د. رشا سمير تكتب: ثلاثية الأمل في لبنان بقيادة طوجي والرحباني ومعلوف
تعودنا على مدار أعوام طويلة أن تولد المعارك من قلب لبنان..وأن تتوارى أصوات القنابل في وجود أصوات المبدعين اللبنانيين..وقرأنا في كتب التاريخ أن الحرب في لبنان مكانها لم يكن أبدا هو جبهة القتال بل الحرب تشتعل دوما في القلوب والعقول، ليبقى سلاحها الوحيد هو الأقلام والأحبار والأوتار.
فكم من مرة تعثر لبنان وقام أقوى من الأمس..وكم من مرة إنحنت بيروت للريح ثم عادت شامخة عالية عزيزة، مكانها هو قلب الدنيا.
لبنان إنتصر مرارا على جميع التحديات التي جابهت الشعب بطريقة يتفرد بها هذا الوطن عن غيره من الأوطان، لأنه ببساطة وطن لوائه الثقافة والغناء والإبداع.
فيروز..إلياس رحباني..جبران خليل جبران..ميخائيل نعمة..وديع الصافي..كمال الصليبي..جبور الدويهي..أمين معلوف..أمين الريحاني..ماجدة الرومي وغيرهم.
كل هؤلاء كانوا على مر الزمان هم كتيبة المبدعون في لبنان..هم جيشها الحامي وقلبها النابض.
ومنذ أيام أعلنت الكتيبة إنضمام ثلاث جنود آخرين إلى جيش مجابهة الإرهاب في لبنان هم:
هبة طوجي، أسامة رحباني وإبراهيم معلوف.
إعتلت النجمة صاحبة الحنجرة الذهبية هبة طوجي يوم 22 مايو خشبة مسرح الـ«فوروم دو بيروت» المشهور بمسرح "الرحابنة" في حفل مجاني عنوانه "ليلة أمل"..
في مشهد مهيب إمتلأ مسرح الرحبانة بالألاف من متابعي النجمة الشابة المتألقة التي ما دام تغنت للبنان وعن لبنان ليستمعوا ويتمتعوا ويتحدوا على صوت قيثارة بيروت هبة طوجي، بصحبة أنغام المؤلّف الموسيقيّ والمُنتج المتفرد أسامة الرحباني، في حضور متميز مع عازف البوق والمؤلف والموزع وأستاذ الموسيقى المشهور إبراهيم معلوف.
مشهد أعاد للعالم كله صورة تفرد بها لبنان على مر التاريخ..التحضر والرُقي..
إنه مشهد واحد وألف وجه..مشهد فيروز وهي تشدو عن جرح لبنان..مشهد الشباب وهم يتلاقون في مرفأ بيروت ليلملمون معا أشلاء الدمار الذي أحدثه الإنفجار الغاشم..مشهد نزول هذا الشعب في مظاهرات إستثنائية ضد الفساد والحكام الطغاة وفي قلوبهم أمل ورغبة في الإنتصار..وهو بالتأكيد نفس مشهد وقوف أبناء هذا الوطن العظيم في الشوارع وأمام صناديق الإقتراع في لبنان وفي كل الدول الأخرى منذ أسابيع في الإنتخابات النيابية من أجل إحداث تغيير حقيقي وإختيار الأصلح، ومن أجل إستعادة وطن مزقته المصالح والطائفية والنفوس الخربة..
المشهد واحد..والناطق بإسم لبنان واحد..شعب يبغى الحرية.
إنها فكرة أطلقها أسامة الرحباني وتحمست لها هبة طوجي، وشاركهما أوركيسترا عظيم وجموع متميزة من الراقصين وإنضمت إليهما الفنانة إليسا لتؤكد الرسالة أمام جمهور راقي إحترم طريقة التسجيل وقواعد التنظيم والحجز المجاني ليشارك في ساعتين من الإبداع هما في الحقيقة رسالة قوية لكل الساسة والمسئولين الذين جثموا على أنفاس لبنان واغتصبوا حريته..
الرسالة مفادها....إرحلوا واتركونا ليعود الوطن!.
قالت هبة طوجي في رسالة للجمهور: " أن واجبنا أن نستمرّ ونناضل، صراعنا وبقاؤنا هو لاستمرارية الفنّ والفكر والثقافة التي تغيب في ظلّ هذه الأوضاع، ولأنّ في كلّ خطوة نقدّمها نحاول أن نرفع رأس بلدنا في العالم، أتمنّى أن تكون الليلة ليلة أمل، وأن ننسى كلّ ما يحصل، ونعيش اللحظة..افرحوا معنا، وثوروا معنا، واغضبوا معنا".
اعتلى الرحباني المسرح ليصدح صوته قائلا: "من حقّنا أن نقدّم فنًّا ونظلّ منارة مختلفين عن جميع الناس، لأنّنا الوجه الذي يجعل لبنان مختلفًا تمامًا بفضل مبدعيه من الفنّانين والمفكّرين والمثقّفين، في ظلّ غياب أيّ خطة في المستقبل أو رؤية من أيّ سياسيّ تخصّ هذا الأمر، الذي هو الأقوى في العالمين العربي والغربي، والذي يُبدع فيه جميع اللبنانيّين، ولذا قرّرنا أن نستمرّ ونقاوم مقاومة ثقافيّة فكريّة وفنيّة".
لي أصدقاء من كل أنحاء لبنان، من بيروت وطرابلس وبشري وجبيل، أعلم جيدا أنهم عانوا وتأثروا وتمزقوا وربما في كثير من الأوقات داهمهم اليأس، إلا أن كلماتي كانت وستظل لهم دائما هي: ((لبنان سيعود)).
تحية من القلب لكتيبة الإبداع الوطني "هبة وأسامة وإبراهيم".. وتحية عطرة لفورم بيروت على هذا الحفل الرائع والتنظيم المنمق وعلى كل التحديات التي قابلتهم في إخراج هذا الحفل بهذه الصورة المشرفة.
أخيرا وليس أخرا، باقة حب أرسلها لكل فني إضاءة ومصمم رقصات وموسيقي وديكوريست ومصمم ملابس وعامل نظافة ولكل فرد كبير أو صغير ساهم في هذه الليلة الرائعة..التي لم تكن فقط ليلة أمل بل هي في الحقيقة عمرا من الأمل في غد لبنان.