د. نصار عبدالله: تيسير الإجراءات أم تعسيرها؟!
رغم الحديث المتكرر عن تيسير الحق فى التقاضى وكفالته لكل مواطن، وهو ما نصت عليه سائر الدساتير المصرية بما فى ذلك الدستور المعمول به حاليا (دستور ٢٠١٤)، رغم ذلك فإننا بين الحين والحين كثيرا ما نفاجأ ببعض التشريعات أو التعليمات أو الكتب الدورية التى تكبل حق المواطن فى التقاضى أو تعسره عليه عسرا شديدا، بل إنها فى بعض الحالات تحرمه منه نهائيا وتجعله معلقا على إرادة جهة تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للسلطة التنفيذية ونعنى بها النيابة العامة!. الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ومن ثم فسوف أكتفى بذكر بعض ما استحدث منها، وأبدأ بما تقرر فى عام ٢٠١٨ من عدم السماح لأى مواطن بأن يقوم باستخراج صورة رسمية من إعلام الوراثة الخاص بأى مواطن آخر إلا إذا كان المتقدم لاستخراج تلك الصورة واحدا من الورثة أنفسهم، وبشرط الحصول على موافقة من وكيل النيابة المختصة!!. ولكى نوضح للقارئ مدى فداحة هذا الحظر ومدى تكبيله لحق المواطن فى التقاضى أو حرمانه منه نهائيا.. سوف نضرب له المثال الآتى الذى هو ليس مجرد افتراض نظرى، ولكنه حالة عملية متكررة يوميا بالنسبة للآلاف وربما للملايين من المواطنين.. هب مثلا أنك دائن لمدين مماطل.. وأن هذا المدين ظل يماطل فى سداد الدين إلى أن انتقل إلى رحمة الله دون أن يوفى بما هو عليه.. ومن ثم فلم يعد أمامك سوى أن تحاول التحرى عن أسماء ورثته لكى تطالبهم بما هو مستحق على مورثهم.. فيما مضى، وتحديدا قبل عام٢٠١٨، كان بوسعك أن تتوجه إلى محكمة الأسرة، (التى كان اسمها قبل ذلك محكمة الأحوال الشخصية) وتطلب استخراج صورة رسمية من إعلام الوراثة الخاص بالمدين أو بأى مواطن راحل آخر تحتاج إلى معرفة أسماء ورثته لسبب أو لآخر.. أما الآن فإنك لا يمكنك ذلك لأنك لست واحدا من ورثته!!. فإذا ما تقدمت إلى النيابة العامة طالبا منها أن تصرح لك باستخراج صورة من الإعلام، فربما لن تصرح لك للسبب ذاته، وهو أنك لست وريثا له!!، وحتى إذا قدر لك بطريقة أو بأخرى أن تعرف اسم واحد من الورثة، فلن يكون بوسعك حينئذ أن تلجأ إلى القضاء لأنك لا تملك مستندا يثبت أن الاسم الذى عرفته هو بالفعل واحد من ورثة المدين وأنه الاسم الحقيقى المعتمد فى الأوراق الحكومية وليس مجرد اسم للشهرة أو فى حالات معينة اسم للدلع!، (وأترك الآن للقارئ، وكذلك للجهة التى أصدرت هذا الحظر، أن يجيب على السؤال الآتى: هل هذا تيسير أم تعسير أم تكبيل لصاحب الحق يحول بينه وبين الوصول إلى حقه فى حالة عجزه عن التوصل إلى أسماء الورثة؟)، وهل أسماء الورثة جزء من الأسرار الشخصية لأصحابها حتى يقال مثلا إن هذا الحظر يحمى حرمة الحياة الشخصية؟، أم أن الأسماء جعلت أصلا لكى يعرفها الآخرون ويستخدموها؟. ومن المثال السابق أنتقل إلى مثال آخر من أمثلة التعسيرات التى استحدثت منذ سنوات والتى أصبحت تمثل عبئا ثقيلا على أصحاب الحقوق المهضومة وأعنى به قانون الرسوم القضائية رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٩ الذى ضاعف تلك الرسوم أضعافا مضاعفة،. صحيح أن من يتحمل عبء الرسوم فى النهاية هو خاسر الدعوى، لكن صاحب الحق قد يعجز فى حالات معينة عن تدبير الدفعة الأولى من الرسوم المطلوبة وقت رفع الدعوى والتى كانت فيما مضى تقدر على أساس الألف جنيه الأولى فقط من قيمة الطلبات الواردة فى صحيفة الدعوى بواقع ٢.٥٪ أى ٢٧.٥ (سبعة وعشرين جنيها ونصف الجنيه فقط بالنسبة لدعوى قيمتها مثلا أربعون ألف جنيه، على أن تسوى الرسوم بشكل نهائى طبقا لما يقضى به الحكم النهائى فيها)، لكنها فى قانون الرسوم الجديد ١٢٦ لسنة ٢٠٠٩ قد تضاعفت إلى أضعاف أضعاف تلك القيمة، وهوما يجعلنا نتساءل مرة أخرى هل هذا تيسير أم تعسير؟.. ومما زاد الطين بلة صدور الكتاب الدورى رقم ٢ لسنة ٢٠٠٩ الذى خالف القانون مخالفة صارخة، والذى يمثل مأساة أخرى مفزعة من مآسى التعجيز ربما نعود للحديث عنها فى مقال لاحق.