طارق الشناوي يكتب: زومبى على الريفيرا.. عنف ودماء وتقزز.. بينما يضحك الجمهور!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

ارتبط حرف z بالمدرعات الروسية أثناء غزو أوكرانيا، والذى تصدر نشرات الأخبار، فصار مجرد الإشارة إليه يحمل نوعًا من التأييد الرمزي لروسيا.


 

كان الاسم المبدئي لفيلم الافتتاح بالمهرجان (زد تعنى زد)، ثم استقر الأمر تحسبًا من أي حساسية إلى (فاينال كات) «القطع النهائي»، وهو يُقرأ على نحو خاص، حيث إنه تعبير شائع مستخدم بين السينمائيين، ويعنى «النسخة النهائية»، وأيضا له وجه آخر ملئ بالدماء يشبه حالة الفيلم. واكب عرض الفيلم الفرنسي فى افتتاح المهرجان عرضه أيضا في نفس التوقيت للجمهور.


 

الأجواء السياسية لاتزال مسيطرة على الأحداث، وأصداء كلمة الرئيس الأوكراني زيلينسكى في الافتتاح باتت لها مساحة معتبرة على (الميديا) بكل أطيافها.. عبور الخط الفاصل بين ما هو فنى وما هو سياسي بكل تلك المباشرة أتوقع أن نرى لها تنويعات عديدة قادمة في الكثير من التظاهرات المماثلة على المستوى الاجتماعي وليس فقط الفني أو الثقافي، وسنجد أن عشرات من المهرجانات تقطع الخط الفاصل بينهما.


 

ورغم ذلك فإن هناك حالة لا تنكر من الدفء الذى واكب تكريم فوريست ويتكر النجم العالمي الأسمر، ألقت بظلالها على المهرجان، عندما وقف له كل الحاضرين تحية تقدير واحترام على عطائه.. كان مشهدا مؤثرا وأيضا مستحقا، وبحضور النجمة الاستثنائية جوليان مور التي أضفت بريقا ووهجا.. ثم تلك الحفاوة في اليوم التالي لـ«توم كروز» النجم الأمريكي الذى خطف كل الأضواء الجماهيرية.


 

المهرجان يواكب إحساسنا بالتعافي، أو دعني أقُل لك: لأول مرة بعد عامين أستقل الطائرة ولا يطلب منى أن أضع كمامة.. وأيضا تكرر ذلك في العروض السينمائية، صارت الكمامة مسؤولية كل إنسان، وهو حر في اختياره، لا أزال أرى عددا قليلا من الناس في القاعات أو الشارع حريصا على ارتدائها، الإحساس بالمهرجان الواقعي حالة أخرى.. العام الماضي في (كان) كنا كل 48 ساعة نتعرض لفحص (بي. سي. آر)، ولا يسمح بالدخول إلى دار العرض إلا بعد التأكد من سلبية العينة، بينما في (برلين) شهر فبراير الماضي كان المطلوب هو فحص (أنتى جين) للأجسام المضادة كل 24 ساعة، مما يقتل تماما الإحساس بالمهرجان.. وهكذا عُدنا لإحساس قديم طال انتظاره.


 

عُرض قبل يومين الفيلم التونسي (حرقة) في قسم (نظرة ما). حرص مخرج وكاتب الفيلم لطفى ناثان فى البداية على الإشارة إلى أنه ليس تونسيًا، وأشار إلى أن أهله مصريون ويعيشون فى مصر ولا يزالون، فهو كما علمنا بعد ذلك مصري الجذور.. وكانت لمحة خاصة جدا ومختلفة، لأن كل أجهزة الإعلام أشارت قبل المهرجان إلى أن المخرج تونسي، لأن الأحداث تجرى باللهجة التونسية وأرض التصوير هى تونس.


 

كما أنه يروى بطريقة ما عن الشاب التونسي الذى فجر ثورات الربيع العربي «محمد بوعزيزي»، الذى أحرق نفسه احتجاجا على ارتفاع الأسعار وعلى إهانته، فاندلعت من تونس ثورات الربيع العربي.. وفى تعبير سينمائي بليغ جدا، شاهدنا في اللقطة الأخيرة من (حرقة) البطل يلقى على نفسه البنزين ويشعل النيران أمام الجميع ولا يُعره أحد اهتمامًا، دلالة على فقدان الأمل في ثورة أخرى بسبب سلبية الشارع.


 

لخصوصية الدورة هذا العام، تضاعف الإقبال وزادت الدائرة شغفا على المستوى الجماهيري، وبعد أن تعثر سيستم ( نظام) حجز التذاكر في بداية المهرجان بدأ التعافي تماما، والصعوبات التي عشناها في بداية المهرجان تناقصت وأصبحنا بنسبة كبيرة نختار الفيلم الذى نريد مشاهدته وليس فقط المتاح أمامنا.


 

هذه الدورة كنوع من الضبط والربط.. وحتى يضمنوا سرعة الإيقاع على السجادة الحمراء، تم إلغاء التصوير حتى بالموبايل للحاضرين بعضهم البعض، ناهيك عن تصوير النجوم الذى يعاقب من يفعل ذلك بسحب (كارنيه) الدخول.


 

أنتظر دائما كلمة البداية، التي نطلق عليها (براعة الاستهلال)، وافتقدنا مع الأسف الفيلم الذى يستحق هذا التوصيف، كان الافتتاح رائعا سريع الإيقاع، إلا أننا لم نعثر على الفيلم الذى يليق بالدورة (الماسية). المفروض أن (فاينال كات) يقدم الوجه الضاحك للرعب، (الزومبي) مصاص الدماء.. وبالمناسبة قبل نحو أسبوع، كنت فى السينما المصرية أشاهد (زومبي) على الطريقة المصرية، ولم أكن أضحك، لكن الجمهور كان يضحك.. فسرت الموقف وقتها أنهم جمهور لا يتجاوز عمرهم 12 عاما يذهب للسينما من العام للعام لينفق (العيدية) على فيلم يُضحكه، وإذا لم يجد الضحكة يخترعها.. هذه المرة تكرر الضحك في (كان)، ولم يكونوا قطعا أطفالًا، كما أنهم لم يحصلوا على (عيدية)، إلا أنهم يضحكون من كل قلبهم على الفيلم الفرنسي.


 

الفيلم مأخوذ عن فيلم ياباني قديم، أُنتج قبل نحو خمس سنوات، وهم يذكرون ذلك بوضوح وصراحة في (التترات)، عكس ما نفعل تماما في مصر.. والكاتب والمخرج الفرنسي ميشيل هازا فيسيوس هو أيضا كاتب السيناريو المقتبس، الفيلم يدور في عالم مصاصي الدماء، والمفروض أنه يقدم السينما داخل السينما. كثير من الأفلام يقدم هذا القالب الذى يعتمد على أن الجمهور يقف دائما على الخط وعلى نفس موجة صناع الفيلم، أنت تشاهد الأبطال في تصوير يجرى واقعيا عندما يمتد الخيط الدرامي لنتابع دخول الزومبى الواقعي في الأحداث، وبين الحين والآخر لا يتوقف المخرج على قطع استرسال الاندماج العاطفي.


 

سينما الرعب عمومًا، والزومبى تحديدًا، تشكل جزءا مهمًا ومحوريًا على خريطة السينما العالمية.. وقبل أن تندمج، تدرك أنهم يصورون الفيلم داخل الفيلم، وتتداخل الخطوط الفاصلة بينهما، وتجد صدى جماهيريًا واسعًا للإثارة والرعب تثير الخوف قطعا، ولكن هناك دائما الوجه الآخر للحكاية، وهذا الفيلم يقدم هذا الوجه الضاحك، فهو يوقف حالة الاستغراق اللاشعوري في أفلام الرعب، وبين الحين والآخر يجبرك على أن تستيقظ ليؤكد لك أن ما تراه هو مجرد فيلم، إلا أن هناك لقطات تشعرني حقيقة بالغثيان، ثم أجد الضحكات الصاخبة في الصالة تفتح شهية الجمهور للضحك الهستيري، هل عَدْوَى الزومبى المصري وصلت حتى إلى شاطئ الريفيرا؟!


 

الرابعة مساء أمس، عُرض فيلم (صبى من الجنة) للمخرج المصري السويدي الجنسية طارق صالح، والفيلم سويدي الجنسية، ورغم ذلك مؤكد أنه سوف يثير الكثير من الصخب في مصر، لأنه يتناول الأزهر الشريف.. نُكمل غدًا!!.


 

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).