زايد الأب صاحب فكرة حجب البترول لمساندة مصر فى حرب أكتوبر
خليفة تطوع فى الجيش المصرى لعدة أشهر
زايد الابن هدد بسحب الاستثمارات من الدول الأجنبية التى تقف ضدنا بعد ثورة ٣٠ يونيو
من النادر أن يشكل تاريخ أسرة تاريخ ومستقبل بلد، ولكن هذا ما حدث بالفعل مع أسرة آل نهيان التى بدأت بالشيخ زايد رحمه الله مؤسس الدولة وأول رئيس للإمارات والرئيس الـ١٥ لإمارة أبوظبى ثم ابنه خليفة الرئيس الثانى منذ عام ٢٠٠٤ حتى رحيله الأسبوع الماضى لتنقل الرئاسة إلى ولى العهد محمد بن زايد الرئيس الثالث والحالى للإمارات.
مابين جيل الآباء وجيل الأبناء ظل العشق موصولا بين الأسرة ومصر الشقيقة الكبرى، وظل العمل الدؤوب لتحقيق الأحلام إلى واقع، واقع جعل الإمارات من أهم الدول الآن بين كل دول العالم، وكأى بنيان فإن كل رئيس شارك فى تحقيق بعض الأحلام وأكمل أحلامًا أخرى للرئيس السابق، ومع ذلك ورغم تداخل الأحلام فإن الرئيس الجديد للإمارات محمد بن زايد يمكن بلورة اتجاه خاص جدا له يتعلق بالسياسة الخارجية للإمارات.
على الرغم من أن آل نهيان أسسوا إمارة أبوظبى فى عام ١٧٦٤ إلا أن تاريخ وجودهم فى المنطقة إلى القرن السادس عشر، ولكن النقلة الخطيرة والمؤثرة فى تاريخ الإمارات وليس أبوظبى فقط كانت عام ١٩٦٦.حيث تخلى الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان إلى شقيقه الشيخ بن زايد عن حكم أبو ظبى، ولم يكن الشيخ شخبوط مؤمنا بالتحديث ولا يثق بالأجانب ولا يحلم بتوحيد الإمارات التسع (رفضت قطر والبحرين الانضمام للاتحاد)، ولذلك فإن وصول الشيخ زايد إلى السلطة أحدث النقلة الرئيسية، فقد ساهم بقوة فى تأسيس دولة الإمارات عام ٧١. كما اهتم بتحديث الإمارات وأبوظبى ولعب دورا مهمًا على مستوى الوطن العربى وهو أول من دعا إلى وقف تصدير البترول العربى للغرب خلال حرب أكتوبر عام ٧٣، كما أن الشيخ زايد كان عاشقا لمصر مقدرا دورها كشقيقة كبرى، ولم يتأخر يوما عن مساندة ودعم الاقتصاد المصرى خلال محنته فى عهد الرئيس السابق مبارك، وقبل أن تستطيع مصر تكوين احتياطى نقدى قدم الشيخ زايد ضمانه الشخصى المالى لتغطية احتياجات مصر من القمح والغاز فى حالة عجزها عن السداد.
وكان الشيخ زايد يقدر زوجته الشيخة فاطمة بنت مبارك تقديرا كبيرا لحكمتها وقد لعبت دورا هاما فى مساندة المرأة الإماراتية وشجعت تعليمها وترأست فى الاتحاد النسائى منذ نشأته والعديد من المنظمات المعنية بالطفولة والمرأة والأسرة، ونظرا لتقديره الكبير لها، فقد توقع بعض المحللين الأجانب أن يسند الشيخ زايد ولاية العهد لابنها محمد بن زايد، ولكن الشيخ زايد لجأ إلى حل آخر فاختار ابنه الأكبر خليفة لولاية عهده وعين محمد نائبا لولى العهد، ليكون محمد بن زايد الرئيس بعد رحيل خليفة، وهو ما حدث فى الواقع، وقد حصدت الشيخة فاطمة العديد من الألقاب مثل أم الشيوخ وأم الإمارات فى عام ٢٠٠٥ وسفيرة فوق العادة لعدد من المؤسسات الأجنبية.
وفى عهد الشيخ زايد بدأ وضع الأساس للدولة الحديثة، وكان متحمسا لتنفيذ أكثر الأفكار صعوبة لمصلحة بلاده، ومن هذه الأفكار إصراره على زراعة أرض الإمارات متحديا الطبيعة ونجح بالعلم فى ذلك الحلم.
وبعد رحيل الشيخ زايد تولى الشيخ خليفة رئاسة الإمارات فى عام ٢٠٠٤، ولمن لا يعرف فقد شارك الراحل الكريم فى حرب أكتوبر لمشاركة أشقائه المصريين فى الحرب ضد العدو الإسرائيلى، واهتم خليفة بتوسيع قاعدة الملكية فى البلاد، فمنح المواطنين محلات وشركات مجانا ليبدأوا عملهم الخاص وثروتهم الخاصة.
كما أسرع الشيخ خليفة لمساندة إمارة دبى فى الأزمة العالمية التى ضربت العالم عام ٢٠٠٩، وأقرضها مليارات من الدولارات لتواصل دبى تألقها من خلال أفكار الشيخ محمد بن راشد.
ولاشك أن الحالة الصحية للشيخ الراحل خليفة أثرت على توهج رئاسته فقد تعرض للمرض فى عام ٢٠١٠ ثم سكتة دماغية فى عام ٢٠١٤ ولم يظهر بعد العملية الجراحية التى أجراها بعد السكتة لمدة ثلاث سنوات، ولكنه لم يحد يوما على الخط العربى القومى، وظل أمينا على وصية والده الشيخ زايد بدعم مصر ومساندتها دوما وهى وصية كانت من آخر وصايا الشيخ لأبنائه قبل رحيله.
ونظرا للظروف الصحية الصعبة للشيخ الراحل خليفة فإن تحمل ولى العهد محمد بن زايد معظم المهام فى السنوات الأخيرة، ولذلك لا يتوقع معظم المحللين أن تشهد سياسات الإمارات تغييرا يذكر.
ركز بن زايد على دعم صورة الإمارات بوصفها واحة للتسامح، وكانت ذروة هذا التوجه هى دعوة بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، ولكنه ركز فى السياسة الخارجية على أن تصبح الإمارات فاعلا فى الوطن العربى والمنطقة والعالم كله، وركيزة من ركائز الاستقرار فى المنطقة، وفى سبيل ذلك اعتمد فى سياسته الخارجية على الانفتاح على الجميع بما فى ذلك الأطراف التى لا تتوافق مصالحها سويا، وبل ولعب دورا فى تقريب المسافات بين هذه الدول، ولاشك أن خطوة توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل كانت خطوة جبارة ومثيرة للجدل فى سلسلة سياسات الشيخ محمد بن زايد، ولا ينافس هذه الخطورة جدلا سوى إرسال الإمارات قوات فى اليمن.
ولكن الرئيس الثالث للإمارات لم ينس مساندة مصر ودوره فى مساندة مصر بعد ثوره ٣٠ يونيو لا يمكن أن ينسى سياسيا أو اقتصاديا، وقد لوحت وهددت الإمارات بسحب أو تجميد استثمارات ضخمة فى أى دولة تقف ضد مصر أو تصف الثورة بالانقلاب أو تساند الإخوان، وعلى الرغم من الدعم العربى من السعودية والكويت وسلطنة عمان إلا أن دعم الإمارات اقتصاديا امتد لسنوات أكثر وبشكل أعمق وفى مختلف المجالات، سواء فى المؤسسات الدولية المالية أو شركات إعادة هيكلة الاقتصاد.
فى الحقيقة لم تتوان الإمارات لفترة طويلة عن تقديم المساندة لمصر، فحب مصر ينتقل من الأب لأبنائه، وهو عشق ستجده لدى الكثير من الشعب الإماراتى خاصة أمير الشارقة الشيخ سلطان القاسمى.