مؤرخ يثبت موعد وفاة الملك توت عنخ آمون
بدراسة "لوحة جرانيتية وأنواع نباتات".. "الشماع" يحدد بدقة موعد وفاة توت عنخ آمون (صور)
يُثبت لنا علم الآثار يومًا بعد يوم أنه المصدر الرئيسي للتأريخ، وأن الأثر ما يأتي دومًا ليصحح ما كًتب في الخبر، فالمصادر التاريخية المكتوبة “الأخبار عن من وما مضى” قد يداخلها ما يداخها من الهوى البشري، أما الأثر فهو إثبات دامغ تركه لنا أصحاب الأخبار أنفسهم، واليوم بين أيدينا لوحة جرانيتية للملك توت عنخ آمون محفوظة فى متحف "لوڤر أبو ظبى" تحت رقم “L AD 2016.017”، ويظهر عام ٢٠١٦ وهو العام الذي تم فيه بيعها للوفر أبوظبي من لوفر باريس في قضية مدير اللوفر الشهيرة.
وتناول اللوحة بالتحليل المؤرخ المعروف بسام الشماع عضو الجمعية التاريخية، حيث قال إلى الفجر في تصريحات خاصة وحصرية، أن اللوحة تجيب عن سؤال هام للغاية وهو متى مات توت عنخ إمن؟، وهي تعتبر بحث تجميعى هام، قراءة ونقل ودراسة وتحليل جديد، من واقع لوحة جرانيتية نادرة، والإكليل الوردي الجنائزي.
اللوحة الجرانيتية للملك
قال بسام الشماع إن "توت عنخ إمن" هو ملك مصري والمعروف عند أغلب العلماء أنه حكم لمدة نحو ١٠ سنوات وتوفي في سن صغيرة عن عمر يناهز حوالى ١٩ عام.
وصف اللوحة
وصف الشماع اللوحة في النقاط التالية:
- لوحة جرانيتية نادرة من منطقة أبيدوس الاثرية بجانب البلينا بمحافظة سوهاج، تُعلن وتوثق بيان أو مرسوم ملكى عن طريق نقش واضح لنص هيروغليفي.
- يُذكر في النص تاريخ التوثيق بشكل دقيق ومحدد وسهل الترجمة في بداية النص والخرطوش الملكي الذي يحوي أسماء الملك مثل اسم التتويج "نب خبرو رع" ومعناه صاحب هيئة رع، واسم الميلاد وهو "توت عنخ إمن حقا إيون شمع" ومعناه الصورة الحية لـ إمن، حاكم إيون الجنوبية (طيبة الأقصر)، والنصوص والألقاب الملكية مثل "نب تاوي" أي "سيد الأرضين" ويعني الجنوب والشمال.
- النص يتضمن تأكيد لحماية كاهن أعلى من "معبد أوسير" أو (أوزوريس).
- منحوت في الجزء العلوي من اللوحة مسؤول ذو حيثية هامة مع الملك "توت عنخ إمن" اسمه “پا إن نيسيت” "pa n nesit".
- اللوحة عبارة عن لوحة من الجرانيت الوردى مستطيلة وواقفة ذات قمة شبه قببية تبين شكل جزء علوى من دائرة غير مكتملة.
- يرجع تاريخ هذه اللوحة الجرانيتية إلى عام ١٣٢٧ قبل الميلاد، وهو زمن حكم الملك الذهبي الصبي توت عنخ إمن.
- مقاسات اللوحة ١٦٦سم × ٨٢ سم × ٢٦سم، مُسجلة فى متحف "اللوڤر أبو ظبى" تحت رقم “L AD 2016.017”، ويظهر فى الرقم بجلاء عام ٢٠١٦ وهو العام الذى تم بيعها للوفر أبوظبي من قبل اللوفر باريس.
أهمية اللوحة
قال المؤرخ بسام الشماع إن اللوحة إثبات أنها ربما تكون واحدة من أواخر الآثار التي حملت اسم ومناظر للملك “توت عنخ إمن”
وربما تكون قد تم الانتهاء منها قبل وفاة الملك "توت عنخ إمن" بشهور قليلة، أو ربما توقف العمل بها عند وفاته وهذا ما يشرح وجود فراغ كبير غير معتاد فى أسفل اللوحة، فهل حدث أن اللوحة لم تكتمل بسبب وفاة الملك؟
اللوحة -والكلام للشماع- لم تكن فى مقبرة الملك "توت عنخ إمن" لأننا لم نراها تدرس أو تذكر مع مجموعة المقبرة رغم تميزها وتفردها، وهي مصنوعة بيد الكاهن المرتبط والمبجِل للملك وليست مصنوعة خصيصا للمقبرة، وأيضا لأننا هُنا نتحدث عن "أوسير" أو (أوزوريس) و"أوسير" معبده ومدفنه فى منطقة "أبيدوس" (العرابة المدفونه كيلومترات من قرية البلينا بمحافظة سوهاج بجنوب مصر).
اللوحة تبين فى نصها نوع من التكريم للكاهن "پا إن نيسيت pa n nesit"، كما أنها تؤرخ في بدايتها من أعلى صدور هذا المرسوم بالتفصيل حيث يقول النص: "في العام التاسع من الشهر الثانى من موسم "آخت" أى الفيضان فى اليوم الـ١٢".
وقال الشماع أؤكد أن موسم آخت الفيضان وهو بداية العام الجديد عند المصري القديم يبدأ في يوم ١٩ من شهر يوليو من كل عام بالتقويم الجريجورى وهو التقويم الذي نتعامل به حاليًا، كما أؤكد أن بداية موسم آخت هو أيضًا بداية للعام الجديد لدى المصرى القديم.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة من فترة حكم الملك "توت عنخ إمن" فترة غامضة، وذلك لما حدث من اضرابات وقلاقل لمصر أثناء حكم الملك "آخناتون"، والده، من تغيير المعبود من "إمن" إلى "إتن" وتأسيس عاصمة جديدة لمصر بـ "تل العمارنة" بدلًا من "طيبة" وما أتبع ذلك من حدوث مناوشات وإشكالية كبيرة بين كهنة المعبودين، ثم يموت "آخناتون" بعد فترة حكم دامت ١٧ عام، وينتقل الحكم إلى توت عنخ إمن الذي يعود بالبلاد إلى المعبود "إمن".
وأضاف الشماع إلى أنه بعد حسابات مُعقدة أجراها العالم الفرنسى "جابولد" توصل إلى أن التاريخ الموثق على اللوحة يوافق ٢٧ أغسطس ١٣١٨ ق.م وذلك وفقًا للتقويم اليولياني، نسبة إلى يوليوس قيصر، ويوافق ١٥ أغسطس ١٣١٨ ق.م وذلك وفقًا للتقويم الجريجورى.
وتابع، النص المنقوش على اللوحة باللغة الهيروغليفية، هو عبارة عن مرسوم ملكي وطبقًا
للمصدر المُطلع على دراسة اللوحة، يثبت أن هذه اللوحة قد تم نقشها فى فترة تتراوح من ٤ إلى ٦ شهور قبل وفاة الملك “توت عنخ إمن”.
ونوه الشماع أن هذا المصدر المبهم الذي استقينا منه تلك المعلومات ليس مصدر بالنسبة لى ولكنها دراسة يجب ذكرها.
وأضاف، ظرة إلى اللوحة فى الجزء الأسفل منها يوجد جزء فارغ ليس به أي كتابة أو نقوش وهذا شيئ غير معتاد بالنسبة لـ اللوحات فى مصر القديمة وذلك دليل على توقف النص باللوحة لحدث ولسبب ما و ربما لوفاة الملك.
متفردات اللوحة
وسرد الشماع إلى الفجر عدد من النقاط التي تتميز بها هذه اللوحة كالتالي:
- الجزء العلوي من اللوحة الجرانيتية نجد أنها مقسمة جزئين وهذا غير معتاد بالنسبة لـ اللوحات الحجرية لـ توت عنخ إمن.
- أعلى اللوحة على إحدى الجانبين يوضح المرسوم الملك "توت عنخ إمن"، وهو يرتدى تاج خبرش الأازرق وهو تاج النزال العسكري، يعطي هبات وعطايا لـلمعبود الأسطوري "أوسير" (اوزوريس).
- الجانب الآخر مشهد ثاني للملك "توت عنخ إمن" يرتدى التاجين الأبيض والاحمر ويتلقى هبات على شكل سكب سائل من آنية من مسؤول ذو حيثية يسمى "پا إن نيسيت
pa n nesit"، وهذا الطقس عبارة عن سكب سائل من آنيه للملك "توت عنخ إمن". - ظهور الملك "توت عنخ إمن" فى مشهدين مختلفين أمام شخصيتان مختلفتان فى لوحة واحدة واحد من البشر والاخر معبود، وهذا نوع من أنواع التفرد والندرة فى تاريخ لوحات حجرية لهذا الملك في مصر القديمة.
دلالات الأكاليل الجنائزية
وقال الشماع "حاولت الربط والمقارنة الزمنية بين أكاليل الورد الجنائزية المستخدمة في مراسم جنازة ودفن الملك "توت عنخ إمن"، والتي اكتشفت في ١٩٠٧م بوادي الملوك عن طريق ديفيز وأيرتون في خبيئة وادي الملوك رقم ٥٤، وبين توقيت توثيق نص اللوحة.
وعندما تم عرض أنواع النباتات والزهور والفاكهة وأوراق الشجر المصنوع منها الأكليل على الدكتورة "هبة بدير" المتخصصة والمعيدة فى كلية العلوم جامعة طنطا والتي قامت مشكورة بدراسة النباتات المستخدمة فى صناعتها وفترة تواجد وازدهار هذه النباتات في أي من مواسم لأنى كنت أصبو إلى إثبات متى مات الملك بالضبط من خلال وقت ازدهار وظهور هذه النباتات وبالتالي تكون موجودة في بساتين مصر في وقت وفاته فيتم قطعها واستخدامها بيسر وسهولة لأنها متوفرة.
وتابع الشماع، "قد جاء لي رد الدكتورة هبة بدير كما توقعت بالضبط، ووجدت أن:
- بتلات زهور اللوتس الأزرق petals of blue lotus، الموجودة في الإكليل الجنائزي للملك توت عنخ إمن، فترة ازدهارها تكون من بداية شهر يوليو حتى نهاية الصيف.
- زهرة Nightshade:Berry فترة وجودها تكون من شهر يوليو حتى نهاية سبتمبر ولكنهم استخدموا الـثمرة منها وليس البتلات، وفترة ازهار الثمرة من هذه الثمرة من أواخر شهر أغسطس وحتى نهاية شهر سبتمبر.
- زهرة الخشخاش poppy، وهو نبات حولي، يعيش لمده ١٢٠يوم فقط ويتواجد فى فترة الصيف.
- شجرة الزيتون هي شجرة معمرة وأوراقها غير متساقطة وتظل موجودة طول السنة فلو تم استخدام الزهرات من النبات فإن فترة أزهارها تكون مابين شهر إبريل إلى شهر يونيو.
- شجرة البرساء هى شجرة معمرة مثل الزيتون مورقة طول العام.
- Cornflower فترة إزهار هذا النبات تبدأ من شهر مايو حتى نهاية شهر يوليو، This species flowers from May to July as well.
وقال الشماع من كل هذا نستنتج أن أكاليل الورد الجنائزية المستخدمة فى مراسم دفن الملك "توت عنخ إمن" والتي اكتشفت فى ١٩٠٧م بوادي الملوك بها هذه النباتات والأوراق النباتية والشجرية، والتي تثبت أنه مات في فصل الصيف.
وتابع إذا نظرنا إلى أسفل اللوحة الجرانيتية نجد أن هناك مساحة كبيرة فارغة ليس بها نقوش أو نصوص مما يشير إلى أنه ربما لم يكمل الكاتب نقش النص وذلك ربما لموت الملك فجأة فى السنة التاسعة من حكم الملك إبان الشهر الثاني من موسم الفيضان يعني حوالى شهر سبتمبر بالتقويم الميلادي الآني طبقًا للتاريخ المذكور أعلى النص، لأنه إذا كان الفراغ ناتج عن أن النص أصغر من اللوحة لكان حل الإشكالية سهل ألا وهو قص أو قطع الجزء الأسفل الفارغ من اللوحة، وبالتالى نستطيع أن نستنتج بأن توت عنخ إمن حكم مصر لمدة تسعة سنوات وليس عشرة كما هو متعارف عليه، وأنه مات صيفًا.