايين.
هل مرض المصريون القدماء بأمراض القلب
ويقول بروفسير "جون إف نن" فى كتابه "الطب المصرى القديم" إن "المصريين القدماء لم يعانوا من أمراض قلبيه باستثناء بعض علامات تصلب الشرايين وتكلس الشرايين الكبرى.
واعتقد المصرى القديم بأن القلب يتكلم من خلال الأوعية الطرفية التى تسمى بالهيروغليفية (ميتو)"، وترجم "نن" بأنها الإحساس بالنبضوقد ذُكر هذا بالتفصيل فى "بردية إيبريس" فقرة رقم ٨٥٤ أ "Epers papyrus 854 A، والتي ترجمها بروفسير "نن"، وهو ما يوثق أنالمصري القديم قد عرف النبض قبل العالم الطبيب "جالينوس" اليوناني.
وقال الشماع إن كلمة "إب" أصبحت "حاتي"، وهي تحمل معنى أكثر دقة من الناحية التشريحية، وهذا من وجهة نظري يثبت أن المصري القديم يتطور فى دراسة الطب والتشريح من مرحلة إلى أخرى.
ولدينا كلمة "أمد "amed وهذه كلمة تشرح بدقة "هبوط خطير فى القلب مع غياب النبض"، وكلمة "سوش" sewesh وتعنى (مضغوط)وفى البردية تعنى (إمتلاء القلب بالدم) وهنا وصف دقيق لتشريح القلب ورصد لأمراض.
وكلمة "روت" بمعنى "يرقص" وفى البردية بمعنى (القلب يتحرك يسارًا)، وهنا يفسرها بروفيسور "نن" بأنه نوع معين من إضطراب نبضالقلب، وكلمة "نپا Nepa" بمعنى (يرفرف) ومعناها فى البردية حركة القلب إلى أسفل، وكلمة "وشر Wesher" بمعنى (يجف) ومعناها فىالبردية تجلط الدم داخل القلب.
وكلمة "إو - إب" بمعنى (الفرحة) وهذا يدل على أن القلب كان مكان المشاعر، ولكن المعنى الحرفى للكلمة (القلب الكبير).
تشخيص حالة لرجل مصري قديم
وتابع الشماع في "بردية إيبريس الفقرة ٢٠٧" تم ذكر الحالة الأتية، "فإذا قُمت بفحص هذا الرجل فستجد قلبه يصدر ضوضاء ووجهه شاحبًا وقلبه يدق عاليًا بطريقة ملحوظة دب دب إذا قمت بفحصه ووجدت قلبه ساخنًا وبطنه منتفخة فهذا يشير إلى وجود ورم عميق داخلالبطن وربما يكون قد تناول لحمًا مشويًا، يجب عليك أن تركز إهتمامك وتعمل على إخراج هذا اللحم من معدته
وغسيلها (وهنا دليل موثق على أن المصرى القديم قد عرف غسيل المعدة) وعليك أن تعطيه مُسهلًا (بمعنى المُلين) لإخراج ما فى أمعائه عنطريق الفم....."
ويستكمل النص ليقول ".... يجب عليك أن تستيقظ مبكرًا لتفحص المريض وتراقب ماقد يكون خرج من شرجه، وهذه هى حالة تسمم غذائى.
ألقاب الأطباء في مصر القديمة
وقال الشماع يوجد ألقاب كثيرة للأطباء فى مصر القديمة منها، "ور سونو" بمعنى السيد الطبيب، أو الطبيب الكبير أو الطبيب العظيم، وهذااللقب تم رصده لـ ٥٢ طبيب فى مصر القديمة.
ويصف "هيرودوت" ماحدث قبل الغزو الفارسى لـ بابل حين طلب "سيروس الثانى" الملك الفارسى الذى استولى على بابل سنة ٥٣٩ ق.م(أبنه "قمبيز" مؤسس الأسرة الفارسية الـ ٢٧ فى مصر عام ٥٢٥ ق.م.)، وطلب "سيروس الثانى" من الملك "إيعاح مس الثانى" أن يرسل لهأكبر الأطباء المتخصصين فى طب العيون.