مصر: تحرك حكومي للتصدي لفقر الدم

الفجر الطبي



لم تكن منار يوسف، التي تقيم في حي البساتين الفقير جنوب القاهرة في مصر، متأكدة من المرض الذي أصاب ابنتها بسملة إلى أن اصطحبتها إلى الطبيب المختص الذي وجد أنها تعاني من فقر الدم الناتج عن نقص الحديد.

ووصفت منار حالة ابنتها قائلة: كانت شاحبة طوال الوقت، وتشعر بالإجهاد بعد أي مجهود ، مضيفة أنها كانت تعاني أيضاً من آلام في الساقين ومن حالات إغماء متكررة.

وتصف منظمة الصحة العالمية فقر الدم على أنه حالة يكون فيها عدد خلايا الدم الحمراء أو قدرتها على نقل الأكسجين غير كافية. وينتج ذلك أساساً عن نقص الحديد، ويصحبه إجهاد ودوخة وضعف ونعاس. وتعتبر النساء الحوامل والأطفال أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بفقر الدم.

وقد أصبح هذا المرض أكثر انتشاراً في مصر بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المعقدة وسوء التغذية والالتهابات التي تسببها أحياناً الديدان الشصية، وفقاً لجليلة مختار، وهي طبيبة أطفال بارزة في جامعة عين شمس بالقاهرة. وتظهر معظم هذه الحالات بين الأطفال في الأحياء الفقيرة وفي مناطق العشوائيات.

ورغم أن شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لم تتمكن من الحصول على أية إحصاءات حكومية، إلا أن جليلة مختار قدرت، استناداً إلى الدراسات الخاصة بها، أن فقر الدم الناتج عن نقص الحديد يصيب أعداداً متزايدة من الناس، موضحة أن الحمية الغذائية للفقراء تكاد تفتقر للحم أو الخضروات بالإضافة إلى أنهم أكثر عرضة لأضرار التلوث الذي قد يتسبب في إضعاف نظام المناعة.

من جهتها، قالت عزة جوهر، رئيسة المعهد القومي للتغذية التابع للحكومة: بلغ معدل فقر الدم الناتج عن نقص الحديد لدى الأطفال في مصر في العام الماضي 46 بالمائة، وهذا العام زاد المعدل بنسبة 5 بالمائة. هذا يعني أن نسبة فقر الدم لدى الأطفال في مصر أصبحت تبلغ 51 بالمائة. نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة والتخطيط لتنفيذ برامج للتصدي لهذا الوضع، وإلا سوف تستمر معدلات فقر الدم في الارتفاع .

وكان المسح الصحي الديموغرافي الذي أُجري في مصر عام 2005 قد توصل إلى أن ربع المراهقين الذكور وثلث المراهقات الإناث في مصر يعانون من فقر الدم، حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

وأوضحت منار أن ابنتها التي تبلغ من العمر سبعة أعوام تحصل على غذاء خاص من البسكويت المدعَّم بالحديد وحمض الفوليك في المدرسة، ولكنها لا تأكل عندما تعود إلى المنزل سوى وجبات تتكون من الكربوهيدرات بشكل رئيسي. وأشارت إلى أن هناك أناساً آخرين أكثر فقراً يعاني أطفالهم من حالة مرضية أكثر سوءاً.

ويرعى المعهد القومي للتغذية، بالتعاون مع اليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي، برنامجاً يوفر لجميع أطفال المدارس البسكويت المدعَّم بالحديد وحمض الفوليك.

تدعيم الأغذية

أدى القلق المستمر حول انتشار فقر الدم الناتج عن نقص الحديد إلى تحرك السلطات لإضافة الحديد وحمض الفوليك لدقيق الخبز.

وفي هذا السياق، قال فتحي عبد العزيز، مساعد وزير التضامن والعدالة الاجتماعية: لقد قمنا بالفعل بتجربة تدعيم الأغذية في بعض المناطق ، مشيراً إلى أن الهدف هو تدعيم الخبز في جميع أنحاء الجمهورية اعتباراً من عام 2012. ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة السنوية لتدعيم الخبز بالحديد وحمض الفوليك 80 مليون جنيه مصري (10.3 مليون دولار). وأضاف أن الحكومة ستقوم بتوفير آلات خلط خاصة للمخابز، مشيراً إلى أن هذه العملية لن تؤثر على لون أو مذاق الخبز.

كما تدعم الحكومة توفير حمض الفوليك للنساء الحوامل من أجل ضمان حصولهن على الفيتامينات اللازمة. ويفترض أن تتناول الحوامل حبوب حمض الفوليك في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، ولا تتعدى تكلفة ذلك بالنسبة لهن 16 جنيهاً مصرياً. وعلقت عزة جوهر من المعهد القومي للتغذية على ذلك بقولها: نحن نشجع النساء الحوامل على تناول حمض الفوليك يومياً. إننا نقوم بذلك منذ عام 1998 .

عواقب خطيرة

تتجاهل معظم البلدان النامية مرض فقر الدم، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، على الرغم من كونه واحداً من أكثر مشاكل الصحة العامة انتشاراً ويتسبب في عواقب وخيمة على التنمية الوطنية. وحسب البنك الدولي، يعتبر فقر الدم واحداً من أكثر عشرة عوامل خطر تسهم في إثقال العبء المرضي في العالم.

ووفقاً لليونيسيف، هناك أكثر من اثني عشر نوعاً مختلفاً من فقر الدم، بعضها ينتج عن نقص مادة تغذوية أساسية واحدة أو عدد منها، بينما ينتج البعض الآخر عن حالات لا تتعلق بالتغذية، مثل الالتهابات. ويعاني الناس من فقر الدم غير الغذائي (مثل حالات فقر الدم المنجلي والثلاسيميا، التي تسببها الاضطرابات الوراثية)، ولكن تبقى هذه الحالات قليلة بالمقارنة مع حالات فقر الدم الغذائي التي يقل فيها الهيموغلوبين أو خلايا الدم الحمراء في الدم عن المعدل الطبيعي بسبب النقص الشديد في الحديد.

وقد استنتجت دراسة حول أهمية فقر الدم بسبب نقص الحديد بالنسبة للصحة العامة أن: فقر الدم بسبب نقص الحديد يصيب ربع سكان العالم، وينتشر على نطاق واسع في معظم البلدان النامية... ويكمن الأثر الحقيقي لنقص الحديد وفقر الدم في الإحصاءات العامة عن معدلات الوفاة ونزيف الولادة وضعف الأداء المدرسي وانخفاض الإنتاجية. كما أن له تأثيرات خطيرة على المناعة وقابلية الإصابة بالعدوى والقدرة على العمل البدني والإدراك .