د. نصار عبدالله يكتب: لماذا قتلوا شيرين؟
أسئلة تتردد على ألسنة الكثيرين.. لماذا قتلوا شيرين؟.. وما هى مصلحتهم فى قتلها؟وهل تحققت تلك المصلحة فعلا؟.. غنى عن الذكرأن التى نتكلم عنها هى المراسلة الصحفية الفلسطينية الشهيدة «شيرين أبو عاقلة» التى لقيت مصرعها برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلى، قبل خمسة أيام فقط من الذكرى الرابعة والسبعين لاغتيال وطنها..: «فلسطين» ذلك الوطن العربى الذى جرى اغتياله عندما أعلن فى ١٦مايو ١٩٤٨عن قيام كيان جديد فى الشرق الأوسط اسمه إسرائيل !!..ومنذ ذلك التاريخ وأيدى الإسرائيليين مازالت ملطخة بالدماء..أحيانا بذرائع مفهومة، وأحيانا أخرى بذرائع واهية، وأحيانا ثالثة بغير ذرائع على الإطلاق!.. لكن عدم وجود ذرائع لا يعنى عدم وجود دوافع، ولكى نفهم تلك الدوافع التى تجعل جنودا مدججين بالسلاح يطلقون النار من مسافة قريبة على صحفية عزلاء (بالمناسبة ليست هى الصحفية الفلسطينية الأولى التى يتم اغتيالها بل سبقها إلى ذلك عشرات من الصحفيين الشهداء الذين جرى اغتيالهم بنفس الطريقة الوحشية: رصاصة فى الرأس).. لكى نفهم تلك الدوافع فهما أعمق لا بد لنا أن نأخذ فى اعتبارنا ثلاثة اعتبارات مهمة،أولها هوطبيعة السيكولوجية الإسرائيلية التى لا يمكن وصفها بأنها عنصرية فحسب ولكنها أيضا سيكولوجية مريضة مشوهة ساعد على تشويهها وتحويلها إلى مرض نفسى مزمن عشرات القرون من الاتهام لليهود بأنهم مسئولون عن صلب السيدالمسيح ما دفعهم إلى أن يتحولوا على مدى تاريخ عيشهم الطويل فى أوروبا إلى جيتوهات منعزلة تشعر بالكراهية والاستعلاء على كل من حولهم، ولنقرأ معا ما كتبه الروائى الروسى العظيم فيودور دوستويفسكى فى مقال له بعنوان: «فى المسألة اليهودية» نشر فى أواخر القرن التاسع عشر فى الطبعة الأولى من كتابه «يوميات كاتب»، الذى قام الدكتور أشرف الصباغ بترجمته بعدأكثر من مائة عام من صدوره..يقول دوستويفسكى: لا يوجد لدى شعبنا «الروسى»، أى كره أوتحامل، مبنى على غير التجربة تجاه اليهود، على شاكلة القول بأن يهوذا هو الذى خان المسيح،.. إن شعبنا كله ينظر إلى اليهودى، دون أى كره، فلم يحتقرهم أحد، ولم يستثنهم أحد أو يطردهم «. ولكن انظر ماذا حدث..، إن اليهود يتجنبون الروس، يرفضون الأكل معهم، وينظرون إليهم باستعلاء (حتى فى السجون)، بل إنهم يبدون، تقززهم، واشمئزازهم بشكل عام، من كل ما هو روسى، ومن الشعب الأصلى «ولقد راودتنى أحيانا، فانتازيا،.. ماذا لو لم يكن اليهود فى روسيا هم الثلاثة ملايين، وإنما الروس، بينما اليهود هم الثمانون مليون، هل كان من الممكن أن يمنحوهم حقوقا متساوية، مقارنة بأنفسهم، هل كان يمكن أن يتيحوا لهم فرصة الصلاة فى حرية، أم أنهم كانوا سيحولونهم إلى عبيد لديهم، وأسوأ من ذلك، أن يسلخوا جلودهم تماما، وربما ضربوهم ليصل الأمر إلى الإبادة، كما فعلوا مع الشعوب الأخرى قديما فى تاريخهم العتيق؟»..وللأسف الشديد فقد تحققت فانتازيا دوستويفسكى وتحولت إلى واقع، ليس فى روسيا ولكن فى مكان آخرهو فلسطين التى كان ينطبق عليها فى عام١٩٤٨ ما كتبه دوستويفسكى نفسه فى المقال ذاته فى عام ١٨٩٥حيث كتب يقول: «إن اليهودية تزدهر فى تلك الأماكن التى يكون فيها الشعب جاهلًا أو غير حر، أو متخلفًا اقتصاديا، هناك فقط يصيرون سادة وأحرارًا، وبدلا من أن يحدث العكس، بأن يرفعوا بنفوذهم مستوى التعليم، ويعملوا على زيادة المعرفة، وتوليد القدرة الاقتصادية، لدى السكان الأصليين، بدلا من ذلك، نجد اليهودى، أينما حل وأقام، أذل الشعب، وأفسد فيه، ونشر الفقر بحيث ينمو معه اليأس ويترعرع، اسألوا السكان الأصليين فى أنحاء البلاد، ماذا يحرك اليهود، وماذا حركهم طوال السنين الماضية؟ ستحصلون على إجابة واحدة: « عدم الرحمة»، عدم الرحمة تجاهنا، وفقط الارتواء بعرقنا ودمنا..وماعبر عنه دوستويفسكى فى مقاله سالف الذكر يمثل المحرك الأول لاغتيال شيرين وغير شيرين، أما الاعتبار الثانى أو المحرك الثانى فهو الخوف الفطرى من جانب المجرم أى مجرم ممن يحاول كشف حقيقته وتوثيقها وهو ما يضاعف لدى الصهاينة ميلهم إلى تغييب الآخر وقد كانت شيرين هى صوت الحقيقة التى يحاول الإسرائيليون تغييبها، أما المحرك الثالث فهو الدعم اللامتناهى من جانب أمريكا، وهو ما جعلهم دائما بمنأى عن المساءلة والعقاب..وهنا فإننى أهيب بالدول العربية جميعا أن تتقدم إلى الأمم المتحدة بطلب لإعادة القرارالذى يقضى باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العـصرية وهـذا هوأضعف الإيمان.