"حفلات الشاي" شبح الإفلاس الذى يطارد أمريكا.. ومخاوف من حرب صليبية جديدة
كان فشل الحزبين الديموقراطي والجمهوري في إقرار موازنة السنة المالية 2014 والإتفاق على رفع سقف الدين العام، في وقت مبكر من صباح اليوم السبت، سبباً في أن تخرج صحيفة الواشنطن بوست بافتتاحية تصب فيها جام غضبها على الجانبين، بالكلمات التالية:
الدولة معطلة والحكومة مشلولة ..ما هذا العبث السياسي وأي تشريع يحكم هذا البلد ..الشيء الوحيد المؤكد هو أن الأوضاع ما كانت لتصل إلى هذا السوء لولا هذين الحزبين، فكل منهما يعرف أضعف ما في خصمه جيدا ويصر على أن يوجه له أكثر الضربات إيلاماً، وخرجت الأمور عن نطاق تنافس سياسي إلى حد صراع مميت يتمنى فيه كل طرف القضاء على الطرف الأخر ..توقفوا عن تلك العداوة فوراً قبل أن نستيقظ على مذبحة ستتجاوز خطوط تنافسكم السياسي- الاجتماعي .
عجز المعسكرين الجمهوري والديموقراطي حزب الرئيس أوباما ، المستمر منذ مطلع أكتوبر الجاري، عن إقرار ميزانية السنة المالية 2014 والاتفاق على سقف محدد للدين العام، أدى لأزمة ما بات يعرف في الولايات المتحدة بـShutdown أو إغلاق الحكومة الفيدرالية ، حيث أصبحت غير قادرة على سداد مرتبات 700 ألف موظف حكومي، باتوا بين عشية وضحاها مجبرين على البقاء في منازلهم في أجازه غير محددة المدة وبدون مرتب، حيث أن القاطرة التي تقود الاقتصاد العالمي تتأرجح على شفا حفرة من الإفلاس.
الرئيس باراك أوباما، المنتمي للمعسكر الديموقراطي، ما زال يرفض الخضوع لضغوط الحزب الجمهوري المنافس، الذي يربط متعصبوه أي موافقة على الميزانية ورفع سقف الدين بإصلاح البرامج الاجتماعية التي أقرها أوباما للعام المقبل 2014، وأبرزها برنامج التأمين الصحي المعروف باسم Obamacare دخل حيز التنفيذ رسمياً في 2010 ، وكانت مطالب الجمهوريين المؤجلة منذ ثلاث سنوات، قد تم طرحها في الكونجرس مع بدء النقاش حول الملف الاقتصادي، من خلال نوابهم المحافظين من غلاة اليمين المتشدد المعروفين بـ Tea Partyأو حركة حزب الشاي ، وهي حركة جون بوينر زعيم الجمهوريين في الكونجرس على التحالف معها، رغم اعتراضات متزايدة من جمهوريين معتدلين.
تاريخ حزب الشاي
ويعود تاريخ الحركة إلى الماضي القريب، ففي ربيع عام2009نظم عدد من النواب البرلمانيين المحسوبين على الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري حفلات شاي للاعتراض على سياسة الدولة الفيدرالية فيما يخص استخدام أموال الضرائب للإنفاق على البرامج الاجتماعية مثل برنامج التأمين الصحي الجديد، الذي وعد به أوباما منذ أن كان مرشحاً للرئاسة عام 2008، ويُعد مصطلح حفل شاي رمزاً تاريخياً يشير لتمرد المستعمرات الأمريكية التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني عام 1773ضد ضرائب إضافية فرضها الإنجليز على الشاي، وفي 15 أبريل 2009، تاريخ تقديم الإقرارات الضريبية السنوية في الولايات المتحدة، كان هناك 750حفل شاي تم تنظيمها في أماكن متفرقه من البلاد, نقلا عن مبتدا .
وكان الميلاد الفعلي للحركة عقب تولي باراك أوباما مقاليد السلطة في البيت الأبيض في يناير 2008، وتم تعزيز أعداد المنتمين لـ حفلات الشاي من خلال شبكة من المليارديرات والمنتمين للتيار اليميني المحافظ، وفي عام2011 أصدر الباحثان في العلوم السياسية ثيدا سكوكبول و زميلته فانيسا ويليامسون ، دراسة توضح نمط الشخصية التي تحضر حفلات الشاي ، وكانت على النحو التالي: أبيض أنجلو- ساكسوني من ذوي الثراء الفاحش، و في الخمسين من العمر ويمتلك عقلية رأسمالية- ثقافية ليست موجوده عند كثير من الأمريكيين، والشعور المسيطر على هؤلاء هو أن الأموال التي يدفعونها للضرائب، تذهب لأمريكيين شباب من أصحاب البشرة السمراء أو من جنسيات أخرى مختلفة، لا يجدون فيهم انعكاساً لأنفسهم أو لأمريكا التي يعرفونها، وأشارت الدراسة إلى أن أغلب أعضاء الحركة من النساء.
و ما بين 2009 و2011،انضم كثير من أبناء الطبقة المتوسطة لـ حفلات الشاي ، و تم تأسيس1000منظمة تحمل نفس الأفكار، وتتمحور مطالبهم بشكل مستمر حول ثلاثة أشياء هي: تعديل مظلة التأمين الصحي المعروفة باسم Obamacare، وتقليص عجز الموازنة، ومحاربة الفساد في صفوف النخبة الحاكمة في واشنطن، وبالإضافة إلى ذلك تكافح الحركة أيضا من أجل خفض الضرائب وحجم الإنفاق العام، وانتهاج سياسة خارجية أكثر ميلاً للعزلة عن المجتمع الدولي.
ضربه قاسمه
في الانتخابات النصفية للكونجرس حقق أعضاء حزب الشاي نجاحاً ملموساً، حيث حصل 50 من أعضائه من أصل235تم انتخابهم كنواب جمهوريين على مقاعد في البرلمان من خلال ترشحهم على قوائم الحزب الجمهوري اليميني ، ويشكلون فيه الجناح الأكثر تشدداً، وطبقاً لاستطلاع أجرته صحيفة نيو يورك تايمز و قناة CBS NEWS فإن 18% من الأمريكيين يرون أنفسهم في أعضاء حركة حزب الشاي ، وخلال فترة أوباما الأولى في البيت الأبيض لم يكن نشاط الحركة على المستوى الذي انتظره أنصارها، وكانت إعادة انتخاب الرئيس الأسمر في 2012بمثابة ضربة قاسمة لأجندة حزب الشاي .
باراك أوباما الذي بنى برنامجه الانتخابي في 2008على توفير مظلة التأمين الصحي Obamacare، وعلى إحكام سيطرة الدولة في مراقبة الأسواق، تم إعادة انتخابه في مواجهة المرشح اليميني الأبيض ميت رومني ، وكان نقاش الرجلين حول الضرائب في المناظرة الانتخابية التي جمعت بينهما، كفيلا بترجيح كفة الرئيس الأسمر، حيث أعلن هذا الأخير بوضوح عن إلغاء الامتيازات الضريبية الممنوحة للأغنياء، فانطوى أعضاء حزب الشاي على أنفسهم أكثر فأكثر وكانوا سبباً في جنوح الحزب الجمهوري نحو سياسة راديكالية أكثر يمينيه، مما أفقد غالبية الأمريكيين الثقة في الحزب وفي حلوله التي يقدمها معتمداً على تقزيم دور الدولة.
خلافات داخليه
هناك خلافات داخلية في حزب الشاي تشرح ولو جزئياً الصعوبات التي واجهتها الحركة على المستويين التنظيمي والسياسي في انتخابات 2012، حيث انقسم الأعضاء ما بين جناح تحرري ، نوعاً ما، يميل إلى إلغاء دور الدولة الفيدرالية تماماً ومعها الجناح المحافظ المؤيد لدورها في الرقابة الأخلاق العامة، وجناح أخر يرى دور الدولة فقط في إعداد نشئ متدين وعلى درجة أخلاقية عالية، فيما كان الفريقان متفقان على خفض الضرائب و الأمور الاقتصادية بشكل عام.
قاعدة صلبه
تصلب حزب الشاي في مواقفه، التي وصفها أوباما بـ حرب صليبية أيدولوجيه ، قد تؤدي فعلاً لـ Shutdownأو إغلاق الدولة الفيدرالية، في حال عدم التوصل لتسوية لإقرار موازنة عام 2014ورفع سقف الدين، وتكمن قوة الحزب في قاعدة صلبة تنفق ببذخ لا معقول على الحملات الانتخابية البرلمانية لأعضاء الحزب الجمهوري، مما يدفع هؤلاء بالتبعية على التصويت بلا على الميزانية التي يقترحها أوباما و حزبه الديموقراطي الحاكم.
غير أن تلك القاعدة الصلبة تشكل سيفاً مسلطاً على تماسك الحزب الجمهوري وشعبيته، حيث أن كثير من المعتدلين في الحزب يميلون إلى التصويت بنعم على الموازنة، على الأقل حتى لا تُصاب الدولة بالشلل، وفي الوقت نفسه يخشى هؤلاء المعتدلين من فقدان الدعم المادي الذي من المفترض أن يقدمه أعضاء الشاي لهم في الانتخابات النصفية المقبلة أواخر عام 2014، حيث سيتم إعادة انتخاب 435نائباً وسيناتور في مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان الأمريكي الكونجرس ينقسم لمجلسي النواب و الشيوخ، وتُطلق كلمة سيناتور على عضو مجلس الشيوخ، ويتم إعادة انتخاب ثلثي الأعضاء في كلا المجلسين كل عامين)، وفي مواجهة دعوات الوفاق مع أوباما والديموقراطيين التي يطلقها معتدلو الحزب الجمهوري، هناك رفض قاطع من أعضاء حزب الشاي الذي تنطلق مواقفه في الأساس من أيدولوجية رافضة للنخبة سواء جمهورية أو ديموقراطية.
تفاؤل
ورغم تفاقم الأزمة بشكل يثير الكثير من المخاوف، تبدو الحاشية المقربة من الرئيس أوباما متفائلة إلى حد بعيد، ربما بسبب فارق الخمسة ملايين صوت التي فاز بها أوباما على ميت رومني في الانتخابات الرئاسية و التي جاءت في المقام الأول كمكافئة له على مظلة التأمين الصحي Obamacare، إضافة إلى أن استطلاعات الرأي تظهر أن غالبية الأمريكيين يقفون في جانب أوباما في تلك الأزمة، إذ يظهر أخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة الواشنطن بوست بالتعاون مع محطة ABC NEWS أن 6 أمريكيين من كل عشرة يعتقدون أن الجمهوريين يتعاملون مع الأزمة بشكل سيئ.